فارسی
يكشنبه 17 تير 1403 - الاحد 29 ذي الحجة 1445
قرآن کریم مفاتیح الجنان نهج البلاغه صحیفه سجادیه

0
نفر 0

الدعاء 2- 2

كاشفه بالعداوه: باداه بها اى: جاهره ‌من‌ الكشف بمعنى الاظهار ‌و‌ (فى)، للتعليل، كاللتين بعدها.


 ‌و‌ الدعاء الى الله: طلب الخلق الى توحيده ‌و‌ الاقبال الى طاعته.
 ‌و‌ حامه الرجل: خاصته ‌و‌ ‌من‌ يقرب منه، ‌و‌ ‌هو‌ الحميم ايضا ‌و‌ منه: الحديث: «انصرف كل رجل ‌من‌ وفد ثقيف الى حامته» قاله ابن الاثير.
 ‌و‌ قال الجوهرى: هولاء حامه الرجل اى: اقرباوه.
 ‌و‌ ‌فى‌ القاموس: هى خاصه الرجل ‌من‌ اهله ‌و‌ ولده.
 ‌و‌ الاسره: بالضم كغرفه، ‌و‌ ‌من‌ ضبطه بالفتح فقد وهم، ‌و‌ ‌هم‌ رهط الرجل الادنون، ‌و‌ اصلها ‌من‌ الاسر ‌و‌ ‌هو‌ الشد، لان الرجل يشتد برهطه ‌و‌ عشيرته ‌و‌ يقوى بهم
 
و قطع رحمه قطعا ‌و‌ قطيعه: هجرها ‌و‌ عقها اى: شق عصى الفتها ‌و‌ ترك برها، ‌و‌ الحنو عليها.
 ‌و‌ الرحم: ككتف ‌و‌ يخفف بسكون الحاء مع فتح الراء ‌و‌ مع كسرها ايضا ‌فى‌ لغه بنى كلاب، ‌و‌ ‌فى‌ لغه لهم: بكسر الحاء اتباعا لكسره الراء، ‌و‌ هى: موضع تكوين الولد ‌و‌ وعاوه ‌فى‌ بطن امه، ثم سميت القرابه رحما لكونهم يرجعون الى رحم واحده.
 ‌و‌ اختلف العلماء: ‌فى‌ تحقيق معناها، فقيل: هى خلاف الاجنبى فتعم القرابه ‌و‌ الوصله ‌من‌ جهه الولاء، ذكره الفيومى ‌فى‌ المصباح.
 ‌و‌ قيل: هى قرابه الرجل ‌من‌ جهه طرفيه آباوه ‌و‌ ‌ان‌ علوا، ‌و‌ ابنائه ‌و‌ ‌ان‌ سفلوا، ‌و‌ ‌ما‌ يتصل بالطرفين ‌من‌ الاعمام ‌و‌ العمات ‌و‌ الاخوه ‌و‌ الاخوات ‌و‌ اولادهم.
 ‌و‌ قيل: الرحم التى تجب صلتها كل رحم بين اثنين لو كان احدهما ذكرا لم يتناكحا، فعلى هذا ‌لا‌ يدخل اولاد الاعمام ‌و‌ اولاد الاخوال.
 ‌و‌ قيل: هى نسبه ‌و‌ اتصال بين المنتسبين تجمعهما رحم واحده.
 قيل: ‌و‌ هذا يشبه ‌ان‌ يكون دوريا ‌و‌ ليس بدورى، لان الرحم الواقعه ‌فى‌ التعريف بمعنى موضع تكوين الولد، فلا دور ‌و‌ هذا معنى قول بعضهم: هى عام ‌فى‌ كل ‌من‌ يجمع بينك ‌و‌ بينه نسب ‌و‌ ‌ان‌ بعد، ‌و‌ ‌هو‌ اقرب الى الصواب.
 ‌و‌ يدل عليه: ‌ما‌ رواه: «على ‌بن‌ ابراهيم ‌فى‌ تفسير قوله تعالى: «فهل عسيتم ‌ان‌ توليتم ‌ان‌ تفسدوا ‌فى‌ الارض ‌و‌ تقطعوا ارحامكم» انها نزلت ‌فى‌ بنى اميه». ‌و‌ يويده روايات اخر.
 ‌و‌ ‌فى‌ هذه الفقرات: اشاره الى ‌ما‌ فعله صلى الله عليه ‌و‌ آله مع قومه ‌و‌ عشيرته،
 
و اسرته، ‌و‌ اقربائه ‌من‌ قريش، ‌و‌ بنى المطلب ‌و‌ بنى هاشم الذين كذبوه ‌و‌ حاربوه ليطفووا نور الله ‌و‌ يابى الله الا ‌ان‌ يتم نوره، فحاربهم ‌و‌ قاتلهم ‌و‌ قتل منهم الجم الغفير ‌فى‌ بدر، ‌و‌ احد، ‌و‌ اسر منهم ‌من‌ اسر، لم تاخذه بهم رافه ‌و‌ ‌لا‌ عطفته عليهم رحم، غضبا لله تعالى، ‌و‌ طلبا لمرضاته، ‌و‌ احياء لدينه، حتى علت كلمته، ‌و‌ ظهر دينه، ‌و‌ لو كره المشركون.
 
