فى الرهبه
«1» اللَّهُمَّ إِنَّكَ خَلَقْتَنِي سَوِيّاً ، و رَبَّيْتَنِي صَغِيراً ، و رَزَقْتَنِي مَكْفِيّاً «2» اللَّهُمَّ إِنِّي وَجَدْتُ فِيما أَنْزَلْتَ من كِتَابِكَ ، و بَشَّرْتَ به عِبَادَكَ أَنْ قُلْتَ يا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا من رَحْمَةِ اللَّهِ ، إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً ، و قَدْ تَقَدَّمَ مِنِّي ما قَدْ عَلِمْتَ و ما أَنْتَ أَعْلَمُ به من ، فَيَا سَوْأَتَا مِمَّا أَحْصَاهُ عَلَيَّ کِتَابُکَ «3» فَلَوْ لا الْمَوَاقِفُ الَّتِي أُؤَمِّلُ من عَفْوِكَ الَّذِي شَمِلَ كُلَّ شَيْ ءٍ لَأَلْقَيْتُ بِيَدِي ، و لَوْ أَنَّ أَحَداً اسْتَطَاعَ الْهَرَبَ من رَبِّهِ لَكُنْتُ أَنَا أَحَقَّ بِالْهَرَبِ مِنْكَ ، و أَنْتَ لا تَخْفَى عَلَيْكَ خَافِيَةٌ فِي الْأَرْضِ و لا فِي السَّمَاءِ إِلَّا أَتَيْتَ بِهَا ، و كَفَى بِكَ جَازِياً ، و كَفَى بِكَ حَسِيباً . «4» اللَّهُمَّ إِنَّكَ طَالِبِي إِنْ أَنَا هَرَبْتُ ، و مُدْرِكِي إِنْ أَنَا فَرَرْتُ ، فَهَا أَنَا ذَا بَيْنَ يَدَيْكَ خَاضِعٌ ذَلِيلٌ رَاغِمٌ ، إِنْ تُعَذِّبْنِي فَإِنِّي لِذَلِكَ أَهْلٌ ، و هو يا رَبِّ مِنْكَ عَدْلٌ ، و إِنْ تَعْفُ عَنِّي فَقَدِيماً شَمَلَنِي عَفْوُكَ ، و أَلْبَسْتَنِي عَافِيَتَكَ . «5» فَأَسْأَلُكَ اللَّهُمَّ بِالَْمخْزُونِ من أَسْمَائِكَ ، و بِمَا وَارَتْهُ الْحُجُبُ من بَهَائِكَ ، إِلَّا رَحِمْتَ هَذِهِ النَّفْسَ الْجَزُوعَةَ ، و هَذِهِ الرِّمَّةَ الْهَلُوعَةَ ، الَّتِي لا تَسْتَطِيعُ حَرَّ شَمْسِكَ ، فَكَيْفَ تَسْتَطِيعُ حَرَّ نَارِكَ ، و الَّتِي لا تَسْتَطِيعُ صَوْتَ رَعْدِکَ ، فَکَيْفَ تَسْتَطِيعُ صَوْتَ غَضَبِکَ «6» فَارْحَمْنِي اللَّهُمَّ فَإِنِّي امْرُؤٌ حَقِيرٌ ، و خَطَرِي يَسِيرٌ ، و لَيْسَ عَذَابِي مِمَّا يَزِيدُ فِي مُلْكِكَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ ، و لَوْ أَنَّ عَذَابِي مِمَّا يَزِيدُ فِي مُلْكِكَ لَسَأَلْتُكَ الصَّبْرَ عَلَيْهِ ، و أَحْبَبْتُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ لَكَ ، و لَكِنْ سُلْطَانُكَ اللَّهُمَّ أَعْظَمُ ، و مُلْكُكَ أَدْوَمُ من أَنْ تَزِيدَ فِيهِ طَاعَةُ الْمُطِيعِينَ ، أَوْ تَنْقُصَ مِنْهُ مَعْصِيَةُ الْمُذْنِبِينَ . «7» فَارْحَمْنِي يا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ ، و تَجَاوَزْ عَنِّي يا ذَا الْجَلَالِ و الْإِكْرَامِ ، و تُبْ عَلَيَّ ، إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ
(اللهم انك خلقتنى سويا): كامل البنيه (و ربيتنى صغيرا و رزقتنى مكفيا) و فى دعاء سيد الشهداء (ع): «اخرجتنى الى الدنيا تاما سويا، و حفظتنى فى المهد طفلا صبيا، و رزقتنى من الغذاء لبنا مريا... حتى اذا كملت فطرتى، و اعتدلت سريرتى اوجبت على حجتك بان الهمتنى معرفتك» فنظرت
(فيما انزلت من كتابك) و قرات فيما قرات: «يا عبادى الذين اسرفوا على انفسهم لاتقنطوا من رحمه الله ان الله يغفر الذنوب جميعا انه هو الغفور الرحيم- 53 الزمر» فاقبلت عليك يا الهى، و قولك ثقتى، و رحمتك املى، و عفوك رجائى.
