فارسی
چهارشنبه 27 تير 1403 - الاربعاء 9 محرم 1446
قرآن کریم مفاتیح الجنان نهج البلاغه صحیفه سجادیه

0
نفر 0

و كان من دعائه علیه السلام اذا ابتداء بالدعاء بداء بالتحمید لله عز و جل و الثناء علیه

و كان ‌من‌ دعائه عليه السلام اذا ابتداء بالدعاء بداء بالتحميد لله ‌عز‌ ‌و‌ ‌جل‌ ‌و‌ الثناء عليه فقال:
 

(الحمد لله الاول بلا اول كان قبله) فهو سبحانه قبل الاشياء لم يسبقه سابق، حتى ‌ان‌ الزمان ‌و‌ المكان مخلوقان له، فهو قبلهما (و الاخر بلا آخر يكون بعده) فهو يبقى بعد فناء الاشياء، حيث ترجع الاكوان كان لم تكن- على حالتها قبل الخلقه، ‌و‌ ‌فى‌ انعدام الاشياء راسا ‌او‌ بقاء بعض المواد ‌و‌ الارواح بعد الافناء خلاف، كثير ‌من‌ النصوص يويد الاول.

(الذى قصرت عن رويته ابصار الناظرين) فانه سبحانه يستحيل رويته ‌لا‌ ‌فى‌ الدنيا ‌و‌ ‌لا‌ ‌فى‌ الاخره (و عجزت عن نعته) ‌اى‌ وصفه كما ‌هو‌ اهله، ‌لا‌ الاوصاف العامه- كالعالم ‌و‌ القادر ‌و‌ ‌ما‌ اشبه- (اوهام الواصفين) «اوهامهم» ‌اى‌ اذهانهم ‌و‌ افكارهم، فان الافكار ‌لا‌ تصل الى كنه معرفه الله سبحانه.
 
(ابتدع بقدرته الخلق ابتداعا) الابتداع: الخلق بلا سابقه ‌و‌ بلا تعلم ‌من‌ احد ، فانه سبحانه خلق الخلق بدون ‌ان‌ يتعلم ‌من‌ خالق سابق (و اخترعهم) الاختراع: الشق ‌و‌ الكشف، ‌و‌ هذا اعم ‌من‌ الابتداع، ‌و‌ ‌ان‌ كان المفاد واحدا (على مشيته اختراعا،
 
ثم سلك بهم طريق ارادته) ‌اى‌ جعلهم كما اراد ‌فى‌ الكيفيه ‌و‌ الخصوصيات، فان لكل انسان مزايا خاصه- ‌من‌ اللون ‌و‌ كيفيه الجسم ‌و‌ مده العمر ‌و‌ ‌ما‌ اشبه- (و بعثهم ‌فى‌ سبيل محبته) لعل المعنى انه سبحانه الزم عليهم تكاليف خاصه حيث احب ‌و‌ كما اراد، فالجمله الاولى للتكوين ‌و‌ الجمله الثانيه للتشريع.
 (لا يملكون تاخيرا عما قدمهم اليه) ‌اى‌ ‌لا‌ يتمكن احد ‌من‌ البشر ‌ان‌ يتاخر عن المرتبه التى جعلها الله سبحانه له (و ‌لا‌ يستطيعون تقدما الى ‌ما‌ اخرهم عنه) بان يتقدم الى المرتبه السابقه ‌و‌ قد شاء الله له المرتبه اللاحقه، كان يجعل نفسه ‌فى‌ صنوف الاذكياء ‌و‌ قد خلق ‌من‌ البلهاء ‌او‌ بالعكس، ‌و‌ هكذا ‌فى‌ سائر الشئوون الخلقيه.
 
(و جعل لكل روح منهم) ‌اى‌ لكل انسان (قوتا معلوما) القوت: ‌ما‌ ياكله الانسان، ‌او‌ المراد الاعم ‌من‌ الماكول ‌و‌ الملبوس ‌و‌ ‌ما‌ اشبه.
 
(مقسوما ‌من‌ رزقه) قد عينه له حين قسم الارزاق للبشر (لا ينقص ‌من‌ زاده) الله سبحانه ‌فى‌ الرزق (ناقص) ‌اى‌ ‌لا‌ يتمكن احد ‌او‌ شى ء ‌ان‌ ينقص ‌من‌ رزق ‌من‌ اراد الله زياده رزقه. ‌و‌ «نقص» متعد، ‌و‌ لذا يوتى له بالمفعول، ‌و‌ ‌هو‌ منقوص (و ‌لا‌ يزيد ‌من‌ نقص) الله ‌فى‌ رزقه (منهم زائد) فلا يتمكن احد ‌ان‌ يزيد ‌فى‌ رزق ‌من‌ قدر له نقص الرزق.
 
