فى التضرع
«1» إِلَهِي أَحْمَدُكَ و أَنْتَ لِلْحَمْدِ أَهْلٌ عَلَى حُسْنِ صَنِيعِكَ إِلَيَّ ، و سُبُوغِ نَعْمَائِكَ عَلَيَّ ، و جَزِيلِ عَطَائِكَ عِنْدِي ، و عَلَى ما فَضَّلْتَنِي به من رَحْمَتِكَ ، و أَسْبَغْتَ عَلَيَّ من نِعْمَتِكَ ، فَقَدِ اصْطَنَعْتَ عِنْدِي ما يَعْجِزُ عَنْهُ شُکْرِي . «2» و لَوْ لا إِحْسَانُكَ إِلَيَّ و سُبُوغُ نَعْمَائِكَ عَلَيَّ ما بَلَغْتُ إِحْرَازَ حَظِّي ، و لا إِصْلَاحَ نَفْسِي ، و لَكِنَّكَ ابْتَدَأْتَنِي بِالْإِحْسَانِ ، و رَزَقْتَنِي فِي أُمُورِي كُلِّهَا الْكِفَايَةَ ، و صَرَفْتَ عَنِّي جَهْدَ الْبَلَاءِ ، و مَنَعْتَ مِنِّي مَحْذُورَ الْقَضَاءِ . «3» إِلَهِي فَكَمْ من بَلَاءٍ جَاهِدٍ قَدْ صَرَفْتَ عَنِّي ، و كم من نِعْمَةٍ سَابِغَةٍ أَقْرَرْتَ بِهَا عَيْنِي ، و كم من صَنِيعَةٍ كَرِيمَةٍ لَكَ عِنْدِي «4» أَنْتَ الَّذِي أَجَبْتَ عِنْدَ الِاضْطِرَارِ دَعْوَتِي ، و أَقَلْتَ عِنْدَ الْعِثَارِ زَلَّتِي ، و أَخَذْتَ لِي من الْأَعْدَاءِ بِظُلَامَتِي . «5» إِلَهِي ما وَجَدْتُكَ بَخِيلًا حِينَ سَأَلْتُكَ ، و لا مُنْقَبِضاً حِينَ أَرَدْتُكَ ، بَلْ وَجَدْتُكَ لِدُعَائِي سَامِعاً ، و لِمَطَالِبِي مُعْطِياً ، و وَجَدْتُ نُعْمَاكَ عَلَيَّ سَابِغَةً فِي كُلِّ شَأْنٍ من شَأْنِي و كُلِّ زَمَانٍ من زَمَانِي ، فَأَنْتَ عِنْدِي مَحْمُودٌ ، و صَنِيعُكَ لَدَيَّ مَبْرُورٌ . «6» تَحْمَدُكَ نَفْسِي و لِسَانِي و عَقْلِي ، حَمْداً يَبْلُغُ الْوَفَاءَ و حَقِيقَةَ الشُّكْرِ ، حَمْداً يَكُونُ مَبْلَغَ رِضَاكَ عَنِّي ، فَنَجِّنِي من سُخْطِكَ . «7» يا كَهْفِي حِينَ تُعْيِينِي الْمَذَاهِبُ و يا مُقِيلِي عَثْرَتِي ، فَلَوْ لا سَتْرُكَ عَوْرَتِي لَكُنْتُ من الْمَفْضُوحِينَ ، و يا مُؤَيِّدِي بِالنَّصْرِ ، فَلَوْ لا نَصْرُكَ إِيَّايَ لَكُنْتُ من الْمَغْلُوبِينَ ، و يا من وَضَعَتْ لَهُ الْمُلُوكُ نِيرَ الْمَذَلَّةِ عَلَى أَعْنَاقِهَ ، فَهُمْ من سَطَوَاتِهِ خَائِفُونَ ، و يا أَهْلَ التَّقْوَى ، و يا من لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى ، أَسْأَلُكَ أَنْ تَعْفُوَ عَنِّي ، و تَغْفِرَ لِي فَلَسْتُ بَرِيئاً فَأَعْتَذِرَ ، و لا بِذِي قُوَّةٍ فَأَنْتَصِرَ ، و لا مَفَرَّ لِي فَأَفِرَّ . «8» و أَسْتَقِيلُكَ عَثَرَاتِي ، و أَتَنَصَّلُ إِلَيْكَ من ذُنُوبِيَ الَّتِي قَدْ أَوْبَقَتْنِي ، و أَحَاطَتْ بِي فَأَهْلَكَتْنِي ، مِنْهَا فَرَرْتُ إِلَيْكَ رَبِّ تَائِباً فَتُبْ عَلَيَّ ، مُتَعَوِّذاً فَأَعِذْنِي ، مُسْتَجِيراً فَلَا