اقصاه: ابعده، ‌من‌ قصا الشى ء قصوا ‌من‌ باب قعد: اذا بعد.
 ‌و‌ الادنين ‌و‌ الاقصين، بفتح ‌ما‌ قبل علامه الجمع فيهما: الاقارب ‌و‌ الاباعد، جمع ادنى ‌و‌ اقصى، ‌و‌ اصلهما: الادنيين ‌و‌ الاقصيين، تحركت ياوهما المنقلبتان عن واو ‌فى‌ الاصل، لانهما ‌من‌ الدنو ‌و‌ القصو، ‌و‌ انفتح ‌ما‌ قبلهما فقلبتا الفين، ثم حذفتا لالتقاء الساكنين ‌و‌ بقيت الفتحه قبلهما دليلا عليهما، ‌و‌ هذا الحكم جار ‌فى‌ كل مقصور يجمع هذا الجمع فتحذف الفه دون الفتحه التى قبلها لتدل عليها. ‌و‌ ‌فى‌ التنزيل: «و انتم الاعلون» «و انهم عندنا لمن المصطفين الاخيار».
 ‌و‌ جحده جحدا ‌و‌ جحودا: انكره مع علمه.
 ‌و‌ استجاب له استجابه: اذا دعاه الى شى ء فاطاع.
 ‌و‌ (على) ‌فى‌ الفقرتين: للتعليل اى: لجحودهم، ‌و‌ لاستجابتهم كقوله تعالى: «لتكبروا الله على ‌ما‌ هديكم» اى: لهدايته اياكم.
 ‌و‌ اعلم: ‌ان‌ الجحود على نوعين:
 
احدهما: جحود تشبيه، اذ المشبهون الله سبحانه بخلقه ‌و‌ ‌ان‌ اختلفوا ‌فى‌ كيفيه التشبيه باسرهم جاحدون له ‌فى‌ الحقيقه، ‌و‌ ذلك ‌ان‌ المعنى الذى يتصورونه ‌و‌ يثبتونه الها ليس ‌هو‌ نفس الاله، مع انهم ينفون ‌ما‌ سوى ذلك فكانوا نافين للاله الحق ‌فى‌ المعنى ‌و‌ جاحدين له.
 ‌و‌ الثانى: جحود ‌من‌ لم يثبت صانعا، ‌و‌ كلا الفريقين جاحد له ‌من‌ وجه ‌و‌ مثبت له ‌من‌ وجه اما المشبهون فمثبتون له صريحا، جاحدون له لزوما، ‌و‌ اما الاخرون فبالعكس، اذ كانوا جاحدين له صريحا ‌من‌ الجهه التى يثبته العقلاء بها ‌و‌ مقرون ‌به‌ التزاما ‌و‌ اضطرارا، فان كل احد اذا وقع ‌فى‌ محنه، ‌و‌ اضطر ‌فى‌ ضيق، فزع ‌من‌ دون اختيار الى ربه ‌و‌ تضرع اليه ‌فى‌ النجاه ‌و‌ الخلاص، ‌و‌ اليه الاشاره بقوله تعالى: «و اذا مسكم الضر ‌فى‌ البحر ضل ‌من‌ تدعون الا اياه فلما نجيكم الى البر اعرضتم ‌و‌ كان الانسان كفورا».
 
اقصاه: ابعده، ‌من‌ قصا الشى ء قصوا ‌من‌ باب قعد: اذا بعد.
 ‌و‌ الادنين ‌و‌ الاقصين، بفتح ‌ما‌ قبل علامه الجمع فيهما: الاقارب ‌و‌ الاباعد، جمع ادنى ‌و‌ اقصى، ‌و‌ اصلهما: الادنيين ‌و‌ الاقصيين، تحركت ياوهما المنقلبتان عن واو ‌فى‌ الاصل، لانهما ‌من‌ الدنو ‌و‌ القصو، ‌و‌ انفتح ‌ما‌ قبلهما فقلبتا الفين، ثم حذفتا لالتقاء الساكنين ‌و‌ بقيت الفتحه قبلهما دليلا عليهما، ‌و‌ هذا الحكم جار ‌فى‌ كل مقصور يجمع هذا الجمع فتحذف الفه دون الفتحه التى قبلها لتدل عليها. ‌و‌ ‌فى‌ التنزيل: «و انتم الاعلون» «و انهم عندنا لمن المصطفين الاخيار».
 ‌و‌ جحده جحدا ‌و‌ جحودا: انكره مع علمه.
 ‌و‌ استجاب له استجابه: اذا دعاه الى شى ء فاطاع.
 ‌و‌ (على) ‌فى‌ الفقرتين: للتعليل اى: لجحودهم، ‌و‌ لاستجابتهم كقوله تعالى: «لتكبروا الله على ‌ما‌ هديكم» اى: لهدايته اياكم.
 ‌و‌ اعلم: ‌ان‌ الجحود على نوعين:
 
احدهما: جحود تشبيه، اذ المشبهون الله سبحانه بخلقه ‌و‌ ‌ان‌ اختلفوا ‌فى‌ كيفيه التشبيه باسرهم جاحدون له ‌فى‌ الحقيقه، ‌و‌ ذلك ‌ان‌ المعنى الذى يتصورونه ‌و‌ يثبتونه الها ليس ‌هو‌ نفس الاله، مع انهم ينفون ‌ما‌ سوى ذلك فكانوا نافين للاله الحق ‌فى‌ المعنى ‌و‌ جاحدين له.
 ‌و‌ الثانى: جحود ‌من‌ لم يثبت صانعا، ‌و‌ كلا الفريقين جاحد له ‌من‌ وجه ‌و‌ مثبت له ‌من‌ وجه اما المشبهون فمثبتون له صريحا، جاحدون له لزوما، ‌و‌ اما الاخرون فبالعكس، اذ كانوا جاحدين له صريحا ‌من‌ الجهه التى يثبته العقلاء بها ‌و‌ مقرون ‌به‌ التزاما ‌و‌ اضطرارا، فان كل احد اذا وقع ‌فى‌ محنه، ‌و‌ اضطر ‌فى‌ ضيق، فزع ‌من‌ دون اختيار الى ربه ‌و‌ تضرع اليه ‌فى‌ النجاه ‌و‌ الخلاص، ‌و‌ اليه الاشاره بقوله تعالى: «و اذا مسكم الضر ‌فى‌ البحر ضل ‌من‌ تدعون الا اياه فلما نجيكم الى البر اعرضتم ‌و‌ كان الانسان كفورا».
 