(ثم ضرب) ‌و‌ عين (له ‌فى‌ الحياه) الدنيا (اجلا) ‌اى‌ مده معينه يبقى ‌فى‌ الحياه. ‌و‌ الاجل له اطلاقان: اطلاق على المده، ‌و‌ اطلاق على نهايه المده (موقونا) ‌اى‌ معينا، مشتق ‌من‌ «الوقت» (و نصب) ‌اى‌ جعل (له امدا) ‌اى‌ مده (محدودا) قد ‌حد‌ ‌و‌ عين، ‌و‌ لعل «الاجل» لمنتهى المده، «و الامد» لتمام المده (يتخطاء اليه بايام عمره) كما يتخطى الانسان ‌فى‌ المسافه حتى يبلغ النهايه، فكان ايام العمر خطى الانسان نحو آخر مدته، فاذا انتهى ايام عمره كان ‌و‌ اصلا الى آخر مدته ‌فى‌ الحياه فيموت (و يرهقه) ‌اى‌ يدنو اليه بسرعه (باعوام دهره) «اعوام» جمع عام، ‌اى‌ بسنوات الدهر المقرره له (حتى اذا بلغ) الانسان (اقصى اثره) ‌اى‌ آخر الاثر المقرر له، كان لكل انسان خطى ‌من‌ العمر ينتهى، ‌و‌ هذه الخطى اثر الانسان ‌فى‌ الحياه.
 
(و استوعب) «الاستيعاب» الاشتمال (حساب عمره) بان اتى على جميع ‌ما‌ قدر له ‌من‌ العمر (قبضه) ‌اى‌ اخذه الله سبحانه بالامانه (الى ‌ما‌ ندبه اليه) ‌اى‌ كلفه به، فانه سبحانه كلف الانسان بالواجبات ‌و‌ بترك المحرمات، ‌و‌ المراد ب«ماندب» نتيجه ماندب.
 (من موفور ثوابه) ‌اى‌ ثوابه الوافر الكثير لمن اطاع (او محذور عقابه) ‌اى‌ عقابه الذى يحذر منه ‌و‌ يخاف لمن عصى (ليجزى الذين اساووا بما عملوا) ‌من‌ الكفر ‌و‌ المعاصى (و يجزى الذين احسنوا بالحسنى) ‌اى‌ بالصفه الحسنى، مونث احسن، ‌و‌ المراد بالحسنى الجنه ‌و‌ الثواب، ‌و‌ انما يجازى سبحانه بما عمل الانسان  
 
(عدلا منه) تعالى، اذ العدل ‌ان‌ يكون الجزاء شبيه العمل ‌و‌ ‌من‌ جنسه (تقدست اسماوه) ‌اى‌ تنزهت صفاته عن النقائص، فان المراد بالاسماء الصفات، اذ الاسم بمعنى العلامه، ‌و‌ الصفه علامه (و تظاهرت) ‌اى‌ صارت بعضها ظهر بعض ‌و‌ ‌فى‌ عقبها (آلاوه) جمع «آل» بمعنى النعمه (لا يسال) تعالى (عما يفعل) فانه سبحانه ليس مسئوولا بحيث يقع ‌فى‌ محذور السئوال ‌و‌ الجواب، اذ ‌لا‌ مثل له ‌و‌ ‌لا‌ اعلى منه حتى يحاسبه على اعماله (و ‌هم‌ يسالون) فان كل انسان ‌و‌ حيوان ‌و‌ ‌ما‌ اشبه يسال عن فعله، ‌و‌ لعل قوله «لا يسال» كنايه عن ‌ان‌ جميع افعاله على نحو الحكمه ‌و‌ الصلاح، فلا موضع لئن يسال اذا السئوال عن العبث ‌و‌ الفوضى
 
(و الحمد لله الذى لو حبس عن عباده معرفه حمده) بان لم يعطهم قدره المعرفه ( على ‌ما‌ ابلاهم) ‌و‌ امتحنهم (من مننه المتتابعه) «المنن» جمع منه، بمعنى النعمه، اذ كل نعمه توجب منه على الانسان (و اسبغ عليهم) ‌اى‌ اعطاهم ‌و‌ وسع عليهم (من نعمه المتظاهره) التى بعضها ظهر لبعض ‌و‌ ‌فى‌ اثرها ‌و‌ عقبها (لتصرفوا) جواب «لو» (فى مننه فلم يحمدوه) اذ المفروض انهم ‌لا‌ يعرفون الحمد (و توسعوا ‌فى‌ رزقه) ‌اى‌ توسعوا ‌فى‌ نيل رزقه ‌و‌ التصرف فيه (فلم يشكروه) اذ الشكر فرع المعرفه ‌و‌ المفروض انهم ‌لا‌ يعرفون حمده  
 
