المومنون
«1» يا من لا تَنْقَضِي عَجَائِبُ عَظَمَتِهِ ، صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ و آلِهِ ، و احْجُبْنَا عَنِ الْإِلْحَادِ فِي عَظَمَتِكَ «2» و يا من لا تَنْتَهِي مُدَّةُ مُلْكِهِ ، صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ و آلِهِ ، و أَعْتِقْ رِقَابَنَا من نَقِمَتِكَ . «3» و يا من لا تَفْنَى خَزَائِنُ رَحْمَتِهِ ، صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ و آلِهِ و اجْعَلْ لَنَا نَصِيباً فِي رَحْمَتِکَ . «4» و يا من تَنْقَطِعُ دُونَ رُؤْيَتِهِ الْأَبْصَارُ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ و آلِهِ ، و أَدْنِنَا إِلَي قُرْبِکَ «5» و يا من تَصْغُرُ عِنْدَ خَطَرِهِ الْأَخْطَارُ ، صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ و آلِهِ ، و كَرِّمْنَا عَلَيْكَ . «6» و يا من تَظْهَرُ عِنْدَهُ بَوَاطِنُ الْأَخْبَارِ ، صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ و آلِهِ ، و لا تَفْضَحْنَا لَدَيْكَ . «7» اللَّهُمَّ أَغْنِنَا عَنْ هِبَةِ الْوَهَّابِينَ بِهِبَتِكَ ، و اكْفِنَا وَحْشَةَ الْقَاطِعِينَ بِصِلَتِكَ حَتَّى لا نَرْغَبَ إِلَى أَحَدٍ مَعَ بَذْلِكَ ، و لا نَسْتَوْحِشَ من أَحَدٍ مَعَ فَضْلِکَ . «8» اللَّهُمَّ فَصَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ و آلِهِ ، و كِدْ لَنَا و لا تَكِدْ عَلَيْنَا ، و امْكُرْ لَنَا و لا تَمْكُرْ بِنَا ، و أَدِلْ لَنَا و لا تُدِلْ مِنَّا . «9» اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ و آلِهِ ، و قِنَا مِنْكَ ، و احْفَظْنَا بِكَ ، و اهْدِنَا إِلَيْكَ ، و لا تُبَاعِدْنَا عَنْكَ إِنَّ من تَقِهِ يَسْلَمْ و من تَهْدِهِ يَعْلَمْ ، و من تُقَرِّبْهُ اِلَيْکَ يَغْنَمْ . «10» اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ و آلِهِ ، و اكْفِنَا حد نَوَائِبِ الزَّمَانِ ، و شر مَصَايِدِ الشَّيْطَانِ ، و مَرَارَةَ صَوْلَةِ السُّلْطَانِ . «11» اللَّهُمَّ إِنَّمَا يَكْتَفِي الْمُكْتَفُونَ بِفَضْلِ قُوَّتِكَ ، فَصَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ و آلِهِ ، و اكْفِنَا ، و إِنَّمَا يُعْطِي الْمُعْطُونَ من فَضْلِ جِدَتِكَ ، فَصَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ و آلِهِ ، و أَعْطِنَا ، و إِنَّمَا يَهْتَدِي الْمُهْتَدُونَ بِنُورِ وَجْهِكَ ، فَصَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ و آلِهِ ، و اهْدِنَا . «12» اللَّهُمَّ إِنَّكَ من وَالَيْتَ لَمْ يَضْرُرْهُ خِذْلَانُ الْخَاذِلِينَ ، و من أَعْطَيْتَ لَمْ يَنْقُصْهُ مَنْعُ الْمَانِعِينَ ، و من هَدَيْتَ لَمْ يُغْوِهِ إِضْلَالُ الْمُضِلِّينَ «13» فَصَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ و آلِهِ ، و امْنَعْنَا بِعِزِّكَ من عِبَادِكَ ، و أَغْنِنَا عَنْ غَيْرِكَ بِإِرْفَادِكَ ، و اسْلُكْ بِنَا سَبِيلَ الْحَقِّ بِاِرْشَادِکَ . «14» اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ و آلِهِ ، و اجْعَلْ سَلَامَةَ قُلُوبِنَا فِي ذِكْرِ عَظَمَتِكَ ، و فَرَاغَ أَبْدَانِنَا فِي شُكْرِ نِعْمَتِكَ ، و انْطِلَاقَ أَلْسِنَتِنَا فِي وَصْفِ مِنَّتِكَ . «15» اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ و آلِهِ ، و اجْعَلْنَا من دُعَاتِكَ الدَّاعِينَ إِلَيْكَ ، و هُدَاتِكَ الدَّالِّينَ عَلَيْكَ ، و من خَاصَّتِكَ الْخَاصِّينَ لَدَيْكَ ، يا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ
