طلب الحوائج
«1» اللَّهُمَّ يا مُنْتَهَى مَطْلَبِ الْحَاجَاتِ «2» و يا من عِنْدَهُ نَيْلُ الطَّلِبَاتِ «3» و يا من لا يَبِيعُ نِعَمَهُ بِالْأَثْمَانِ «4» و يا من لا يُكَدِّرُ عَطَايَاهُ بِالِامْتِنَانِ «5» و يا من يُسْتَغْنَى به و لا يُسْتَغْنَى عَنْهُ «6» و يا من يُرْغَبُ إِلَيْهِ و لا يُرْغَبُ عَنْهُ «7» و يا من لا تُفْنِي خَزَائِنَهُ الْمَسَائِلُ «8» و يا من لا تُبَدِّلُ حِكْمَتَهُ الْوَسَائِلُ «9» و يا من لا تَنْقَطِعُ عَنْهُ حَوَائِجُ الْمُحْتَاجيِنَ «10» و يا من لا يُعَنِّيهِ دُعَاءُ الدَّاعِينَ . «11» تَمَدَّحْتَ بِالْغَنَاءِ عَنْ خَلْقِكَ و أَنْتَ أَهْلُ الْغِنَى عَنْهُمْ «12» و نَسَبْتَهُمْ إِلَى الْفَقْرِ و هم أَهْلُ الْفَقْرِ إِلَيْكَ . «13» فَمَنْ حَاوَلَ سد خَلَّتِهِ من عِنْدِكَ ، و رَامَ صَرْفَ الْفَقْرِ عَنْ نَفْسِهِ بِكَ فَقَدْ طَلَبَ حَاجَتَهُ فِي مَظَانِّهَا ، و أَتَى طَلِبَتَهُ من وَجْهِهَا . «14» و من تَوَجَّهَ بِحَاجَتِهِ إِلَى أَحَدٍ من خَلْقِكَ أَوْ جَعَلَهُ سَبَبَ نُجْحِهَا دُونَكَ فَقَدْ تَعَرَّضَ لِلْحِرْمَانِ ، و اسْتَحَقَّ من عِنْدِكَ فَوْتَ الْاِحْسَانِ . «15» اللَّهُمَّ و لِي إِلَيْكَ حَاجَةٌ قَدْ قَصَّرَ عَنْهَا جُهْدِي ، و تَقَطَّعَتْ دُونَهَا حِيَلِي ، و سَوَّلَتْ لِي نَفْسِي رَفْعَهَا إِلَى من يَرْفَعُ حَوَائِجَهُ إِلَيْكَ ، و لا يَسْتَغْنِي فِي طَلِبَاتِهِ عَنْكَ ، و هِيَ زَلَّةٌ من زَلَلِ الْخَاطِئِينَ ، و عَثْرَةٌ من عَثَرَاتِ الْمُذْنِبِينَ . «16» ثُمَّ انْتَبَهْتُ بِتَذْكِيرِكَ لِي من غَفْلَتِي ، و نَهَضْتُ بِتَوْفِيقِكَ من زَلَّتِي ، و رَجَعْتُ و نَكَصْتُ بِتَسْدِيدِكَ عَنْ عَثْرَتِي . «17» و قُلْتُ سُبْحَانَ رَبِّي كَيْفَ يَسْأَلُ مُحْتَاجٌ مُحْتَاجاً و أَنَّى يَرْغَبُ مُعْدِمٍ اِلَي مُعْدِمٍ «18» فَقَصَدْتُكَ ، يا إِلَهِي ، بِالرَّغْبَةِ ، و أَوْفَدْتُ عَلَيْكَ رَجَائِي بِالثِّقَةِ بِکَ . «19» و عَلِمْتُ أَنَّ كَثِيرَ ما أَسْأَلُكَ يَسِيرٌ فِي وُجْدِكَ ، و أَنَّ خَطِيرَ ما أَسْتَوْهِبُكَ حَقِيرٌ فِي وُسْعِكَ ، و أَنَّ كَرَمَكَ لا يَضِيقُ عَنْ سُؤَالِ أَحَدٍ ، و أَنَّ يَدَكَ بِالْعَطَايَا أَعْلَى من كُلِّ يَدٍ . «20» اللَّهُمَّ فَصَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ و آلِهِ ، و احْمِلْنِي بِكَرَمِكَ عَلَى التَّفَضُّلِ ، و لا تَحْمِلْنِي بِعَدْلِكَ عَلَى