(و لو كانوا كذلك) يتناولون الرزق بدون ‌ان‌ يشكروا (لخرجوا ‌من‌ حدود الانسانيه الى ‌حد‌ البهيميه) اذ البهيمه ‌لا‌ تشكر لعدم معرفتها، ‌و‌ كذلك يكون الانسان حينئذ. ‌و‌ ‌لا‌ يخفى ‌ان‌ التشبيه بحسب الظاهر ‌و‌ الا فالبهائم تعرف الاله ‌و‌ تشكره كما قال سبحانه: «و ‌ان‌ ‌من‌ شى ء الا يسبح بحمده ‌و‌ لكن ‌لا‌ تفقهون تسبيحهم»
 
(فكانوا) لعدم شكرهم (كما وصف ‌فى‌ محكم كتابه) اضافه «محكم» الى ال«كتاب» ‌من‌ اضافه الصفه الى الموصوف، ‌اى‌ كتابه المحكم الذى لم يطراء عليه باطل ‌او‌ نسخ ‌او‌ ‌ما‌ اشبه (ان ‌هم‌ الا كالانعام) «ان» نافيه، ‌اى‌ ليس هولاء الذين ‌لا‌ يدينون الا كالانعام ‌فى‌ عدم الفهم ‌و‌ الادراك (بل ‌هم‌ اضل سبيلا) اذ الانعام تعرف مصالحها ‌و‌ مفاسدها ‌و‌ الانسان المنحرف ‌لا‌ يعرف ذلك. ‌و‌ ‌لا‌ يخفى ‌ان‌ الحمد بالنتيجه على هدايه الانسان ‌و‌ عدم جعله كالانعام
 
(و الحمد لله على ‌ما‌ عرفنا ‌من‌ نفسه) اذ ‌ما‌ نعرفه ‌من‌ جهاته سبحانه- ‌و‌ لو كانت معرفه ناقصه ‌لا‌ تصل الكنه- ليس الا بسبب تعريفه سبحانه ‌و‌ تعليمه لنا (و الهمنا ‌من‌ شكره) فانه القى ‌فى‌ قلوبنا وجوب شكره، فان كل انسان يعرف بالفطره لزوم شكر المنعم مع الغض عن معلوميه ذاته بسبب الاديان ‌و‌ الشرائع السماويه (و فتح لنا ‌من‌ ابواب العلم) «من» للتبعيض، ‌اى‌ بعض ابواب العلم (بربوبيته) حتى عرفناه سبحانه ربا لنا ‌و‌ لسائر الموجودات، فان كل انسان يعرف بفطرته ‌ان‌ للكون ربا ‌و‌ خالقا (و دلنا عليه ‌من‌ الاخلاص) «من» بيان لضمير «عليه» (له ‌فى‌ توحيده) فان الله ارشدنا الى لزوم ‌ان‌ نوحده، ‌و‌ نجعل اله الكون واحدا مخلصا له العقيده، ‌لا‌ ‌ان‌ نشرك معه غيره (و جنبنا) ‌اى‌ بعدنا
 
بسبب الادله ‌و‌ الحجج (من الالحاد) ‌اى‌ الانحراف عن الحقيقه (و الشك ‌فى‌ امره) حتى نكون شاكا هل ‌هو‌ موجود ‌ام‌ لا؟ ‌و‌ هل ‌هو‌ واحد ‌ام‌ كثير؟ ‌و‌ هكذا.
 
(حمدا نعمر به) ‌اى‌ نقضى اعمارنا بهذا الحمد (فيمن حمده) ‌اى‌ ‌فى‌ جمله الذين يحمدونه فنكون كاحدهم، ‌لا‌ ‌فى‌ جمله الملحدين ‌و‌ الشاكين (من خلقه) «من» بيان « ‌من‌ حمده» (و نسبق به) ‌اى‌ بسبب هذا الحمد (من سبق الى رضاه) تعالى ‌اى‌ نكون سابقا على ‌من‌ سبق، لان حمدنا اكثر ‌من‌ حمدهم فنكون اسبق الى نيل رضاه. ‌و‌ ‌لا‌ يخفى ‌ان‌ هذا انشاء لبيان قدر ‌ما‌ ينطوى عليه الحامد ‌من‌ حب الله ‌و‌ مدحه، فلا يلزم السبق ‌فى‌ الخارج حتى يقال: كيف يسبق الانسان الانبياء ‌و‌ ‌من‌ اليهم؟ (و عفوه) بان يعفو عنا ذنوبنا بسبب حمدنا له.
 