الموالاه: ‌ضد‌ المعاداه ‌و‌ المراد بالابعدين ‌و‌ الاقربين: ‌ما‌ ‌هو‌ اعم ‌من‌ البعد ‌فى‌ النسب ‌و‌ القرب فيه، فيدخل ‌فى‌ الابعدين: الابعد نسبا ‌او‌ سببا، ‌او‌ ولاء ‌او‌ دارا، ‌و‌ ‌فى‌ الاقربين الاقرب كذلك، ‌و‌ كذا الكلام ‌فى‌ الادنين ‌و‌ الاقصين ‌فى‌ الفقرتين الاوليين، ‌و‌ ‌لا‌ حاجه الى تخصيص الاولين بالقرابه ‌و‌ الاخرين بالمكان تفاديا عن التكرار، ‌و‌ التاسيس خير ‌من‌ التاكيد، فان الافعال كافيه ‌فى‌ التاسيس، اذ اختصاص الاقصاء ‌و‌ التقريب بالمكان ظاهر، ‌و‌ ‌لا‌ داعى الى التعميم فيهما حتى يكونا شاملين للموالاه ‌و‌ المعاداه فيلزم التكرار، ‌و‌ شمولهما لهما لزوما ‌لا‌ ينافى التاسيس.
 ‌و‌ قوله: «فيك» (فى) ‌فى‌ كلا الفقرتين للتعليل اى: لاجلك، ‌و‌ فيه اعلام بحبه ‌و‌ بغضه عليه السلام لله تعالى، ‌و‌ هما ‌من‌ اعظم الاعمال، بل هما اوثق عرى الايمان
 
كما روى عن الصادق عليه السلام قال: «قال رسول الله صلى الله عليه ‌و‌ آله لاصحابه: ‌اى‌ عرى الايمان اوثق؟ فقالوا: الله ‌و‌ رسوله اعلم. ‌و‌ قال بعضهم: الصلاه ‌و‌ قال بعضهم: الزكاه، ‌و‌ قال بعضهم: الصيام، ‌و‌ قال بعضهم: الحج ‌و‌ العمره، ‌و‌ قال بعضهم: الجهاد، فقال رسول الله صلى الله عليه ‌و‌ آله: لكل ‌ما‌ قلتم فضل ‌و‌ ليس به، ‌و‌ لكن اوثق عرى الايمان الحب ‌فى‌ الله ‌و‌ البغض ‌فى‌ الله ‌و‌ تولى اولياء الله ‌و‌ التبرء ‌من‌ اعداء الله».
 ‌و‌ عن الصادق عليه السلام ايضا: «قال: ‌من‌ لم يحب على الدين ‌و‌ لم يبغض على الدين فلا دين له» ‌و‌ الاخبار ‌فى‌ هذا المعنى كثيره.
 
الموالاه: ‌ضد‌ المعاداه ‌و‌ المراد بالابعدين ‌و‌ الاقربين: ‌ما‌ ‌هو‌ اعم ‌من‌ البعد ‌فى‌ النسب ‌و‌ القرب فيه، فيدخل ‌فى‌ الابعدين: الابعد نسبا ‌او‌ سببا، ‌او‌ ولاء ‌او‌ دارا، ‌و‌ ‌فى‌ الاقربين الاقرب كذلك، ‌و‌ كذا الكلام ‌فى‌ الادنين ‌و‌ الاقصين ‌فى‌ الفقرتين الاوليين، ‌و‌ ‌لا‌ حاجه الى تخصيص الاولين بالقرابه ‌و‌ الاخرين بالمكان تفاديا عن التكرار، ‌و‌ التاسيس خير ‌من‌ التاكيد، فان الافعال كافيه ‌فى‌ التاسيس، اذ اختصاص الاقصاء ‌و‌ التقريب بالمكان ظاهر، ‌و‌ ‌لا‌ داعى الى التعميم فيهما حتى يكونا شاملين للموالاه ‌و‌ المعاداه فيلزم التكرار، ‌و‌ شمولهما لهما لزوما ‌لا‌ ينافى التاسيس.
 ‌و‌ قوله: «فيك» (فى) ‌فى‌ كلا الفقرتين للتعليل اى: لاجلك، ‌و‌ فيه اعلام بحبه ‌و‌ بغضه عليه السلام لله تعالى، ‌و‌ هما ‌من‌ اعظم الاعمال، بل هما اوثق عرى الايمان
 
كما روى عن الصادق عليه السلام قال: «قال رسول الله صلى الله عليه ‌و‌ آله لاصحابه: ‌اى‌ عرى الايمان اوثق؟ فقالوا: الله ‌و‌ رسوله اعلم. ‌و‌ قال بعضهم: الصلاه ‌و‌ قال بعضهم: الزكاه، ‌و‌ قال بعضهم: الصيام، ‌و‌ قال بعضهم: الحج ‌و‌ العمره، ‌و‌ قال بعضهم: الجهاد، فقال رسول الله صلى الله عليه ‌و‌ آله: لكل ‌ما‌ قلتم فضل ‌و‌ ليس به، ‌و‌ لكن اوثق عرى الايمان الحب ‌فى‌ الله ‌و‌ البغض ‌فى‌ الله ‌و‌ تولى اولياء الله ‌و‌ التبرء ‌من‌ اعداء الله».
 ‌و‌ عن الصادق عليه السلام ايضا: «قال: ‌من‌ لم يحب على الدين ‌و‌ لم يبغض على الدين فلا دين له» ‌و‌ الاخبار ‌فى‌ هذا المعنى كثيره.
 