تَخْذُلْنِي ، سَائِلًا فَلَا تَحْرِمْنِي مُعْتَصِماً فَلَا تُسْلِمْنِي ، دَاعِياً فَلَا تَرُدَّنِي خَائِباً . «9» دَعَوْتُكَ يا رَبِّ مِسْكِيناً ، مُسْتَكِيناً ، مُشْفِقاً ، خَائِفاً ، وَجِلًا ، فَقِيراً ، مُضْطَرّاً إِلَيْكَ . «10» أَشْكُو إِلَيْكَ يا إِلَهِي ضَعْفَ نَفْسِي عَنِ الْمُسَارَعَةِ فِيما وَعَدْتَهُ أَوْلِيَاءَكَ ، و الُْمجَانَبَةِ عَمَّا حَذَّرْتَهُ أَعْدَاءَكَ ، و كَثْرَةَ هُمُومِي ، و وَسْوَسَةَ نَفْسِي . «11» إِلَهِي لَمْ تَفْضَحْنِي بِسَرِيرَتِي ، و لَمْ تُهْلِكْنِي بِجَرِيرَتِي ، أَدْعُوكَ فَتُجِيبُنِي و إِنْ كُنْتُ بَطِيئاً حِينَ تَدْعُونِي ، و أَسْأَلُكَ كُلَّمَا شِئْتُ من حَوَائِجِي ، و حَيْثُ ما كُنْتُ وَضَعْتُ عِنْدَكَ سِرِّي ، فَلَا أَدْعُو سِوَاک ، و لا أَرْجُو غَيْرَکَ «12» لَبَّيْكَ لَبَّيْكَ ، تَسْمَعُ من شَكَا إِلَيْكَ ، و تَلْقَى من تَوَكَّلَ عَلَيْكَ ، و تُخَلِّصُ من اعْتَصَمَ بِكَ ، و تُفَرِّجُ عَمَّنْ لَاذَ بِكَ . «13» إِلَهِي فَلَا تَحْرِمْنِي خَيْرَ الآْخِرَةِ و الْأُولَى لِقِلَّةِ شُكْرِي ، و اغْفِرْ لِي ما تَعْلَمُ من ذُنُوبِي . «14» إِنْ تُعَذِّبْ فَأَنَا الظَّالِمُ الْمُفَرِّطُ الْمُضَيِّعُ الآْثِمُ الْمُقَصِّرُ الْمُضَجِّعُ الْمُغْفِلُ حَظَّ نَفْسِي ، و إِنْ تَغْفِرْ فَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ
كل ما فى هذا الدعاء واضح و تقدم، و لكن لا مناص من الكلام (على حسن صنعك...) قال سبحانه: «و يحذركم الله نفسه و الله رووف بالعباد- 30 آل عمران» اى يحذر سبحانه العبد ان يفعل ما يشاء معتمدا على رحمه الله و رافته، لانه تعالى لايرحم مجازفه و بلا سبب موجب، كيف و افعاله منزهه عن العبث؟ و انما يرحم بمقتضى حكمته و علمه. بمن هو اهل للرافه و الرحمه... ابدا لا فرق بين الرزق و الرحمه، هذه لمن كان له من ايمانه و عمله الصالح ما يوهله للرحمه، و ذاك لمن سعى له سعيه.
(و لو لا احسانك الى و سبوغ نعمك على ما بلغت احراز حظى و لا اصلاح نفسى) منك يا الهى اسباب العيش و تيسيرها، و منى السمع و الطاعه لامرك و نهيك، و معنى هذا ان اصلاح النفس مع الفقر و الحرمان صعب مستصعب، و هذا صريح فى قول الرسول الاعظم (ص): «كان الفقر يكون كفرا» و قال الامام على (ع): «لو كان الفقر رجلا لقتلته» و قرن سبحانه الفقر بالفحشاء فى الايه 268 من البقره: «الشيطان يعدكم الفقر و يامركم بالفحشاء» و ذكر اهل مكه بنعمته عليهم حين دعاهم الى الايمان به كما قال: «فليعبدوا رب هذا البيت الذى اطعمهم من جوع و آمنهم من خوف- سوره قريش».