(يا من لاتنقضى عجائب عظمته) اى عظمه قدرته تعالى التى تتجلى فى خلق الاشياء من لا شى ء، بل و من غير زمان ايضا: «و ما امرنا الا واحده كلمح بالبصر- 50 القمر» الا كلمه واحده و هى «كن» بلا اداه و معالجه و معاناه، بينما العلم يوجد الشى ء من شى ء، و نقل عن «كانت» انه قال:
ائتونى بالماده و انا اعلمكم كيف يخلق الكون!. و هذا عين الغرور و الا فليخبرنا «كانت» عما فى الكون من قوى و اسرار، بل عما فى نفسه و جسمه (انظر كتاب الانسان ذلك المجهول تاليف الكسيس كاريل).
الصلاه على محمد و آله
(صل على محمد و آله) فى الجزء الاول من كتاب فضائل الخمسه للفيروز آبادى نقلا عن سنن الدارمى ان النبى (ص) قال: لا يصلى على احد من امتى الا و صلى الله عليه عشرا، و لايسلم على الا سلم عليه عشرا. و فى صحيح البخارى الجزء الثامن كتاب الدعوات باب الصلاه على النبى (ص): «ان رسول الله صلى الله عليه سئل: كيف نصلى عليك؟ فاجاب قولوا: اللهم صل على محمد و على آل محمد... و يلاحظ بان البخارى ذكر النبى (ص) و لم يصل على آله فى حديث الصلاه على الال! و مثله تماما فى تفسير الطبرى و الرازى و المراغى و غيرهم! فهل هناك من سر؟
(و احجبنا عن الالحاد فى عظمتك) الالحاد على انواع، منها تعظيم الدنيا و زينتها من دون الخالق، و التورط من اجلها فى معاصيه، و الامام (ع) يسال الله سبحانه ان يعصم المومنين به من هذا الالحاد او الشرك الخفى. و فى نهج البلاغه: «عظم الخالق فى انفسهم فصغر ما دونه فى اعينهم»
(و يا من لاتنتهى مده ملكه) حيث لا حد و لا نهايه لقدرته المبدعه الخالقه (صل على محمد و آله) كرر الامام (ع) الصلاه على محمد و آله عند كل حاجه طلبها من الله سبحانه، لان الله اكرم من ان يسال حاجتين فيقضى احداهما، و يمنع الاخرى. كما قال الامام اميرالمومنين (ع): و دعوه الصلاه على النبى مجابه قطعا، فينبغى ان تجاب دعوه الحاجه الخاصه حتما.
(و اعتق رقابنا من نقمتك) من النار
(و يا من لاتفنى خزائن رحمته) و لا خزائن رزقه و نعمته، بل و لاينقص منها شى ء بالبذل و الانفاق، و روى عن النبى (ص) انه قال: طلب بعض الكائنات من الله تعالى ان ياذن لها بهلاك ابن آدم، لانه ياكل خيره، و يجحد فضله. فقال لها: لو خلقتموه لرحمتموه... و معنى هذا ان رحمه الخالق للمخلوق صفه لازمه له تماما كرحمه الوالد لمولوده او اشد، و هذه قضيه حتميه حيث لا غنى للخلق عن الخالق وجودا و بقاء (و اجعل لنا نصيبا فى رحمتك) فى جنتك، و ان لم نك لها باهل، فانت اهل المغفره و الرحمه.
(و يا من دون رويته الابصار) هذا الوصف من نعوت الجلال و الكمال للذات القدسيه (و ادننا الى قربك) الى رحمتك و رضوانك
(و يا من تصغر عند خطره الاخطار) الله اكبر من كل شى ء بل تعجز الالسن و الاقلام عن وصفه (و كرمنا عليك) بالرحمه و الرضوان.