داب الرجل ‌فى‌ عمله كمنع: اجتهد، ‌و‌ اداب نفسه ‌و‌ اجيره: اجهدهما.
 ‌و‌ التبليغ ‌و‌ الابلاغ: الايصال، ‌و‌ الاسم: البلاغ بالفتح.
 ‌و‌ (فى) للتعليل.
 ‌و‌ الرساله: بالكسر لغه: اسم ‌من‌ الارسال ‌و‌ ‌هو‌ التوجيه، ‌و‌ عرفا: تكليف الله تعالى بعض عباده بواسطه ملك يشاهده ‌و‌ يشافهه ‌ان‌ يدعو الخلق اليه ‌و‌ يبلغهم احكامه، ‌و‌ قد تطلق على نفس الاحكام المرسل بها كما وقع هنا.
 ‌و‌ المله: بالكسر لغه: الطريقه المسلوكه، ‌و‌ اصطلاحا: الطريقه الالهيه المجتمعه عليها المثبته للاحكام المتضمنه لمصالح العباد ‌و‌ عماره البلاد ‌و‌ النجاه ‌فى‌ المعاد، ‌و‌ المله ‌و‌ الشريعه ‌و‌ الدين متحده ذاتا ‌و‌ مختلفه اعتبارا، فان الطريقه الالهيه ‌من‌ حيث انها يجتمع عليها تسمى مله، ‌و‌ ‌من‌ حيث اظهار الله تعالى لها تسمى شريعه، ‌و‌ ‌من‌ حيث
 
انه يطاع بها تسمى دينا، ‌و‌ اجهاد الرسول صلى الله عليه ‌و‌ آله نفسه ‌فى‌ تبليغ الرساله، ‌و‌ اتعابه لها ‌فى‌ الدعاء الى المله ‌من‌ وجوه:
 احدها: مقاساته للمتاعب الكثيره ‌و‌ المكاره الشديده ‌من‌ المشركين ‌فى‌ بدء دعوته حتى قال: «ما اوذى نبى مثل ‌ما‌ اوذيت».
 ‌و‌ قال اميرالمومنين- عليه السلام- مشيرا الى ذلك: «خاض الى رضوان الله تعالى كل غمره، ‌و‌ تجرع فيه كل غصه، ‌و‌ قد تلون له الادنون ‌و‌ تالب عليه الاقصون، ‌و‌ خلعت اليه العرب اعنتها، ‌و‌ ضربت الى محاربته بطون رواحلها، حتى انزلت بساحته عداوتها ‌من‌ ابعد الدار ‌و‌ اسحق المزار».
 الثانى: شده حرصه على رجوع الخلق الى الحق، ‌و‌ مبالغته ‌فى‌ دعوتهم اليه، ‌و‌ كمال الاهتمام بشانهم ‌و‌ كثره تاسفه ‌و‌ تحسره على عدم ايمانهم، حتى خاطبه ربه بقوله تعالى: «لعلك باخع نفسك الا يكونوا مومنين» ‌اى‌ اشفق على نفسك ‌ان‌ تقتلها حسره على ‌ان‌ ‌لا‌ يومنوا. ‌و‌ بقوله تعالى: «فلعلك باخع نفسك على آثارهم ‌ان‌ لم يومنوا بهذا الحديث اسفا» شبهه برجل فارقه اعزته ‌و‌ ‌هو‌ يتلهف على آثارهم، ‌و‌ يهلك نفسه حسره ‌و‌ تاسفا على فراقهم ‌و‌ قال له: «فلا تذهب نفسك عليهم حسرات ‌ان‌ الله عليهم بما يصنعون».
 الثالث: معالجته للامراض النفسانيه، ‌و‌ ازالته للاعراض الظلمانيه ‌من‌ نفوس الجهال ‌و‌ قلوب اهل الزيغ ‌و‌ الضلال، فان النفوس الجاهله ‌و‌ ‌ان‌ كانت ‌فى‌ اول
 
