الرضا بحكم الله
«1» الْحَمْدُ لِلَّهِ رِضًى بِحُكْمِ اللَّهِ ، شَهِدْتُ أَنَّ اللَّهَ قَسَمَ مَعَايِشَ عِبَادِهِ بِالْعَدْلِ ، و أَخَذَ عَلَى جَمِيعِ خَلْقِهِ بِالْفَضْلِ «2» اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ و آلِهِ ، و لا تَفْتِنِّي بِمَا أَعْطَيْتَهُمْ ، و لا تَفْتِنْهُمْ بِمَا مَنَعْتَنِي فَأَحْسُدَ خَلْقَكَ ، و أَغْمَطَ حُكْمَكَ . «3» اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ و آلِهِ ، و طَيِّبْ بِقَضَائِكَ نَفْسِي ، و وَسِّعْ بِمَوَاقِعِ حُكْمِكَ صَدْرِي ، و هَبْ لِيَ الثِّقَةَ لِأُقِرَّ مَعَهَا بِأَنَّ قَضَاءَكَ لَمْ يَجْرِ إِلَّا بِالْخِيَرَةِ ، و اجْعَلْ شُكْرِي لَكَ عَلَى ما زَوَيْتَ عَنِّي أَوْفَرَ من شُکْرِي إِيَّاک عَلَي ما خَوَّلْتَنِي «4» و اعْصِمْنِي من أَنْ أَظُنَّ بِذِي عَدَمٍ خَسَاسَةً ، أَوْ أَظُنَّ بِصَاحِبِ ثَرْوَةٍ فَضْلًا ، فَإِنَّ الشَّرِيفَ من شَرَّفَتْهُ طَاعَتُكَ ، و الْعَزِيزَ من أَعَزَّتْهُ عِبَادَتُكَ «5» فَصَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ و آلِهِ ، و مَتِّعْنَا بِثَرْوَةٍ لا تَنْفَدُ ، و أَيِّدْنَا بِعِزٍّ لا يُفْقَدُ ، و اسْرَحْنَا فِي مُلْكِ الْأَبَدِ . إِنَّكَ الْوَاحِدُ الْأَحَدُ الصَّمَدُ ، الَّذِي لَمْ تَلِدْ و لَمْ تُولَدْ و لَمْ يَكُنْ لَکَ کُفُواً أَحَدٌ
(الحمد لله رضى بحكم الله) هذا هو شعار اهل البيت (ع): «رضا الله رضانا... لك العتبى حتى ترضى» تماما كما قال جدهم المصطفى، (ص): ان لم يكن بك غضب على فلا ابالى (شهدت ان الله قسم معايش عباده بالعدل) و العدل عدلان: عدل فى المواساه، و عدل فى النظام بوضع كل شى ء فى موضعه بدقه و حكمه: «اعطى كل شى ء خلقه ثم هدى- 50 طه» و المراد بالعدل هنا عدل النظام و الحكمه. و فى شتى الاحوال فان الله سبحانه بسط الرزق لجميع الخلائق، و قدر الاقوات تبعا لسد الحاجات، و الفقر من صنع الارض لا من صنع السماء بنص الصادق عن آبائه عن جده الرسول الاعظم (ص): «ما افتقر الناس و ما احتاجوا و ما جاعوا و لا عروا الا بذنوب الاغنياء» و تقدم فى الفصل الاول فقره الرزق.
(و لا تفتنى بما اعطيتهم) اكفنى ما اهمنى، و لا تبتلنى بالفقر و حسد الاغنياء و اهل الثراء (و لا تفتنهم بما منعتنى) اذا منعت عنى فضلك، و قدرت ان اعيش فقيرا و ضعيفا، فلا اعتراض، و لكن احفظ مقامى بين الناس، و لا تبتل احدا منهم بالعدوان على حقى و كرامتى. و قال سيد الشهداء (ع): «ذللنى فى نفسى، و عظمنى فى اعين الناس».
(و طيب بقضائك نفسى...) الرضا بقضائه تعالى، وسعه الصدر لحكمه، و الثقه الكامله بعدله و حكمته، كل ذلك و نحوه معناه التسليم المطلق لامره بلا اعتراض و لا طلب التعليل و التبرير بافهامنا و آرائنا، لان الله سبحانه حق و علم بالذات، و على حد قول الفارابى: علم كله، و العلم بالذات لا يعلل بالاجتهاد و الحق من حيث هو لا يبرر بما يجوز الباطل عليه. و تقدم فى الدعاء 14 و غيره.
(بان قضائك لم يجر الا بالخيره) اى لا يقضى سبحانه و يحكم الا بالافضل الاكمل، و لايسخط على حكمه الا ناقص و جاهل (و اجعل شكرى على ما زويت): صرفت و منعت، و معناه و ما بعده انا عبدك الذاكر الشاكر اعطيت ام امسكت، لان امساكك عنى لم يكن عن غفله و اهمال، بل لمصلحه تخصنى، انت بها ادرى و اعلم، و فى دعاء الافتتاح: «فان ابطا عنى عتبت بجهلى عليك، و لعل الذى ابطا عنى هو خير لى لعلمك بعاقبه الامور... فارحم عبدك الجاهل».
(و اعصمنى من ان اظن بذى عدم خساسه...) و من احتقر فقيرا لفقره فهو الخسيس الحقير، لان الفضيله لاتقاس بالبطون و الليرات و لا بالجدود و الاباء و لا بقاذفات القنابل و مدمرات المنازل على رووس اهلها المساكين (فان الشريف من شرفته طاعتك، و العزيز من اعزته عبادتك و ما عبد الله عابد، و لا اطاعه طائع بمثل كف اذاه عن الناس... اللهم الا من اسدى لاخيه معروفا او نفس عنه كربه او قضى له حاجه... و هذا هو الساكن و المقيم فى ظل العرش العظيم و كنف العز القديم يوم لا عرش الا عرشه و لا عز الا عزه.
(و متعنا بثروه لاتنفد) و كل ثروه نافده بائده الا ثروه العمل الصالح النافع بدليل قوله تعالى: «فاما الزبد فيذهب جفاء و اما ينفع الناس فيمكث فى الارض- 17 الرعد» (و ايدنا بعز لايفقد) و لا عز لجاه او مال، و لا لجبه و لحيه، و لا لجنس و عرق، بل للاخلاص و الصدق و الجهاد و كلمه الحق ضد الطغيان و العدوان.
(و اسرحنا فى ملك الابد) اى فى ارضك و ملكك بدليل قول الامام (ع) بلا فاصل: (انك الواحد الاحد...) و قوله فى الدعاء السادس: «و خلق لهم النهار مبصرا ليبتغوا من فضله، و ليتسببوا من رزقه، و يسرحوا فى ارضه». و عليه يكون المعنى مدنا يا الهى بالقوه و المعونه كى ننتشر فى ارضك، و نبتغى من فضلك امتثالا لامرك و قولك: «فانتشروا فى الارض و ابتغوا من فضل الله و اذكروا الله كثيرا لعلكم تفلحون- 10 الجمعه».