(و قد تقدم منى ما قد علمت) من سوء ما فعلت و قلت و اضمرت (فيا سواتا): يا سوء فعلى او حالى بسبب ما احصاه على كتاب الله
(لالقيت بيدى) اى لولا الامل بلطف الله و عفوه لسقط فى يده بمعنى يئس و تحير (و لو ان احدا استطاع الهرب...) لايعجزه من طلب، و لايفوته من هرب (الا اتيت بها...) اى الا علمت بها و حاسبت عليها و جازيت
(فها انا ذا بين يديك خاضع...) اشكو اليك ضعفى و فقرى الى حلمك و رحمتك (ان تعذبنى...) فبعدلك (و ان تعف...) فبفضلك. و تقدم فى الدعاء 10 و غيره.
(فاسالك اللهم بالمخزون من اسمائك) لله تعالى اسماء و صفات لايعلمها الا هو، و لذا قال الرسول الاعظم (ص): «لا احصى ثناء عليك، انت كما اثنيت على نفسك» (من بهائك) و بهاوه تعالى عظمته التى لا حد لها و لا نهايه، فكيف يدركها العقل المخلوق المحدود! (رحمت هذه النفس الجزوعه) التى تولمها البقه و تقتلها الشرقه، و تنتها العرقه كما قال الامام اميرالمومنين (ع) (و هذه الرمه): الباليه (الهلوعه): الجزوعه (التى لاتستطيع حر شمسك، فكيف تستطيع حر نارك) قال سبحانه: «نار جهنم اشد حرا- 81 التوبه» و فى نهج البلاغه: «فكيف اذا كان بين طابقين من نار ضجيع حجر و قرين شيطان».
(اللهم فانى امرو حقير و خطرى يسير...) كل القوى ليست بشى ء الى جانب قوتك و كمالك، و اذن علام الاهتمام بشانى و حسابى و عذابى ما دمت انت الاعلى و سلطانك الاعظم و الاقوى؟ (و لو ان عذابى يزيد فى ملكك لسالتك الصبر عليه، و احببت ان يكون ذلك لك) هذه الكلمات واضحه لا تحتاج الى تفسير، و ذكرناها لنشير الى ان هذا المعنى بلغ الغايه و النهايه فى عمقه و عظمته، و يستحيل ان يحسه و يدركه الا من عرف الله و اقبل بكله عليه وحده دون سواه، و نهل من نبعه تعالى الذى لايفيض و لايغيض، و هنا يكمن سر الجلاء و الوضوح.
(و ملكك ادوم من ان تزيد فيه طاعه...) فى نهج البلاغه: لاينقص سلطانك من عصاك و لايزيد ملكك من اطاعك، و لايرد امرك من سخط قضاءك، و لايستغنى عنك من تولى امرك.