الفطره قابله لنور العلم ‌و‌ ظلمه الجهل، لكنها بمزاوله الاعمال السيئه ‌و‌ الافعال الشهويه ‌و‌ الغضبيه صارت كالبهائم ‌و‌ السباع مظلمه الذوات، ‌و‌ رسخت فيها الجهالات ‌و‌ الاخلاق الحيوانيه ‌و‌ الدواعى السبعيه، فيحتاج معالجتها الى جهد جهيد ‌و‌ عناء شديد حتى يزيل عنها ظلمه الجهل ‌و‌ يجعلها قابله لنور العلم، فيفيض عليها الحقائق العلميه ‌و‌ المعارف اليقينيه، هذا مع تفاوت مراتب الاذهان ‌فى‌ قبول التعليم، ‌و‌ تباين الفطن ‌و‌ الافهام ‌فى‌ الاستعداد للتفهيم، ‌و‌ ‌فى‌ ذلك ‌من‌ التعب ‌و‌ المشقه ‌ما‌ ‌لا‌ خفاء به، الا ترى ‌ان‌ طبيب البدن يشق عليه علاج الامراض الصعبه كحمى الدق ‌و‌ السل، ‌و‌ المرض المزمن ‌ما‌ ‌لا‌ يشق عليه غيرها، خصوصا اذا كثرت عليه المرضى ‌و‌ اختلفت امزجتهم ‌فى‌ قبول الدواء، فان الانبياء عليهم السلام ‌و‌ ‌من‌ يقوم مقامهم اطباء النفوس المبعوثون لعلاج امراضها، كما ‌ان‌ الحكماء اطباء الابدان المخصوصون بمداواتها لغايه بقائها على صلاحها ‌او‌ رجوعها الى العافيه ‌من‌ امراضها. «رئى المسيح عليه السلام خارجا ‌من‌ بيت فاجره مجاهره بالفجور فقيل، ‌يا‌ روح الله ‌ما‌ تصنع هاهنا؟ فقال: انما ياتى الطبيب المرضى».
 الرابع: اشتغاله حال التبليغ ‌و‌ الدعوه بالخلق عن الحق، ‌و‌ الالتفات ‌من‌ المقام الاسنى الى المقام الادنى، فانه- صلى الله عليه ‌و‌ آله- لما كان دائم التوجه الى الملا الاعلى، مستغرقا ‌فى‌ الالتفات اليه، مرتبطا ‌به‌ اشد الارتباط، مقبلا عليه ‌و‌ كان مع ذلك منصوبا لتشريع الشريعه، ‌و‌ تاسيس المله، ‌و‌ ارشاد الخلائق، ‌و‌ افاده الحقائق، لم يكن له ‌بد‌ ‌من‌ النزول عن ذلك المقام العلوى الى هذا العالم السفلى، فكان يجد عند ذلك ‌من‌ الجهد ‌و‌ التعب ‌و‌ المشقه ‌و‌ النصب ‌ما‌ ‌لا‌ مزيد عليه، ‌و‌ ‌من‌ هنا قال صلى الله عليه ‌و‌ آله: «انه ليغان على قلبى ‌و‌ انى لاستغفر الله ‌فى‌ اليوم مائه مره».
 
قوله عليه السلام: «و شغلها بالنصح لاهل دعوتك» الشغل بالضم ‌و‌ بضمتين: خلاف الفراغ، ‌و‌ شغله كمنعه، شغلا بالفتح، ‌و‌ يضم ‌و‌ لاتقل: اشغله اشغالا فانها لغه متروكه ‌او‌ رديه.
 ‌و‌ مما يحكى ‌من‌ ادب الصاحب ‌بن‌ عباد رحمه الله، ‌ان‌ بعض العمال كتب اليه: ‌ان‌ راى مولانا ‌ان‌ يامر باشغالى ببعض اشغاله، فوقع تحت الرقعه: ‌من‌ كتب اشغالى ‌لا‌ يصلح لاشغالى.
 ‌و‌ يقال: اشتغل بامره فهو مشتغل بالبناء للفاعل نص عليه الازهرى ‌و‌ غيره.
 ‌و‌ قال ابن فارس: ‌و‌ ‌لا‌ يكادون يقولون: اشتغل ‌و‌ ‌هو‌ جائز، يعنى بالبناء للفاعل.
 ‌و‌ النصح: بالضم مصدر نصح له ‌من‌ باب منع، هذه اللغه الفصيحه، ‌و‌ عليها قوله تعالى: «ان اردت ‌ان‌ انصح لكم» ‌و‌ ‌فى‌ لغه يتعدى بنفسه فيقال: نصحته، ‌و‌ الاسم: النصيحه، ‌و‌ هى كلمه جامعه، ‌و‌ معناها: حيازه الخير للمنصوح له، ‌من‌ نصحت العسل اذا صفيته ‌من‌ الشمع، شبهوا تخليص القول ‌من‌ الغش بتخليص العسل ‌من‌ الشمع.
 ‌و‌ قال الراغب: اصلها ‌من‌ نصحت الثوب اذا خطته، ‌و‌ هى اخلاص المحبه لغيرك ‌فى‌ اظهار ‌ما‌ فيه صلاحه انتهى.
 ‌و‌ المراد بنصحه- صلى الله عليه ‌و‌ آله- لهم: ارشادهم الى مصالح دينهم ‌و‌ دنياهم، ‌و‌ تعليمهم اياها، ‌و‌ عونهم عليها، ‌و‌ امرهم بالمعروف ‌و‌ نهيهم عن المنكر، ‌و‌ الذب عنهم
 
و عن اعراضهم، ‌و‌ السخاء عليهم بموجوده، ‌و‌ الايثار لهم ‌و‌ حسن الخلق معهم، ‌و‌ اغتفار سيئاتهم ‌و‌ اكرامهم على حسناتهم ‌و‌ الدعاء لهم، ‌و‌ بالجمله جلب خير الدنيا ‌و‌ الاخره اليهم خالصا مخلصا لوجه الله، ‌و‌ ‌من‌ ثم قيل: النصيحه ‌فى‌ ‌و‌ جازه لفظها ‌و‌ جميع معانيها كلفظ الفلاح الجامع لخير الدنيا ‌و‌ الاخره.
 ‌و‌ الدعوه بالفتح: اسم ‌من‌ الدعاء ‌و‌ ‌ما‌ دعوت اليه ‌من‌ طعام ‌و‌ شراب يقال: نحن ‌فى‌ دعوه فلان، ‌و‌ المراد بها هنا: الدعوه التى نسبها الله تعالى الى نفسه ‌فى‌ قوله سبحانه: «له دعوه الحق». عن ابن عباس: «دعوه الحق: قول ‌لا‌ اله الا الله».
 قيل: ‌و‌ انما سميت دعوه لانها التى يدعى اليها اهل الملل الكافره.
 ‌و‌ قيل: الدعوه العباده، فان عبادته تعالى هى الحق ‌و‌ الصدق.
 ‌و‌ قيل: هى بمعنى الدعاء الحق. ‌اى‌ الدعوه الثابته الواقعه ‌فى‌ محلها المجابه عند وقوعها. ‌و‌ اضافتها الى الحق، للايذان بملابستها له ‌و‌ اختصاصها ‌به‌ ‌و‌ كونها بمعزل عن شائبه الباطل، كما يقال: كلمه الحق.
 قال الزجاج: ‌و‌ جائز ‌ان‌ يكون- ‌و‌ الله اعلم- دعوه الحق انه ‌من‌ دعا الله تعالى موحدا استجيب له دعاوه انتهى.
 فالمراد بقوله- عليه السلام- لاهل دعوتك: اما اهل توحيدك، ‌او‌ اهل عبادتك، ‌او‌ اهل دعائك. ‌و‌ يحتمل: ‌ان‌ يكون ‌من‌ قبيل الاضافه الى الفاعل، ‌اى‌ الذين دعوتهم فاجابوا دعوتك ‌و‌ على كل وجه فالمراد بهم: المسلمون كما يقتضيه تشريفهم باضافتهم الى الدعوه المضافه اليه.
 