(حمدا يضيى ء لنا به) ‌اى‌ بسبب هذا الحمد (ظلمات البرزخ) «البرزخ» ‌هو‌ المحل الواسط بين الدنيا ‌و‌ الاخره، ‌و‌ يريد الداعى انه بسبب حمده يتفضل سبحانه باناره البرزخ له (و يسهل) الله سبحانه (به) ‌اى‌ بسبب هذا الحمد (سبيل المبعث) ‌اى‌ طريق يوم القيامه حتى ‌لا‌ نسلك فيه مسلك المجرمين (و يشرف به) ‌اى‌ بسبب هذا الحمد (منازلنا) ‌فى‌ الاخره
 
(عند مواقف الاشهاد) جمع شاهد، ‌اى‌ يكون لنا موقفا شريفا حسنا حين يحضر الناس ‌فى‌ القيامه ليشهد الشهود لهم ‌او‌ عليهم، فاذا شهدوا له كان له موقف شريف، ‌و‌ اذا شهدوا عليه كان له موقف مخزى ‌و‌ مذل (يوم تجزى كل نفس بما كسبت) ‌ان‌ خيرا فخير ‌و‌ ‌ان‌ شرا فشر (و ‌هم‌ ‌لا‌ يظلمون) بهضم حسناتهم ‌او‌ زياده سيئاتهم (يوم ‌لا‌ يغنى مولى عن مولى شيئا) «المولى» الصديق ‌و‌ الناصر، ‌اى‌ ‌لا‌ ينفع صديق لصديقه شيئا، بان يزيد ‌فى‌ حسناته ‌او‌ يقلل ‌من‌ سيئاته (و ‌لا‌ ‌هم‌ ينصرون) فلا يتمكن احد ‌ان‌ ينصر احدا، بل الذى ينجى الانسان هناك العمل الصالح ‌و‌ الشفاعه.
 
(حمدا يرتفع) ذلك الحمد (منا) ‌اى‌ ‌من‌ جهتنا (الى اعلى عليين) «العليون» كتاب يكتب فيه الاعمال الصالحه للناس، ‌و‌ الكتابه ‌فى‌ اعلاه دليل القبول الكامل (فى كتاب مرقوم) قد رقم ‌و‌ كتب (يشهده المقربون) فان هذا كتاب بايدى الملائكه المقربين الذين قربهم سبحانه الى رضاه ‌و‌ لطفه.
 
(حمدا تقر ‌به‌ عيوننا) فان الانسان اذا كان فرحا مسرورا تقف عينه عن الحركه، بخلاف الخائف الذى تضطرب عينه الى هنا ‌و‌ هناك
 
(اذا برقت الابصار) برق البصر بمعنى تحير فزعا حتى ‌لا‌ نطرف ‌او‌ دهش فلم يبصر ، فان الانسان اذا دهش دهشه كبيره لم تصل الروح الى العين لتبصر. ‌و‌ اذا كان اقل دهشه لم يتمالك ‌ان‌ يحرك طرفه (و تبيض ‌به‌ وجوهنا) فان الوجوه تبيض بالنور ‌و‌ الاشراق يوم القيامه اذا كان اصحابها حسنى الافعال ‌فى‌ الدنيا، ‌و‌ تسود حزنا ‌و‌ كابه اذا كان اصحابها سيئى الافعال (اذا اسودت الابشار) ابشار جمع بشر- وزن سبب ‌و‌ اسباب- ‌و‌ بشر جمع بشره ‌و‌ هى ظاهر جلد الانسان.
 
نحمده (حمدا نعتق به) ‌و‌ نفك (من اليم نار الله) ‌اى‌ نار الله المولمه، بحيث ننتهى (الى كريم جوار الله) جوار الله المحل الذى يلطف الله سبحانه على الانسان ‌فى‌ ذلك المحل، ‌و‌ ‌هو‌ تشبيه للمعقول بالمحسوس، فكما ‌ان‌ الانسان اذا كان ‌فى‌ جوار زعيم كبير يكون مشمولا لحفظه ‌و‌ لطفه، كذلك ‌من‌ كان عند لطف الله ‌و‌ احسانه، ‌و‌ كريم الجوار، ‌من‌ اضافه الصفه الى الموصوف، ‌اى‌ الجوار صاحب الكرامه- مقابل الاهانه-
 ثم ‌ان‌ الحمد لما كان باللسان ‌و‌ بالقلب ‌و‌ بالعمل، كان سببا للعتق ‌من‌ النار، ‌و‌ الفوز بالجنه فالامام عليه السلام يطلب منه تعالى ‌ان‌ يوفقه لمثل هذا الحمد، ‌لا‌ مجرد حمد اللسان- مثلا-
 
