طلب المغفره
«1» اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ و آلِهِ ، و صَيِّرْنَا إِلَى مَحْبُوبِكَ من التَّوْبَةِ ، و أَزِلْنَا عَنْ مَكْرُوهِكَ من الْإِصْرَارِ «2» اللَّهُمَّ و مَتَى وَقَفْنَا بَيْنَ نَقْصَيْنِ فِي دِينٍ أَوْ دُنْيَا ، فَأَوْقِعِ النَّقْصَ بِأَسْرَعِهِمَا فَنَاءً ، و اجْعَلِ التَّوْبَةَ فِي أَطْوَلِهِمَا بَقَاءً «3» و إِذَا هَمَمْنَا بِهَمَّيْنِ يُرْضِيكَ أَحَدُهُمَا عَنَّا ، و يُسْخِطُكَ الآْخَرُ عَلَيْنَا ، فَمِلْ بِنَا إِلَى ما يُرْضِيكَ عَنَّا ، و أَوْهِنْ قُوَّتَنَا عَمَّا يُسْخِطُكَ عَلَيْنَا «4» و لا تُخَلِّ فِي ذَلِكَ بَيْنَ نُفُوسِنَا و اخْتِيَارِهَا ، فَإِنَّهَا مُخْتَارَةٌ لِلْبَاطِلِ إِلَّا ما وَفَّقْتَ ، أَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا ما رَحِمْتَ «5» اللَّهُمَّ و إِنَّكَ من الضُّعْفِ خَلَقْتَنَا ، و عَلَى الْوَهْنِ بَنَيْتَنَا ، و من مَاءٍ مَهِينٍ ابْتَدَأْتَنَا ، فَلَا حَوْلَ لَنَا إِلَّا بِقُوَّتِكَ ، و لا قُوَّةَ لَنَا إِلَّا بِعَوْنِكَ «6» فَأَيِّدْنَا بِتَوْفِيقِكَ ، و سَدِّدْنَا بِتَسْدِيدِكَ ، و أَعْمِ أَبْصَارَ قُلُوبِنَا عَمَّا خَالَفَ مَحَبَّتَكَ ، و لا تَجْعَلْ لِشَيْ ءٍ من جَوَارِحِنَا نُفُوذاً فِي مَعْصِيَتِكَ «7» اللَّهُمَّ فَصَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ و آلِهِ ، و اجْعَلْ هَمَسَاتِ قُلُوبِنَا ، و حَرَكَاتِ أَعْضَائِنَا و لَمحَاتِ أَعْيُنِنَا ، و لَهَجَاتِ أَلْسِنَتِنَا فِي مُوجِبَاتِ ثَوَابِكَ حَتَّى لا تَفُوتَنَا حَسَنَةٌ نَسْتَحِقُّ بِهَا جَزَاءَكَ ، و لا تَبْقَى لَنَا سَيِّئةٌ نَسْتَوْجِبُ بِهَا عِقَابَکَ
(و صيرنا الى محبوبك من التوبه) نسالك اللهم العون و الهدايه الى طاعتك و مرضاتك بخاصه التوبه من معصيتك (و ازلنا عن مكروهك من الاصرار) المراد بالاصرار هنا العزم. و المعنى نسالك اللهم العون على نفسنا الاماره الغراره بخاصه اذا عزمت و اصرت على فعل ما نهيتنا عنه
(اللهم و متى وقفنا بين نقصين فى دين او دنيا فاوقع النقص باسرعهما فناء، و اجعل التوبه فى اطولهما بقاء) المراد بالوقوف هنا الاضطرار و بالنقص الشر، و بالوقوع الوجوب مثل «و وقع القول عليهم بما ظلموا- 85 النمل» اى وجب العذاب عليهم، و المراد باسرعهما فناء اقلهما ضررا، و باطولهما بقاء اكثرهما اجرا، و المعنى اذا ابتلينا و اضطررنا الى فعل احد الشرين من غير تعيين، و لم نجد منه مفرا فاوجب اللهم علينا اهون الشرين و اقل الضررين، و امدنا الى معرفته، و وفقنا الى اختياره حتى اذا انبنا اليك من فعله كانت التوبه اكثر اجرا، لانها، و هذى هى الحال، مستحبه لا واجبه، و مثال ذلك: ان نرى منكرا يترتب على انكاره شر و ضرر اعظم من ضرر السكوت عنه، فيجب عندئذ دفع الضرر الاشد بالضرر الاخف.