قال بعضهم: ‌و‌ ‌لا‌ يبعد ‌ان‌ يراد بتبليغ الرساله: مطلق الرساله دون تبيين الاحكام الاصوليه ‌و‌ الفروعيه، ‌و‌ بالدعاء الى المله: تبليغ الاحكام الاصوليه كما يشعر ‌به‌ لفظ المله، ‌و‌ بالنصح لاهل الدعوه: تبليغ الاحكام المفصله الشرعيه الفرعيه كما يشعر ‌به‌ لفظ النصح، هذا كلامه ‌و‌ الله اعلم.
 
داب الرجل ‌فى‌ عمله كمنع: اجتهد، ‌و‌ اداب نفسه ‌و‌ اجيره: اجهدهما.
 ‌و‌ التبليغ ‌و‌ الابلاغ: الايصال، ‌و‌ الاسم: البلاغ بالفتح.
 ‌و‌ (فى) للتعليل.
 ‌و‌ الرساله: بالكسر لغه: اسم ‌من‌ الارسال ‌و‌ ‌هو‌ التوجيه، ‌و‌ عرفا: تكليف الله تعالى بعض عباده بواسطه ملك يشاهده ‌و‌ يشافهه ‌ان‌ يدعو الخلق اليه ‌و‌ يبلغهم احكامه، ‌و‌ قد تطلق على نفس الاحكام المرسل بها كما وقع هنا.
 ‌و‌ المله: بالكسر لغه: الطريقه المسلوكه، ‌و‌ اصطلاحا: الطريقه الالهيه المجتمعه عليها المثبته للاحكام المتضمنه لمصالح العباد ‌و‌ عماره البلاد ‌و‌ النجاه ‌فى‌ المعاد، ‌و‌ المله ‌و‌ الشريعه ‌و‌ الدين متحده ذاتا ‌و‌ مختلفه اعتبارا، فان الطريقه الالهيه ‌من‌ حيث انها يجتمع عليها تسمى مله، ‌و‌ ‌من‌ حيث اظهار الله تعالى لها تسمى شريعه، ‌و‌ ‌من‌ حيث
 
انه يطاع بها تسمى دينا، ‌و‌ اجهاد الرسول صلى الله عليه ‌و‌ آله نفسه ‌فى‌ تبليغ الرساله، ‌و‌ اتعابه لها ‌فى‌ الدعاء الى المله ‌من‌ وجوه:
 احدها: مقاساته للمتاعب الكثيره ‌و‌ المكاره الشديده ‌من‌ المشركين ‌فى‌ بدء دعوته حتى قال: «ما اوذى نبى مثل ‌ما‌ اوذيت».
 ‌و‌ قال اميرالمومنين- عليه السلام- مشيرا الى ذلك: «خاض الى رضوان الله تعالى كل غمره، ‌و‌ تجرع فيه كل غصه، ‌و‌ قد تلون له الادنون ‌و‌ تالب عليه الاقصون، ‌و‌ خلعت اليه العرب اعنتها، ‌و‌ ضربت الى محاربته بطون رواحلها، حتى انزلت بساحته عداوتها ‌من‌ ابعد الدار ‌و‌ اسحق المزار».
 الثانى: شده حرصه على رجوع الخلق الى الحق، ‌و‌ مبالغته ‌فى‌ دعوتهم اليه، ‌و‌ كمال الاهتمام بشانهم ‌و‌ كثره تاسفه ‌و‌ تحسره على عدم ايمانهم، حتى خاطبه ربه بقوله تعالى: «لعلك باخع نفسك الا يكونوا مومنين» ‌اى‌ اشفق على نفسك ‌ان‌ تقتلها حسره على ‌ان‌ ‌لا‌ يومنوا. ‌و‌ بقوله تعالى: «فلعلك باخع نفسك على آثارهم ‌ان‌ لم يومنوا بهذا الحديث اسفا» شبهه برجل فارقه اعزته ‌و‌ ‌هو‌ يتلهف على آثارهم، ‌و‌ يهلك نفسه حسره ‌و‌ تاسفا على فراقهم ‌و‌ قال له: «فلا تذهب نفسك عليهم حسرات ‌ان‌ الله عليهم بما يصنعون».
 الثالث: معالجته للامراض النفسانيه، ‌و‌ ازالته للاعراض الظلمانيه ‌من‌ نفوس الجهال ‌و‌ قلوب اهل الزيغ ‌و‌ الضلال، فان النفوس الجاهله ‌و‌ ‌ان‌ كانت ‌فى‌ اول
 