الِاسْتِحْقَاقِ ، فَمَا أَنَا بِأَوَّلِ رَاغِبٍ رَغِبَ إِلَيْكَ فَأَعْطَيْتَهُ و هو يَسْتَحِقُّ الْمَنْعَ ، و لا بِأَوَّلِ سَائِلٍ سَأَلَكَ فَأَفْضَلْتَ عَلَيْهِ و هو يَسْتَوْجِبُ الْحِرْمَانَ . «21» اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ و آلِهِ ، و كن لِدُعَائِي مُجِيباً ، و من نِدَائِي قَرِيباً ، و لِتَضَرُّعِي رَاحِماً ، و لِصَوْتِي سَامِعاً . «22» و لا تَقْطَعْ رَجَائِي عَنْكَ ، و لا تَبُتَّ سَبَبِي مِنْكَ ، و لا تُوَجِّهْنِي فِي حَاجَتِي هَذِهِ و غَيْرِهَا إِلَى سِوَاكَ «23» و تَوَلَّنِي بِنُجْحِ طَلِبَتِي و قَضَاءِ حَاجَتِي و نَيْلِ سُؤْلِي قَبْلَ زَوَالِي عَنْ مَوْقِفِي هَذَا بِتَيْسِيرِكَ لِيَ الْعَسِيرَ و حُسْنِ تَقْدِيرِكَ لِي فِي جَمِيعِ الْأُمُورِ «24» و صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ و آلِهِ صَلَاةً دَائِمَةً نَامِيَةً لا انْقِطَاعَ لِأَبَدِهَا و لا مُنْتَهَى لِأَمَدِهَا ، و اجْعَلْ ذَلِكَ عَوْناً لِي و سَبَباً لِنَجَاحِ طَلِبَتِي ، اِنَّکَ وَاسِعٌ کَرِيمٌ . «25» و من حَاجَتِي يا رَبِّ كَذَا و كَذَا . ( تَذْكُرُ حَاجَتَكَ ثُمَّ تَسْجُدُ و تَقُولُ فِي سُجُودِكَ ) فَضْلُكَ آنَسَنِي ، و إِحْسَانُكَ دَلَّنِي ، فَأَسْأَلُكَ بِكَ و بِمُحَمَّدٍ و آلِهِ ، صَلَوَاتُكَ و عَلَيْهِمْ أَن لا تَرُدَّنُِي خَائِباً
(اللهم يا منتهى مطلب الحاجات) على المرء ان يسعى لحاجته بمقدار جهده، فاذا سدت فى وجهه الابواب، و تقطعت الاسباب، رفع حاجته الى الله مباشره و بلا واسطه الا الدعاء و الرجاء، و هو تعالى قريب مجيب
(عنده نيل الطلبات) لا احد ينال شيئا الا بمشيئته تعالى و توفيقه سواء اكان علما و عقلا ام جاها و مالا ام صحه و امنا، و سواء اكان بالجد و الكد ام بسبب آخر
(و يا من لايبيع نعمه بالاثمان) لانه لايملك الثمن و المثمن، و لا احد يملك معه شيئا حتى نفسه، فعلى من يبيع؟ و ممن يقبض الثمن؟ اجل الله يشترى بمعنى يجزى الذين احسنوا بالحسنى و زياده. و ايضا يبيع بمعنى يحسن و يتفضل.
(و يا من لايكدر عطاياه بالامتنان) امتن عليه امتنانا بما صنع: عدد له ما فعل معه من خير. و تسال: كيف نفى الامتنان عنه تعالى علما بانه قال: «يمنون عليك ان اسلموا قل لاتمنوا على اسلامكم بل الله يمن عليكم ان هداكم للايمان- 17 الحجرات» و ايضا قال لنبيه الاعظم: «الم يجدك يتيما فاوى و وجدك ضالا فهدى و وجدك عائلا فاغنى- 6 الضحى».