(حمدا نزاحم به) ‌اى‌ بذلك الحمد (ملائكته المقربين) ‌و‌ المزاحمه
 
- كنايه- عن الحمد المشابه لحمد الملائكه، ‌و‌ الاصل ‌فى‌ المزاحمه وحده المطلوب مع تعدد الطالب، ‌و‌ ‌من‌ المعلوم ‌ان‌ الحمد ليس شيئا محصورا حتى تقع فيه المزاحمه بمعناها الحقيقى (و نضام به) ‌اى‌ بذلك الحمد، ‌و‌ نضام ‌من‌ الضم بمعنى الجمع، ‌و‌ نضام بمعنى: ننضم (انبيائه المرسلين) حتى نجتمع معهم (فى دار المقامه) حيث الشرف الابدى بمرافقه الانبياء (التى ‌لا‌ تزول) فان الجنه ابديه (و محل كرامته) ‌اى‌ المحل الذى اكرمه ‌و‌ يكرم ‌من‌ كان فيه، ‌و‌ ‌هو‌ الجنه (التى ‌لا‌ تحول) ‌اى‌ ‌لا‌ تتحول، فليست مثل دار الدنيا التى تحول ‌من‌ حال الى حال.
 
(و الحمد لله الذى اختار محاسن الخلق) ‌اى‌ اختار لنا الخلق الحسن (و اجرى علينا طيبات الرزق) اجراءات الرزق جعله مستمرا جاريا، كالنهر الجارى، ‌و‌ الطيب ‌ما‌ يستطاب ويلائم الطبع، ‌و‌ المراد بالرزق اعم ‌من‌ الماكل ‌و‌ الملبس ‌و‌ ‌ما‌ اشبههما ‌من‌ حاجات الانسان  
 
(و جعل لنا الفضيله- بالملكه- على جميع الخلق) ‌اى‌ جعل لنا نحن البشر افضليه على جميع خلقه، بان ملكنا ‌ما‌ لم يملكهم ‌من‌ العقل ‌و‌ سائر الممتلكات، فان الانسان- لطبعه- افضل ‌من‌ جميع الموجودات (فكل خليقته) ‌اى‌ كل خلق الله تعالى (منقاده لنا بقدرته) ‌و‌ الانقياد معناه الحركه ‌لا‌ جلنا فان الشمس
 
و القمر ‌و‌ الافلاك ‌و‌ غيرها تسير لمصلحه الانسان (و سائره الى طاعتنا) فان الانسان يتصرف ‌فى‌ الارض ‌و‌ ‌ما‌ عليها- كانها مطيعه له- (بعزته) ‌اى‌ بسبب انه سبحانه عزيز قادر على كل شى ء.
 
(و الحمد لله الذى اغلق عنا باب الحاجه الا اليه) فانه سبحانه لم يجعلنا محتاجين الى واسطه، بل يقضى حوائجنا بنفسه، ‌و‌ قد كان بالامكان، ‌ان‌ يكون الله كالملوك الذين ‌لا‌ يرون حوائج الناس الا بواسطه الوزراء ‌و‌ ‌من‌ اليهم (ف)بعد هذه النعم العظام (كيف نطيق حمده)؟ اذ الحمد انما يكون كافيا اذا كان مكافئا، ‌و‌ هيهات ‌ان‌ يتمكن الانسان ‌من‌ الاتيان بالحمد بقدر كاف، فان تعدوا نعمه الله ‌لا‌ تحصوها (ام متى) ‌و‌ ‌فى‌ ‌اى‌ زمان (نودى شكره)؟ ‌و‌ زمان عمر الانسان اقصر ‌من‌ القدر اللائق ‌من‌ شكره سبحانه (لا، متى) جمله مستانفه لجواب الاستفهام، ‌اى‌ ‌لا‌ يمكن تاديه شكره.
 
(الحمد لله الذى ركب فينا) ‌اى‌ جعل ‌فى‌ ابداننا (آلات البسط) ‌اى‌ اجهزه نتمكن بها ‌من‌ بسط بعض اعضاء الجسم، كاليد ‌و‌ الرجل ‌و‌ ‌ما‌ اشبه (و جعل لنا ادوات القبض) ‌اى‌ الانقباض، فان اليد- مثلا-
 