الفطره قابله لنور العلم ‌و‌ ظلمه الجهل، لكنها بمزاوله الاعمال السيئه ‌و‌ الافعال الشهويه ‌و‌ الغضبيه صارت كالبهائم ‌و‌ السباع مظلمه الذوات، ‌و‌ رسخت فيها الجهالات ‌و‌ الاخلاق الحيوانيه ‌و‌ الدواعى السبعيه، فيحتاج معالجتها الى جهد جهيد ‌و‌ عناء شديد حتى يزيل عنها ظلمه الجهل ‌و‌ يجعلها قابله لنور العلم، فيفيض عليها الحقائق العلميه ‌و‌ المعارف اليقينيه، هذا مع تفاوت مراتب الاذهان ‌فى‌ قبول التعليم، ‌و‌ تباين الفطن ‌و‌ الافهام ‌فى‌ الاستعداد للتفهيم، ‌و‌ ‌فى‌ ذلك ‌من‌ التعب ‌و‌ المشقه ‌ما‌ ‌لا‌ خفاء به، الا ترى ‌ان‌ طبيب البدن يشق عليه علاج الامراض الصعبه كحمى الدق ‌و‌ السل، ‌و‌ المرض المزمن ‌ما‌ ‌لا‌ يشق عليه غيرها، خصوصا اذا كثرت عليه المرضى ‌و‌ اختلفت امزجتهم ‌فى‌ قبول الدواء، فان الانبياء عليهم السلام ‌و‌ ‌من‌ يقوم مقامهم اطباء النفوس المبعوثون لعلاج امراضها، كما ‌ان‌ الحكماء اطباء الابدان المخصوصون بمداواتها لغايه بقائها على صلاحها ‌او‌ رجوعها الى العافيه ‌من‌ امراضها. «رئى المسيح عليه السلام خارجا ‌من‌ بيت فاجره مجاهره بالفجور فقيل، ‌يا‌ روح الله ‌ما‌ تصنع هاهنا؟ فقال: انما ياتى الطبيب المرضى».
 الرابع: اشتغاله حال التبليغ ‌و‌ الدعوه بالخلق عن الحق، ‌و‌ الالتفات ‌من‌ المقام الاسنى الى المقام الادنى، فانه- صلى الله عليه ‌و‌ آله- لما كان دائم التوجه الى الملا الاعلى، مستغرقا ‌فى‌ الالتفات اليه، مرتبطا ‌به‌ اشد الارتباط، مقبلا عليه ‌و‌ كان مع ذلك منصوبا لتشريع الشريعه، ‌و‌ تاسيس المله، ‌و‌ ارشاد الخلائق، ‌و‌ افاده الحقائق، لم يكن له ‌بد‌ ‌من‌ النزول عن ذلك المقام العلوى الى هذا العالم السفلى، فكان يجد عند ذلك ‌من‌ الجهد ‌و‌ التعب ‌و‌ المشقه ‌و‌ النصب ‌ما‌ ‌لا‌ مزيد عليه، ‌و‌ ‌من‌ هنا قال صلى الله عليه ‌و‌ آله: «انه ليغان على قلبى ‌و‌ انى لاستغفر الله ‌فى‌ اليوم مائه مره».
 
قوله عليه السلام: «و شغلها بالنصح لاهل دعوتك» الشغل بالضم ‌و‌ بضمتين: خلاف الفراغ، ‌و‌ شغله كمنعه، شغلا بالفتح، ‌و‌ يضم ‌و‌ لاتقل: اشغله اشغالا فانها لغه متروكه ‌او‌ رديه.
 ‌و‌ مما يحكى ‌من‌ ادب الصاحب ‌بن‌ عباد رحمه الله، ‌ان‌ بعض العمال كتب اليه: ‌ان‌ راى مولانا ‌ان‌ يامر باشغالى ببعض اشغاله، فوقع تحت الرقعه: ‌من‌ كتب اشغالى ‌لا‌ يصلح لاشغالى.
 ‌و‌ يقال: اشتغل بامره فهو مشتغل بالبناء للفاعل نص عليه الازهرى ‌و‌ غيره.
 ‌و‌ قال ابن فارس: ‌و‌ ‌لا‌ يكادون يقولون: اشتغل ‌و‌ ‌هو‌ جائز، يعنى بالبناء للفاعل.
 ‌و‌ النصح: بالضم مصدر نصح له ‌من‌ باب منع، هذه اللغه الفصيحه، ‌و‌ عليها قوله تعالى: «ان اردت ‌ان‌ انصح لكم» ‌و‌ ‌فى‌ لغه يتعدى بنفسه فيقال: نصحته، ‌و‌ الاسم: النصيحه، ‌و‌ هى كلمه جامعه، ‌و‌ معناها: حيازه الخير للمنصوح له، ‌من‌ نصحت العسل اذا صفيته ‌من‌ الشمع، شبهوا تخليص القول ‌من‌ الغش بتخليص العسل ‌من‌ الشمع.
 ‌و‌ قال الراغب: اصلها ‌من‌ نصحت الثوب اذا خطته، ‌و‌ هى اخلاص المحبه لغيرك ‌فى‌ اظهار ‌ما‌ فيه صلاحه انتهى.
 ‌و‌ المراد بنصحه- صلى الله عليه ‌و‌ آله- لهم: ارشادهم الى مصالح دينهم ‌و‌ دنياهم، ‌و‌ تعليمهم اياها، ‌و‌ عونهم عليها، ‌و‌ امرهم بالمعروف ‌و‌ نهيهم عن المنكر، ‌و‌ الذب عنهم
 
