فى التذلل لمقام العزه و الجلال
«1» رَبِّ أَفْحَمَتْنِي ذُنُوبِي ، و انْقَطَعَتْ مَقَالَتِي ، فَلَا حُجَّةَ لِي ، فَأَنَا الْأَسِيرُ بِبَلِيَّتِي ، الْمُرْتَهَنُ بِعَمَلِي ، الْمُتَرَدِّدُ فِي خَطِيئَتِي ، الْمُتَحَيِّرُ عَنْ قَصْدِي ، الْمُنْقَطَعُ بِي . «2» قَدْ أَوْقَفْتُ نَفْسِي مَوْقِفَ الْأَذِلَّاءِ الْمُذْنِبِينَ ، مَوْقِفَ الْأَشْقِيَاءِ الْمُتَجَرِّينَ عَلَيْكَ ، الْمُسْتَخِفِّينَ بِوَعْدِکَ «3» سُبْحَانَكَ أَيَّ جُرْأَةٍ اجْتَرَأْتُ عَلَيْكَ ، و أَيَّ تَغْرِيرٍ غَرَّرْتُ بِنَفْسِي «4» مَوْلَايَ ارْحَمْ كَبْوَتِي لِحُرِّ وَجْهِي و زَلَّةَ قَدَمِي ، و عُدْ بِحِلْمِكَ عَلَى جَهْلِي و بِإِحْسَانِكَ عَلَى إِسَاءَتِي ، فَأَنَا الْمُقِرُّ بِذَنْبِي ، الْمُعْتَرِفُ بِخَطِيئَتِي ، و هَذِهِ يَدِي و نَاصِيَتِي ، أَسْتَكِينُ بِالْقَوَدِ من نَفْسِي ، ارْحَمْ شَيْبَتِي ، و نَفَادَ أَيَّامِي ، و اقْتِرَابَ أَجَلِي و ضَعْفِي و مَسْكَنَتِي و قِلَّةَ حِيلَتِي . «5» مَوْلَايَ و ارْحَمْنِي إِذَا انْقَطَعَ من الدُّنْيَا أَثَرِي ، و امَّحَى من الَْمخْلُوقِينَ ذِكْرِي ، و كُنْتُ من الْمَنْسِيِّينَ كَمَنْ قَدْ نُسِيَ «6» مَوْلَايَ و ارْحَمْنِي عِنْدَ تَغَيُّرِ صُورَتِي و حَالِي إِذَا بَلِيَ جِسْمِي ، و تَفَرَّقَتْ أَعْضَائِي ، و تَقَطَّعَتْ أَوْصَالِي ، يا غَفْلَتِي عَمَّا يُرَادُ بِي . «7» مَوْلَايَ و ارْحَمْنِي فِي حَشْرِي و نَشْرِي ، و اجْعَلْ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ مَعَ أَوْلِيَائِكَ مَوْقِفِي ، و فِي أَحِبَّائِكَ مَصْدَرِي ، و فِي جِوَارِكَ مَسْكَنِي ، يا رَبَّ الْعَالَمِينَ
(رب افحمتنى ذنوبى...) واضح، و تقدم فى الدعاء 16 و غيره
(قد اوقفت نفسى موقف الاذلاء المذنبين...) اذا اردت من الله حاجه فقف على بابه موقف الذليل المنكسر، و قل: امنن على من فضلك يا كريم و لا طريق على الاطلاق الى فضله انجح من هذه الطريق، و تقدم فى الدعاء 21 و غيره (و هذى يدى و ناصيتى) كنايه عن التسليم و الانقياد لحكمه تعالى (استكين): اركع و اخضع (بالقود): بالقصاص (ارحم شيبتى) فى سفينه البحار عن رسول الله (ص): «ان الله ينظر فى وجه الشيخ المومن صباحا و مساء، و يقول: يا عبدى كبر سنك، و دق عظمك، ورق جلدك، و قرب اجلك، و حان قدومك على، فاستح منى، فانا استحى من شيبتك ان اعذبك بالنار» اى انه تعالى يرحم صاحب الشيبه و يرفق به، فعليه ان يرفق هو ايضا بنفسه و يرحمها بترك الذنوب.
(مولاى ارحمنى اذا...) حملت الى زنزانه ضيقه موحشه و مخيفه مظلمه، ينقطع فيها اثرى، و يغيب خبرى، و غريبه الغرائب ان نومن بهذا الماب ثم نذهل عنه عند العمل! فرحمناك يا ارحم من استرحم... ذهولنا و عقولنا و قلوبنا و كل جوارحنا بيدك، و لا نملك منها الا ما ملكتنا، فمدنا بلطفك و وفقنا الى طاعتك و اليك نتوسل بك و بحبيبك محمد و آل محمد صلواتك عليه و عليهم
(و ارحمنى عند تغير صورتى) حين تاكل الارض لحمى، و تطحن عظمى
(و ارحمنى فى حشرى و نشرى) الحشر: الجمع، و النشر: الاحياء.
(و اجعل فى ذلك اليوم...) للخلق يوم القيامه موقف بين يدى الله تعالى للعرض و الحساب، و تقرير الثواب و العقاب، و بعده ينتشرون متفرقين مسرعين الى مقرهم الاخير، لكل حسب عمله، و الامام (ع) يدعو الله سبحانه ان يكون موقفه غدا مع الاخيار لا مع الاشرار، و ان ياخذ طريقه بعد الحساب مع احباء الله لا مع اعدائه، و ان يكون مقره الاخير فى رحمه الله و نعيمه لا فى نقمته و جحيمه.