(يا من تظهر عنده بواطن الاخبار) كل سر عنده علانيه، و كل غيب عنده شهاده (و لا تفضحنا لديك) وفقنا الى طاعتك كيلا نفتضح بمعصيتك
(اللهم اغننا عن هبه الواهبين...) من دعاء لرسول الله (ص): اللهم انى اعوذ بك من الفقر الا اليك، و من الذل الا لك، و من الخوف الا منك
(و كد لنا، و لا تكد علينا) فى دعاء كميل: «و من ارادنى بسوء فارده، و من كادنى فكده» اى رد كيده الى نحره، قال سبحانه: «انهم يكيدون كيدا. و اكيد كيدا» اى يبطل كيدهم، و يعاقبهم عقاب الكائد المحتال (و امكر لنا، و لا تمكر بنا) عطف تفسير على كد لنا (و ادل لنا، و لا تدل منا) لا تسلط علينا من لا يرحمنا، و انصرنا على عدوك و عدونا
(و قنا منك) من عذابك (و احفظنا بك) بحفظك و حراستك (و اهدنا اليك) الى صراطك المستقيم (و لا تباعدنا عنك) عن رحمتك و توفيقك (و من ثقه يسلم) من المهالك و المكاره (و من تهده يعلم) ما ينتفع به فيفعله، و ما يضره فيتركه (و من تقربه اليك يغنم) و كفى بالجنه مغنما و نوالا.
(و اكفنا حد نوائب الزمان) الحد هنا ماخوذ من الحده و الشده او من الحرب و العداء كقوله تعالى: «ان الذين يحادون الله و رسوله اولئك فى الاذلين- 20 المجادله» اى يعادون و يحاربون الله و رسوله، و النوائب: المصائب (و شر مصائد الشيطان) كلف سبحانه الانسان، و ترك له الحريه فى العمل حيث لا انسانيه بلا حريه، و حذره من خداع المغريات و اتباع الشهوات، و كثيرا ما يطلق عليها حبائل الشيطان و مصائده، لانها تقود الى غضب الله و معصيته تماما كما فعل ابليس مع آدم و زوجه.
دعاء و دعايه
(و مراره صوله السلطان) هذه الجمله تكشف بدقه عن جور الحاكمين فى عصر الائمه الاطهار (ع) و عن الصراع و التناقض بينهم و بين المحكومين، و صاغها الامام دعاء و مناجاه على العموم فرارا من بطش الطغاه و عدوانهم،
و هى فى واقعها تعبى ء الراى العام، و تثير العواطف ضد كل طاغيه و باغيه، يسارع فى الاثم و العدوان على عباد الله و عياله. و هذا شان العتره العارفه الخائفه فى الكثير من ادعيتها، قال الرسول الاعظم (ص): الدعاء سلاح المومن و قال الامام اميرالمومنين (ع): الدعاء ترس المومن. و قال الامام الصادق (ع): الدعاء انفذ من السنان. و قال الامام الرضا (ع): الدعاء سلاح الانبياء.
(اللهم انما يكتفى المكتفون بفضل قوتك) ابدا لا خير الا بالله و من الله: «و ما بكم من نعمه فمن الله- 53 النحل» (و اكفنا) بحلالك عن حرامك، و بفضلك عمن سواك (و انما يعطى المعطون من فضل جدتك) عطف تفسير على يكتفى المكتفون، و الجده: الغنى و القدره (و اعطنا) خير ما اعطيت، و اجعل لنا من امرنا فرجا و مخرجا (و انما يهتدى المهتدون بنور وجهك) ينحصر طريق الهدايه بالوحى و العقل، و هما من عطاء الله و فضله، ما فى ذلك ريب، و عليه يكون المراد بالنور هنا الوحى و العقل، و بوجهه تعالى عطاوه و نواله، و المعنى انما يهتدى المهتدون بالوحى من الله سبحانه على لسان انبيائه، و بالعقل و هو اعظم نعم الله على عباده.
