و كان من دعائه عليه السلام فى الزهد
(اللهم انك خلقتنى سويا) اى: مستوى الخلقه (و ربيتنى صغيرا) اى: فى حال كونى صغيرا (و رزقتنى) فى حال كونى (مكفيا) كفيتنى و لم احتج الى رزق من سواك.
(اللهم انى وجدت فيما انزلت من كتابك) القرآن الحكيم (و بشرت به عبادك) ببشرى حسنه (ان قلت: يا عبادى الذين اسرفوا على انفسهم لا تقنطوا من رحمه الله) الاسراف على النفس، انما هو بفعل المعاصى الموجبه لهلاكتها، و القنوط الياس عن الغفران و الرضوان (ان الله يغفر الذنوب جميعا) مع التوبه، و بلا توبه فيما عدا الشرك و ما يشبهه قال سبحانه: «ان الله لا يغفر ان يشرك به و يغفر ما دون ذلك لمن يشاء» (و قد تقدم
منى) يا رب (ما قد علمت) من انواع الاسائه و العصيان (و ما انت اعلم به منى) فان الانسان لا يعرف كم ما اذنب و لا كيفه بالدقه و التفصيل بخلافه سبحانه.
(فيا سواتا) السوءه كل عمل قبيح يوجب اساءه الانسان و حزنه و «يا» حرف نداء مناداه «القوم» المحذوف، اى: يا قوم انعى اليكم سوئتى، و الف «سواتا» عوض ياء المتكلم المحذوف، او المراد: يا سوئتى احضرى فهذا وقتك، نحو يا للعجب (ما احصاه على كتابك) المراد: الكتاب الذى يكتبه الملكان، و مما احصاه، ما كتبه، من انواع الاثام
(فلو لا المواقف التى اوءمل من عفوك) اى: محلات عفوك عن المذنبين كايام شهر رمضان و ليالى الجمعات، و سائر الاوقات المباركات، و عند الدعاء، و مواقف العفو فى القيامه، و ما اشبه (الذى شمل) ذلك العفو (كل شى ء لا لقيت بيدى) يقال: القى بيده، اذا استسلم و مد يده نحو المحذور ضارعا، و المراد: ياست عن نجاتى، كما يياس الملقى يده الى خصمه بعد ياسه عن قدره انقاذ نفسه (و لو ان احدا استطاع الهرب) و الفرار (من ربه) و خالقه (لكنت انا احق بالهرب منك) لكثره آثامى
و ذنوبى (و انت لا تخفى عليك خافيه فى الارض و لا فى السماء) انما جى ء بالخافيه مونثا، لانها صفه ل«عين» محذوفه، او ل«صفه» محذوفه، اى: عين مخفيه، او صفه مخفيه (الا اتيت بها) اى: جئت بتلك الخافيه للمحاسبه، او المراد اتيانها فى علمك و اطلاعك (و كفى بك) يا رب (جازيا) اى: تجزى على كل عمل (و كفى بك حسيبا) اى: محاسبا لاعمال عبادك، فلا تحتاج فى الجزاء و الحساب الى معاونه احد او شى ء تستعين به من الالات و الادوات.
(اللهم انك طالبى) اى: تطلبنى (ان انا هربت) و فررت، بان بنيت محلا محكما فى جبل و ما اشبه، فرارا عن الموت و لقائك (و مدركى) اى: تدركنى و تصل الى، و المراد وصول ارادته و قضائه تعالى (ان انا فررت) منك، و الفرار كالهرب فى الكيفيه (فها انا ذا بين يديك) اى: فى مقابلك (خاضع ذليل راغم) اى: لاصق بالرغام- و هو التراب- تذللا (ان تعذبنى فانى لذلك) العذاب (اهل) لسوء فعلى (و هو) اى: تعذيبى (يا رب منك عدل) لاستحقاقى العقاب (و ان تعف عنى فقديما) اى: من القدم (شملنى عفوك) حيث اذنبت كثيرا فعفوت عنى و لم
تواخذنى (و البستنى عافيتك) عن العذاب.
(فاسالك اللهم بالمخزون) اى: المحفوظ (من اسمائك) و هو الاسم الاعظم الذى لا يطلع عليه احد، الذى اذا دعى به سبحانه اجاب (و بما وارته) اى: اخفته (الحجب) تشبيها بالحجاب الذى يجعله الملك على بابه لئلا يبذل للاعين فتسقط هيبته (من بهائك) اى: رفعتك، فان ذاته و صفاته تعالى مخفيه للناس (الا رحمت هذه النفس الجزوعه) اى: الكثيره الجزع و الفزع عند وصول المكروه اليها (و هذه الرمه) اى: العظام المندرسه الباليه (الهلوعه) اى: الكثيره الهلع و هو بمعنى الفزع، قالوا و تفسير الهلع فى قوله سبحانه: «ان الانسان خلق هلوعا اذا مسه الخير منوعا و اذا مسه الشر جزوعا» (التى لا تستطيع حر شمسك) و تتاذى به (فكيف تستطيع حر نارك) فى جهنم؟ (و التى لا تستطيع صوت رعدك) لانه يخاف من الصوت اذا اشتد (فكيف يستطيع) استماع (صوت غضبك) فان جهنم تزفر، و الملائكه الغلاظ الشداد يصيحون الى غير ذلك من الاصوات المهوله التى تنشاء من غضبه سبحانه على الكافرين و العصاه.
(فارحمنى اللهم فانى امرء حقير) لا اهميه لى حتى تنتقم منى (و خطرى) اى: امرى (يسير) فلا عظمه لى و لا اهميه (و ليس عذابى مما يزيد فى ملكك مثقال ذره) اى: بقدر ثقل ذره، و هى الهبائه التى ترى فى نور الشمس اذا دخل المحل المظلم من كوه او شبهها (و لو ان عذابى مما يزيد فى ملكك) اى: لو فرض انه كان كذلك (لسالتك) يا رب (الصبر عليه) بان تعطينى الصبر حتى اصبر على عذابك، فيزيدنى ملكك و يرجع النفع اليك (و احببت ان يكون ذلك) التزيد فى الملك (لك) و ان كان بضررى فكنت اقدم نفعك على نفعى (و لكن سلطانك اللهم اعظم) من ان يزيد فيه شى ء (و ملكك ادوم) اى اكثر دواما (من ان تزيد فيه طاعه المطيعين او تنقص منه معصيه المذنبين) حتى تريد اكماله بالطاعه، او عدم المعصيه، او العقاب على الذنب، و اذ كنت لا تحتاج يا رب الى تعذيبى فاعف عنى
(فارحمنى يا ارحم الراحمين و تجاوز عنى) بالعفو و الصفح (يا ذا الجلال و الاكرام) تقدم معنى اللفظين فيما سبق (وتب على)
اى: ارجع الى باحسانك، فان التوبه بمعنى الرجوع (انك انت التواب) اى: الكثير الرجوع الى عبادك المذنبين (الرحيم) بخلقك.