(و اذا هممنا بهمين يرضيك احدهما..) المراد بالهم هنا حديث النفس و ترددها بين امرين. و نساله تعالى ان يختار لنا و يميل بنا الى ماله فيه رضى، و لنا خير و صلاح حين نبتلى بشى ء من ذلك. و يومى ء هذا الدعاء الى ان ما من شى ء يقع فى الكون الا و لله فيه تدبير بطريق او باخر، و ان على الانسان ان لا يذهل عن هذه الحقيقه. قال سبحانه: «و ما من غائبه فى السماء و الارض الا فى كتاب مبين- 75 النمل... و هو على كل شى ء وكيل- 102 الانعام»
(و لاتخل فى ذلك بين نفوسنا و اختيارها) اذا غضب الله على عبد اوكله الى نفسه، و سار طول حياته بلا دليل (فانها مختاره للباطل...) لانه خفيف و لذيذ. و فى نهج البلاغه: «و اعلموا انه ما من طاعه الله شى ء الا ياتى فى كره- لانه مخالف لهوى النفس- و ما من معصيه الله شى ء الا ياتى فى شهوه» لانه موافق لهوى النفس الاماره بالسوء.
(اللهم و انك من الضعف خلقتنا) ما من مخلوق الا و فيه جانبان: سلب و ايجاب، قوه و ضعف، و من الجانب القوى العقل و العلم و قوه الاراده فى الصبر على الشدائد و من الجانب الضعيف العجز على مقاومه الشهوات و المغريات و ما يتعرض له الانسان من احداث و نكبات، و قد صور الامام على (ع) هذا الجانب ادق تصوير و اجمعه ببضع كلمات حيث قال: «مسكين ابن آدم مكتوم الاجل، مكنون العلل، محفوظ العمل، تولمه البقه، و تقتله الشرقه، و تنتنه العرقه» و قال مشيرا الى جانب القوه: «الانسان يشارك السبع الطباق».
و العالم العاقل ينظر الى الجنبين معا، و لايعتز بشى ء مما يملك لعلمه بجانب الضعف فيه، و لا يستسلم، و ان تراكمت عليه الخطوب بل يجاهد و يقاوم حتى النفس الاخير لعلمه بجانب القوه.
(و على الوهن بنيتنا...) عطف تفسير على الضعف (فلا حول لنا) لا نقدر على التصرف فى شى ء (الا بقوتك) كل القوه لله، و لا احد يملك منها شيئا الا ما ملكه (و لا قوه لنا الا بعونك...) عطف تفسير على ما قبله (و اعم ابصار قلوبنا عما خالف محبتك) العمى للبصر، و يستعار للقلب كنايه عن ضلاله، و المراد به هنا صرف القلوب عن محارم الله و مكارهه (و لا تجعل لشى ء من جوارحنا نفوذا فى معصيتك) الجوارح اعضاء الانسان و يشمل هذا الدعاء اكثر المعاصى، و منها الكبائر كالكذب و الغيبه و النميمه و الزنا و اكل الحرام و شربه
(و اجعل لهمسات قلوبنا) الهمس: الصوت الخفى، و المراد به هنا حديث النفس بالخير او الشر.
الذين بدلوا نعمه الله كفرا
(و حركات اعضائنا و لمحات اعيننا و لهجات السنتنا...) منح سبحانه الانسان- من دون الخلائق- قوى و طاقات روحيه و ماديه ظهرت آثارها فى تقدم العلم الذى تميز به عصرنا الراهن عن كل ما سلف من العصور، لكن دنس قداسته و كرامته الذين حولوه عن طبيعته و اتخذوا منه وسيله للحرب و الرعب و السلب و الاستعلاء على الخلق، و الى هولاء و امثالهم اشار سبحانه بقوله: «الم تر الى الذين بدلوا نعمه الله كفرا و احلوا قومهم دار البوار جهنم يصلونها و بئس القرار- 29 ابراهيم».
و الامام (ع) يشكر الله عز و جل على نعمه و موهبه تفضل بها عليه، و يعطيه عهدا قاطعا بصيغه الدعاء و اسلوبه ان يستصلح كل عضو من اعضائه و كل طاقه من طاقاته فى طاعه الله و مرضاته و خدمه عباده و عياله.