(و منعت منى محذور القضاء) اى ما قدرت و قضيت ان تبتلينى بما اكره و احذر
(بلاء جاهد): شاق، و جهد البلاء المصيبه التى تختار معها الموت (نعمه سابغه): واسعه.
(الهى ما وجدتك بخيلا...) واضح كل الوضوح. و تقدم اكثر من مره، و مع هذا نلخصه بانى سالتك يا الهى ان تسمع ندائى، و تقبل دعائى و تحقق رجائى فاستجيب، و اعطيتنى ما اردت و زياده، فوجب لك على الوفاء و الحمد و الثناء و الذكر و الشكر على نعمك الجلى، و لكن هيهات ان اقوم و اودى شكر نعمه واحده مهما اجتهدت (فنجنى من سخطك) على تقصيرى فى حقك.
(يا كهفى تعيينى المذاهب...) عاد الامام (ع) الى ترداد نعم الله عليه و تعدادها، منها انه لايحد ملجا الا الله حين تشتد الازمات، و تضيق الحلقات و منها انه تعالى ستر ما فيه من عيب، و لم ينشره على الاشهاد، و ايضا نصره على عدوه بعظيم الاجر فى الاخره و خلود الذكر فى الدنيا من دونه (و يا من وضعت له الملوك نير المذله على اعناقها...) ابدا لا ملوك و سلاطين امام قاصم ظهور الجبارين، و مبيد آثار الظالمين، و يستخلف مكانهم الفقراء و المستضعفين (و يا اهل التقوى) تخافه الخلائق، و تتقى غضبه و عذابه (له الاسماء الحسنى) احسنها و اكملها (فلست بريا فاعتذر) لا عذر بعد الاعذار و الانذار (و لا بذى قوه فانتصر) لا قوه لمخلوق الا بخالقه و كلنا نكرر ليل نهار: لا حول و لا قوه الا بالله الواحد القهار.
(و استقيلك عثراتى): اغفر لى زلتى و خطيئتى، و تقدم فى الدعاء 32 (و اتنصل من ذنوبى) اخرج منها بالندم و الاعتراف و التوبه و طلب العفو (اوبقتنى): اهلكتنى، و تقدم فى الدعاء 42 (متعوذا): معتصما
(مستكينا): خاضعا
(اشكو اليك يا الهى ضعف نفسى عن المسارعه...) وعدت يا الهى بالجنان و الرضوان اولياءك الذين يسارعون فى الخيرات، و هددت بالعذاب الاليم اعداءك الذين لايجتنبون الموبقات، و نفسى- لهمومها و وسوستها- تضعف عن المسارعه الى ما امرت و المجانبه عما نهيت (فنجنى) من غضبك و عذابك برحمتك و مغفرتك لتباطى ء و تتثاقلى (و اسالك كلما شئت من حوائجى...) و فوق ذلك كله و رغم معصيتى و جرمى و جريرتى- اسالك ان تقضى حوائجى بالكامل، لا لشى ء الا لثقتى و ايمانى و علمى و يقينى بانه ليس كمثلك مسوول، و لا سواك مامول.
و كل من آمن بالله ايمانا لايشوبه ريب، يسوغ له ان يخاطب الله بهذا المنطق و الاسلوب، لان المومن يرجو رحمه ربه حتى و لو راى العذاب وجها لوجه، بل و ان ادخله النار، اما الجاحد فقد قطع الطريق هو بنفسه على نفسه، و اختار لها سوء المصير باعلانه الحرب على خالقه و رازقه.
(تسمع من شكا اليك) ان يك صادقا فى ايمانه (و تلقى من توكل عليك) و سلم الامر كله اليك، و ان غابت عنه حكمتك
(فلا تحرمنى خير الاخره و الاولى...) يا من لاينقطع احسانه حتى عن المفرط المضيع و الاثم المقصر «المضجع:» المقصر، و تقدم فى الدعاء 49.