تنبسط ‌و‌ تنقبض، ‌و‌ لو لم يتمكن الانسان ‌من‌ كليهما، ‌او‌ ‌من‌ احدهما، لتوقف كثير ‌من‌ اعماله ‌و‌ حوائجه (و متعنا بارواح الحيوه) ‌اى‌ اعطانا للمتعه ‌و‌ التلذذ ارواحا هى التى تسبب حياه الانسان، كالروح الباعث للشهوه ‌او‌ للغضب ‌او‌ للقوه، ‌و‌ ‌ما‌ اشبه، مما يتوقف حياه الانسان الكامله على تلك الارواح (و اثبت فينا جوارح الاعمال) جوارح جمع جارحه ‌و‌ هى اليد ‌و‌ الرجل ‌و‌ سائر ‌ما‌ يعمل بها الانسان ‌من‌ اعضائه ‌و‌ معنى الجرح ‌فى‌ الاصل العمل باليد، ‌و‌ منه جوارح الطير لانها تكسب بيدها، ‌و‌ المعنى جعل فينا الجوارح التى بها نعمل الاشياء التى نريدها.
 (و غذانا بطيبات الرزق) ‌اى‌ جعل غذائنا اقساما ‌من‌ الرزق الطيب، ‌و‌ الرزق اعم ‌من‌ الماكل ‌و‌ الملبس ‌و‌ المسكن ‌و‌ ‌ما‌ اشبه، كما ‌ان‌ الطيب مقابل الخبيث، ‌و‌ ‌هو‌ ‌ما‌ ‌لا‌ يستعذره الطبع (و اغنانا بفضله) ‌اى‌ جعلنا اغنياء ‌لا‌ نحتاج الى غيره، ‌و‌ ذلك الاغناء ليس استحقاقا منا بل فضلا ‌و‌ احسانا منه (و اقنانا) ‌من‌ القنبه بمعنى المال المدخر الذى يدخره الانسان (بمنه) ‌اى‌ بكرمه فانه سبحانه ادخر لنا الكنوز ‌و‌ المعادن ‌و‌ غيرهما لمصالحنا ‌و‌ هذا تلميح الى قوله سبحانه: «انه ‌هو‌ اغنى ‌و‌ اقنى»
 
(ثم امرنا) باوامره (ليختبر) ‌اى‌ يمتحن (طاعتنا) هل نطيع ‌ام‌ لا؟ ‌و‌ فائده الاختبار لنا لاله سبحانه لانه عالم بكل شى ء (و نهانا) عن المحرمات (ليبتلى) ‌و‌ يمتحن (شكرنا) هل نشكر بترك نواهيه ‌ام‌ لا؟ فان ‌من‌ الشكر العملى الانتهاء عن النواهى (فخالفنا عن طريق امره) بالذهاب الى خلاف الطريق المودى الى الامر (و ركبنا متون) جمع متن بمعنى الظهر (زجره) ‌اى‌ نهيه، شبه المنهى بالراحله التى لها متن، اذا ركبها الانسان تودى ‌به‌ الى النار.
 (فلم يبتدرنا) ‌اى‌ لم يبادر ‌جل‌ شانه (بعقوبته) فلم يعاقبنا بمجرد صدور المنهيات عنا (و لم يعاجلنا بنقمته) ‌اى‌ لم ينزل نقمته علينا عاجلا سريعا بمجرد ارتكابنا لنهيه (بل تانانا) ‌من‌ التانى بمعنى الصبر ‌و‌ التاخير، تانى ‌فى‌ الامر اذا لم يعجل (برحمته) ‌اى‌ ارجاء عقوبتنا حيث رحمنا ‌و‌ تفضل علينا (تكرما) ‌و‌ كان هذا التانى لمجرد الكرم ‌و‌ الفضل منه (و انتظر مراجعتنا) ‌اى‌ لعلنا نرجع عن العصيان بالاستغفار ‌و‌ التدارك (برافته) ‌اى‌ رحمته- ‌و‌ الرافه ادق معنى ‌من‌ الرحمه- (حلما) ‌اى‌ لسبب حلمه علينا- ‌و‌ ‌لا‌ يخفى ‌ان‌ الرحمه ‌و‌ الرافه ‌و‌ ‌ما‌ اشبههما يراد بها ‌فى‌ الله سبحانه: غاياتها، كما قيل: خذ الغايات ‌و‌ اترك المبادى.
 
(و الحمد لله الذى دلنا) ‌و‌ ارشدنا (على التوبه) فانه سبحانه ‌هو‌ الذى فتح باب التوبه للعاصى ‌و‌ ارشد العصاه على لسان انبيائه (التى لم نفدها الا ‌من‌ فضله) اذ فضله ‌هو‌ الذى سبب ‌ان‌ نستفيد بالتوبه ‌و‌ لو ‌لا‌ فضله لكان العقاب جزاء المعصيه بدون فائده للتوبه ‌فى‌ رفعه (فلو لم نعتدد) ‌من‌ العد بمعنى الحساب ‌اى‌ لو لم نعدد ‌و‌ نذكر ‌فى‌ التعداد (من فضله) سبحانه (الا بها) ‌اى‌ بالتوبه- ‌و‌ انما جى ء «بالباء» «لاشتمال الاعتداد» على معنى «الاتكاء»- ‌اى‌ لو كان فضله خاصا لقبوله التوبه- (لقد حسن بلاوه عندنا) هذا جواب- لو- ‌اى‌ لكان بلاوه ‌و‌ احسانه عندنا شيئا حسنا (و جل) ‌اى‌ كبر (احسانه الينا) هذا عطف على جواب لو (و جسم) ‌اى‌ عظم (فضله علينا) ‌و‌ هذا ايضا عطف على الجواب.
 ثم علل عليه السلام، كون قبوله تعالى فضلا جسيما بقوله  
 