الجواب: المراد بالمن فى آيه الحجرات الانعام و التفضل اى بل الله انعم عليكم و تفضل بهدايتكم، و كذلك قوله تعالى: الم يجدك يتيما... فهو تعديد لما انعم الله على نبيه، و تنبيه الى انه سيحسن اليه فيما ياتى كما احسن اليه فيما مضى.
(و يا من يستغنى به و لا يستغنى عنه) كل الخلائق تتقلب فى فضله تعالى و لا وجود لها و لا حول الا به، و فى هذا المعنى قول سيد الشهداء (ع): ماذا وجد من فقدك؟ و ما الذى فقد من وجدك
(و يا من يرغب اليه، و لايرغب عنه) هو وحده ولى الاعطاء و المنع، لان الاشياء كلها فى قبضته، و لا شى ء عند سواه، و من رغب عنه فماذا يصنع؟ و الى اين يذهب؟
(و يا من لاتفنى خزائنه المسائل) جمع مساله بمعنى الحاجه، و خزائنه لاينقص الانفاق منها شيئا فضلا عن نفادها و فنائها، لانها ليست جمعا من هنا و هناك بل فيضا من الذات اللامتناهيه. و فى نهج البلاغه: لا يثلمه العطاء، و لا ينقصه الحباء و لا يستنفده سائل، و لا يستقصيه نائل.
(و يا من لا تبدل حكمته الوسائل) الله فعال لما يريد، ما فى ذلك ريب و لكنه لا يريد فعلا او تركا الا بموجب علمه و حكمته، فاذا اقتضت الحكمه الالهيه وجود شى ء او عدمه، ثم توسل اليه الانس و الجن ان يغير و يبدل الوجود بالعدم او العدم بالوجود- يمضى و لايستجيب
(و يا من لاتنقطع عنه حوائج المحتاجين) هم يسالون الخالق سبحانه بلسان المقال او الحال، و هو يلبى من غير انقطاع، و لو تخلى عن الكون ثانيه فما دونها لفسدت السموات و الارض
(و يا من لا يعنيه دعاء الداعين) يعنيه بتشديد النون من العناء، و المعنى لا تضايقه و تزعجه كثره المطالبين السائلين و المتوسلين مهما كانت و تكون.
(و تمدحت بالغنى عن خلقك...) انت سبحانك كما قلت عن نفسك غنى و كمالا، و نحن كما وصفتنا فى كتابك: «يا ايها الناس انتم الفقراء الى الله و الله هو الغنى الحميد- 15 فاطر» فاجبر فقرنا بغناك، و سد حاجتنا من جودك و كرمك
(فمن حاول سد حاجته من عندك...) فقد رفع حاجته الى مجيب الدعوات و قاضى الحاجات
(و من توجه بحاجته الى احد...) سواك فقد خابت مطالبه، و تحيرت مذاهبه. و فى دعاء آخر: «خاب الوافدون على غيرك، و خسر المتعرضون الا لك، و ضاع الملمون الا بك، و اجدب المنتجعون الا من انتجع فضلك». اياك و الياس من خالقك، و ان كنت مجرما، فانه تعالى يستجيب لكل من يدعوه و يرجوه مخلصا فى دعائه و رجائه.
(اللهم ولى اليك حاجه...) كلنا تعرض له معضله يعجز عن حلها بسعيه و جهده، فيستنجد باخر اقوى و اقدر، و الهدف الاول للامام من هذا الدعاء الذى صاغه باسلوب الحكايه عن نفسه- هو التنوير و التعليم لاى انسان تشتد عليه الازمات، و تضيق امامه الحلقات، و ان واجبه فى هذه الحال ان ينقطع الى الله دون سواه، و خلاصه هذه الحكايه او الكنايه- على الاصح- ان حاجه قاهره عرضت له، فسعى لها سعيها جاهدا، و لما استعصت و ضاق المخرج استنجد بواحد من الناس، و لكن بغير جدوى، و عندئذ تنبه بعنايته تعالى الى ان من توكل على الله مخلصا كفاه، و من ساله واثقا اعطاه، و ان اعتماده على غيره كان كبوه و هفوه.