(اللهم انك من واليت) نصرت (لم يضرره خذلان الخاذلين) لا واضع لمن رفعت، و لا رافع لمن وضعت (و من اعطيت لم ينقصه منع المانعين) و ما اغنى البحر عن قطرات الندى: «هذا عطاونا فامنن (اى اعط) او امسك بغير حساب- 39 ص» (و من هديت لم يغوه اضلال المضلين) من اسلم و آمن على علم و اخلاص لا يثنيه عن دينه و عقيدته اى شى ء حتى و لو وضعوا الشمس فى يمينه و القمر فى يساره... و ايضا لا يبالى بسيف الجلاد فى سبيل ايمانه، بل يجد فيه رضا لنفسه و سكينه مادام من اجل غايه اسمى و اعلى.
(و امنعنا بعزك من عبادك) يقول الامام لاله الخلائق: نحن فى حماك و سلطانك، فامنع عنا جور الطغاه من عبادك... و فيه دعايه ضد عتاه الحكم فى ذاك العهد ( و اغننا عن غيرك بارفادك) جمع رفد بمعنى العطاء. توكلنا عليك، و فررنا اليك من الظلم و الاضطهاد، فانصرنا او انتصر لنا. و من ادعيه نهج البلاغه: اللهم انى اعوذ بك ان افتقر فى غناك، او اضل فى هداك، او اضام فى سلطانك، او اضطهد و الامر لك.
(و اجعل سلامه قلوبنا فى ذكر عظمتك) قال سبحانه: «يوم لاينفع مال و لا بنون الا من اتى الله بقلب سليم- 89 الشعراء» و روى عن اهل البيت (ع): ان القلب السليم هو الذى يلقى الله، و ليس فيه احد سواه. اى لايشغله عن طاعه الله شاغل من الدنيا و حطامها، و من انصرف اليها بكله فقد ذهل عن خالقه، و استباح من اجلها كل اثم و جريمه، بخاصه الحقد و الحسد و الكذب و الرياء، و الدرع الواقيه من نزعات الشيطان و نفثاته ان يذكر المومن الله سبحانه بخشوع، و يعوذ به من همزات الشيطان بصدق و اخلاص، قال سبحانه: «و اما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله انه سميع عليم. ان الذين اتقوا اذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا فاذا هم مبصرون- 201 الاعراف» و قال الرسول الاعظم (ص): ان الشيطان واضع انفه على قلب ابن آدم، فاذا ذكر الله خنس، و ان نسى التقم قلبه، فذاك الوسواس الخناس.
(و فراغ ابداننا فى شكر نعمتك، و انطلاق السنتنا فى وصف منتك) ما من شك ان حياه العمل للعيش بلا فراغ و انقطاع شاقه و قاسيه، و ايضا الحياه بلا عمل على الاطلاق قاحله ماحله، و الحياه الصالحه الرابحه هى التى تجمع بين العمل و الفراغ، بين التعب و الراحه، ان ساعه الفراغ استجمام للقلب و عون على النشاط فى العمل، و معنى ساعه الفراغ ان لا نكدح فيها للمعاش، لا ان نترك العمل من الاساس حتى القراءه و المطالعه- مثلا- و يقول الامام (ع): افضل الاعمال فى هذه الساعه مناجاه الله سبحانه بالشكر على نعمه و افضاله، و التسبيح بحمده و جلاله.
(و اجعلنا من دعاتك الداعين اليك) قال سبحانه: «و من احسن قولا ممن دعا الى الله و عمل صالحا و قال انى من المسلمين- 33 فصلت» و التعبير بالاحسن هنا كالتعبير به فى قوله تعالى: «ان احسنتم احسنتم لانفسكم- 7 الاسراء» اى من اراد الخير لنفسه و الاجر عند الله فعليه ان يومن به، و يعلن ايمانه على الملاء، و يعمل بموجبه، و يدعو الى دين الله بالحكمه و الموعظه الحسنه (و هداتك الدالين عليك) عطف تفسير على الداعين اليك (و من خاصتك الخاصين لديك) كل من اطاع الله و رسوله فهو من المقربين اليه، و من خاصته و اوليائه، قال الرسول الاعظم (ص): «ان اولياء الله سكتوا فكان سكوتهم ذكرا، و نظروا فكان نظرهم عبره، و نطقوا فكان نطقهم حكمه، و مشوا فكان مشيهم بين الناس بركه» اى خدمه ينتفع بها الانسان لوجه الله و الانسانيه.