(فما هكذا كانت سنته) ‌و‌ طريقته تعالى (فى) قبول (التوبه لمن كان قبلنا) مثلا لم يقبل سبحانه توبه بنى اسرائيل ‌فى‌ عباده العجل الا بعد ‌ان‌ قتلوا كثيرا ‌من‌ نفوسهم، كما قال تعالى «فاقتلوا انفسكم».
 (لقد وضع) ‌و‌ اسقط (عنا ‌ما‌ ‌لا‌ طاقه لنا به) فلم يشدد علينا كما شدد على اليهود، ‌و‌ يقال- ‌لا‌ طاقه- بمعنى الشده، ‌لا‌ عدم الطاقه مطلقا، فانه اجل ‌من‌ التكليف بما ‌لا‌ يطاق (و لم يكلفنا الا وسعا) ‌اى‌ ‌ما‌ فيه سعه علينا بدون كثير شده (و لم يجشمنا) التجشيم: التكليف الشاق (الا يسرا) ‌اى‌ بل كلفنا يسرا كما قال تعالى: يريد الله بكم اليسر ‌و‌ ‌لا‌ يريد بكم العسر (و لم يدع لاحد منا) معاشر المكلفين (حجه ‌و‌ ‌لا‌ عذرا) لانه سبحانه ابلغنا التكاليف، فاذا تركناها كان الترك بدون حجه ‌او‌ عذر، بل عصيانا محضا.
 
(فالهالك منا) بذنوبه ‌و‌ معاصيه (من هلك عليه) ‌اى‌ على انه اتم الحجه، فالهلاك على هذا النحو لاعلى نحو المفاجات، ‌و‌ بدون قبول التوبه (و السعيد منا ‌من‌ رغب اليه) ‌اى‌ الى الله تعالى، ‌و‌ معنى الرغبه اليه طلب ‌ما‌ عنده، كالراغب ‌فى‌ الشى ء المحبوب.
 
(و الحمد لله بكل ‌ما‌ حمده) ‌اى‌ بمثل كل حمد حمده (ادنى) ‌و‌ اقرب ‌و‌ اشرف (ملائكته اليه) دنوا بالفضيله ‌و‌ الشرف (و اكرم خليقته) ‌اى‌ خلقه (عليه) ‌و‌ ‌هم‌ الانبياء ‌و‌ الاوصياء ‌و‌ الاولياء (و ارضى حامديه لديه) ‌اى‌ الحامد الذى ‌هو‌ تعالى اكثر رضاء منه، بالنسبه الى سائر الحامدين، احمده  
 
(حمدا يفضل سائر الحمد فيكون حمدى افضل ‌من‌ حمد غيرى، ‌لا‌ ‌فى‌ الكم ‌و‌ الكيف، بل ‌فى‌ الاراده القلبيه، ‌و‌ ‌لا‌ ينافى هذا الفقره السابقه، ‌اى‌ بكل حمد لان الفقره الاولى ‌من‌ حيث الكم ‌و‌ هذا ‌من‌ حيث الكيف (كفضل ربنا على جميع خلقه) ‌اى‌ تكون نسبه الافضليه ‌فى‌ البعد، كهذه النسبه.
 
(ثم) للاستيناف (له) تعالى (الحمد مكان كل نعمه له علينا ‌و‌ على جميع عباده) هذا ‌من‌ حيث افراد الحمد حسب النعم، ‌و‌ «بكل ‌ما‌ حمده» ‌من‌ حيث افراد الحامدين، ‌و‌ «حمدا يفضل» ‌من‌ حيث كيفيه الحمد (و الماضين ‌و‌ الباقين) ‌اى‌ السابقين ‌و‌ الحاضرين ‌و‌ المستقبلين اذ كل ‌من‌ الاخيرين داخل ‌فى‌ الباقى (عدد ‌ما‌ احاط ‌به‌ علمه ‌من‌ جميع الاشياء) ‌اى‌ اعد حمده بهذا العدد، فبكل جزئى احاط علم الله به، احمده حمدا عدده «بكل ‌ما‌ حمده» ‌و‌ «مكان كل نعمه» ‌و‌ كيفيته «كفضل ربنا».
 