و ان قال قائل: ان التعاون بين الناس ضروره حياتيه و ظاهره اجتماعيه و حتميه و الا فلا زراعه و صناعه و بناء و تجاره- قلنا فى جوابه: اجل، و لكن كل الخلق يستمدون العون من الخالق، لانه هو وحده يسهل و ييسر و سائل الانتاج و دواعى التعاون، و الغايه من هذا الدعاء ان لايذهل المخلوق و يغفل عن خالقه و رازقه.
(و نهضت بتوفيقك من زلتى) و هى الغفله و الذهول عن الخالق بالرجوع الى المخلوق (و رجعت و نكصت بتسديدك عن عثرتى) النكوص: الاحجام و المراد به هنا التوبه من التوسل بالخلق
(و قلت سبحان ربى كيف يسال محتاج محتاجا؟ الخ...) كل انسان بالغا ما بلغ من القوه و السلطان و المال، فهو مفتقر الى الله تعالى فى كل حال و حين، و عليه فمن السفه ان يذهل الانسان عن خالقه، و يداهن اهل الجاه و المال، و يتقرب الى ائمه الجور و الضلال لينال شيئا من دنياهم على حساب دينه و ايمانه.
(فقصدتك يا الهى بالرغبه...) صرفت قلبى عن سواك، و توجهت اليك وحدك لا شريك لك
(و علمت ان كثير ما اسالك يسير فى وجدك) من الجده بمعنى السعه و الغنى و القدره، و ما من شك ان جميع الاشياء لدى القدره الالهيه سواء فى اليسر، و لا شى ء ايسر و اهون عليها من شى ء، فكلمه «كن» بها يوجد الكون و جناح البعوضه، و هذا ما اراده الامام بكلمه «يسير» اما الكثره فهى عند السائل دون المسوول (و ان خطير ما استوهبك...) عطف تكرار (و ان كرمك لايضيق عن سئوال...) السائلين، و خزائنك لا تنفدها مطالب المحتاجين «و قالت اليهود يد الله مغلوله غلت ايديهم و لعنوا بما قالوا بل يداه مبسوطتان- 64 المائده».
(و احملنى بكرمك على التفضل...) عاملنى بما انت اهل له لا بما استحق، و اصنع معى بصفاك لا بصفاتى و افعالى، فانا فقير اليك و مسكين بين يديك. و سبق الكلام عن ذلك فى الدعاء العاشر فقره: الثواب تفضل او استحقاق؟ (فما انا باول راغب رغب اليك...) استجار بك قبلى كثيرون فاغثتهم، و ابتهجوا و فرحوا، وحدا بى احسانك هذا اليهم ان اقف ببابك لتفيض على من فضلك
(و كن لدعائى مجيبا...) و انت القائل بلسان نبيك صالح: «ان ربى قريب مجيب- 61 هود» (و لصوتى سامعا) اى لا تحجب احدا عن جودك و رحمتك و الا فان الله عليم بذات الصدور و وسوسه النفوس.
(و لاتقطع رجائى منك) بالحرمان (و لا تبت) لا تقطع (سببى منك) بطردى عن بابك الكريم (و لا توجهنى فى حاجتى...) هذا و ما بعده عطف تفسير و توكيد لما قبله (و حسن تقديرك لى فى جميع الامور) المراد هنا بحسن تقديره تعالى ما يراه خيرا و صلاحا للعبد فى دنياه و آخرته، لا ما يراه العبد و يطلبه
(و لا انقطاع لابدها...) بل باقيه ببقاء الله، تقدست اسماوه (و اجعل ذلك عونا لى) ذلك اشاره الى حسن التقدير (انك واسع) فى نعمك و علمك و كرمك و حلمك. و فى مزامير داود: «الرب لايحقد... قويت رحمته على خائفيه». (و تذكر حاجتك) فى الجزء الثانى من اصول الكافى عن الامام الصادق (ع): ان الله سبحانه يعلم ما يريد العبد من ربه اذا دعاه و لكنه يحب ان يبث اليه الحوائج. فاذا دعوت فعد حاجتك.