بيان «ما احاط» (و مكان كل واحده منها) حتى ‌ان‌ الحامد حمد الله سبحانه لكل نعمه انعم بها على سائر البشر، ‌اى‌ ‌فى‌ مقابلها، ‌و‌ هذا غير عددها، فان الانسان قد يقول «احمد الله بعدد هذه القصور» ‌و‌ قد يقول «احمده لمكان هذه القصور» ‌اى‌ لاجل تفضله بهذه القصور على اصحابها (عددها) ‌اى‌ اعد عدد تلك المحامد (اضعافا مضاعفه) فليس لكل عدد حمد ‌و‌ انما لكل عدد اضعاف اضعافه ‌من‌ الحمد (ابدا سرمدا) ‌اى‌ يكون الحمد باقيا (الى يوم القيامه) فلا ينقطع الحمد منى له سبحانه  
 
(حمدا ‌لا‌ منتهى لحده) ‌من‌ جهه الكيفيه ‌و‌ الحسن (و ‌لا‌ حساب لعدده) ‌من‌ جهه الكميه (و ‌لا‌ مبلغ لغايته) ‌من‌ جهه البقاء ‌و‌ الدوام (و ‌لا‌ انقطاع لامده) عباره اخرى عن الجمله السابقه، ‌و‌ قد تقدم ‌ان‌ المراد بمثل هذه المحامد اظهار ‌ما‌ ‌فى‌ النفس ‌من‌ كثره حب المادح له تعالى، حتى ‌لا‌ يتمكن الا بالاشاره الى تلك الكثره ‌و‌ ‌لا‌ يتسنى له البسط لعدم القدره، كما اذا قلت «احبه الف حب» تريد بذلك اظهار مقدار حبك له حتى انه الف مثل حب الناس بعضهم لبعض، فتثير الى ذلك بهذه اللفظه.
 
(حمدا يكون وصله) ‌اى‌ موصلا (الى طاعته) فان الانسان اذا حمده سبحانه ‌و‌ فقه الله تعالى لطاعته (و عفوه) عن سيئاته (و سببا الى
 
 
رضوانه) ‌اى‌ رضاه تعالى ‌من‌ الحامد (و ذريعه) ‌اى‌ وسيله (الى مغفرته) ‌اى‌ غفرانه ‌و‌ ستره لذنوب الحامد (و طريقا الى جنته) فان هذا الحمد يكون سببا لدخول الجنه، فكانه طريق اليها (و خفيرا) ‌اى‌ مجيرا (من نقمته) ‌اى‌ عقابه (و امنا ‌من‌ غضبه) فيامن الحامد ‌من‌ ‌ان‌ يغضب عليه سبحانه (و ظهيرا على طاعته) ‌اى‌ يكون ذلك الحمد معينا للانسان ‌فى‌ طاعه الله تعالى، اذ الحمد يوجب التوفيق (و حاجزا) ‌اى‌ مانعا (عن معصيته) فيحول ذلك الحمد بين الانسان ‌و‌ بين المعاصى بصرف ارادته عن الاتيان بها. (وعونا على تاديه حقه) ‌اى‌ اداء ‌حق‌ الله تعالى، ‌و‌ حقه الاتيان بالواجبات ‌و‌ الترك للمحرمات (و وظائفه) ‌اى‌ تكاليفه التى امر الناس بها.
 
(حمدا نسعد ‌به‌ فى) جمله (السعداء ‌من‌ اوليائه) ‌و‌ احبائه، حتى نكون بسبب ذلك الحمد ‌فى‌ جملتهم (و نصيربه) ‌اى‌ بسبب ذلك الحمد (فى نظم الشهداء) ‌اى‌ ننتظم ‌و‌ نجتمع معهم ‌فى‌ الثواب ‌و‌ الفضيله (بسيوف اعدائه) حتى يكون لنا ‌من‌ الاجر مثل مالهم (انه) تعالى (ولى) ‌اى‌ ناصر للانسان ‌و‌ محب له (حميد) ‌اى‌ محمود ‌فى‌ ولايته ‌و‌ اعماله.
 

0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخرین مطالب

و كان من دعائه علیه السلام فى یوم عرفه
و كان من دعائه علیه السلام فى التذلل لله عز و ...
و كان من دعائه علیه السلام اذا اعترف بالتقصیر عن ...
و كان من دعائه علیه السلام بعد الفراغ من صلوه ...
و كان من دعائه علیه السلام اذا دخل شهر رمضان
و كان من دعائه علیه السلام فى الالحاح على الله ...
و كان من دعائه علیه السلام فى استكشاف الهموم
و كان من دعائه علیه السلام فى التضرع و ...
و كان من دعائه علیه السلام فى الزهد
و كان من دعائه علیه السلام فى دفاع كید الاعداء ...

بیشترین بازدید این مجموعه


 
نظرات کاربر

پر بازدید ترین مطالب سال
پر بازدید ترین مطالب ماه
پر بازدید ترین مطالب روز



گزارش خطا  

^