و عن اعراضهم، ‌و‌ السخاء عليهم بموجوده، ‌و‌ الايثار لهم ‌و‌ حسن الخلق معهم، ‌و‌ اغتفار سيئاتهم ‌و‌ اكرامهم على حسناتهم ‌و‌ الدعاء لهم، ‌و‌ بالجمله جلب خير الدنيا ‌و‌ الاخره اليهم خالصا مخلصا لوجه الله، ‌و‌ ‌من‌ ثم قيل: النصيحه ‌فى‌ ‌و‌ جازه لفظها ‌و‌ جميع معانيها كلفظ الفلاح الجامع لخير الدنيا ‌و‌ الاخره.
 ‌و‌ الدعوه بالفتح: اسم ‌من‌ الدعاء ‌و‌ ‌ما‌ دعوت اليه ‌من‌ طعام ‌و‌ شراب يقال: نحن ‌فى‌ دعوه فلان، ‌و‌ المراد بها هنا: الدعوه التى نسبها الله تعالى الى نفسه ‌فى‌ قوله سبحانه: «له دعوه الحق». عن ابن عباس: «دعوه الحق: قول ‌لا‌ اله الا الله».
 قيل: ‌و‌ انما سميت دعوه لانها التى يدعى اليها اهل الملل الكافره.
 ‌و‌ قيل: الدعوه العباده، فان عبادته تعالى هى الحق ‌و‌ الصدق.
 ‌و‌ قيل: هى بمعنى الدعاء الحق. ‌اى‌ الدعوه الثابته الواقعه ‌فى‌ محلها المجابه عند وقوعها. ‌و‌ اضافتها الى الحق، للايذان بملابستها له ‌و‌ اختصاصها ‌به‌ ‌و‌ كونها بمعزل عن شائبه الباطل، كما يقال: كلمه الحق.
 قال الزجاج: ‌و‌ جائز ‌ان‌ يكون- ‌و‌ الله اعلم- دعوه الحق انه ‌من‌ دعا الله تعالى موحدا استجيب له دعاوه انتهى.
 فالمراد بقوله- عليه السلام- لاهل دعوتك: اما اهل توحيدك، ‌او‌ اهل عبادتك، ‌او‌ اهل دعائك. ‌و‌ يحتمل: ‌ان‌ يكون ‌من‌ قبيل الاضافه الى الفاعل، ‌اى‌ الذين دعوتهم فاجابوا دعوتك ‌و‌ على كل وجه فالمراد بهم: المسلمون كما يقتضيه تشريفهم باضافتهم الى الدعوه المضافه اليه.
 
قال بعضهم: ‌و‌ ‌لا‌ يبعد ‌ان‌ يراد بتبليغ الرساله: مطلق الرساله دون تبيين الاحكام الاصوليه ‌و‌ الفروعيه، ‌و‌ بالدعاء الى المله: تبليغ الاحكام الاصوليه كما يشعر ‌به‌ لفظ المله، ‌و‌ بالنصح لاهل الدعوه: تبليغ الاحكام المفصله الشرعيه الفرعيه كما يشعر ‌به‌ لفظ النصح، هذا كلامه ‌و‌ الله اعلم.
 
داب الرجل ‌فى‌ عمله كمنع: اجتهد، ‌و‌ اداب نفسه ‌و‌ اجيره: اجهدهما.
 ‌و‌ التبليغ ‌و‌ الابلاغ: الايصال، ‌و‌ الاسم: البلاغ بالفتح.
 ‌و‌ (فى) للتعليل.
 ‌و‌ الرساله: بالكسر لغه: اسم ‌من‌ الارسال ‌و‌ ‌هو‌ التوجيه، ‌و‌ عرفا: تكليف الله تعالى بعض عباده بواسطه ملك يشاهده ‌و‌ يشافهه ‌ان‌ يدعو الخلق اليه ‌و‌ يبلغهم احكامه، ‌و‌ قد تطلق على نفس الاحكام المرسل بها كما وقع هنا.
 ‌و‌ المله: بالكسر لغه: الطريقه المسلوكه، ‌و‌ اصطلاحا: الطريقه الالهيه المجتمعه عليها المثبته للاحكام المتضمنه لمصالح العباد ‌و‌ عماره البلاد ‌و‌ النجاه ‌فى‌ المعاد، ‌و‌ المله ‌و‌ الشريعه ‌و‌ الدين متحده ذاتا ‌و‌ مختلفه اعتبارا، فان الطريقه الالهيه ‌من‌ حيث انها يجتمع عليها تسمى مله، ‌و‌ ‌من‌ حيث اظهار الله تعالى لها تسمى شريعه، ‌و‌ ‌من‌ حيث
 
انه يطاع بها تسمى دينا، ‌و‌ اجهاد الرسول صلى الله عليه ‌و‌ آله نفسه ‌فى‌ تبليغ الرساله، ‌و‌ اتعابه لها ‌فى‌ الدعاء الى المله ‌من‌ وجوه:
 احدها: مقاساته للمتاعب الكثيره ‌و‌ المكاره الشديده ‌من‌ المشركين ‌فى‌ بدء دعوته حتى قال: «ما اوذى نبى مثل ‌ما‌ اوذيت».
 ‌و‌ قال اميرالمومنين- عليه السلام- مشيرا الى ذلك: «خاض الى رضوان الله تعالى كل غمره، ‌و‌ تجرع فيه كل غصه، ‌و‌ قد تلون له الادنون ‌و‌ تالب عليه الاقصون، ‌و‌ خلعت اليه العرب اعنتها، ‌و‌ ضربت الى محاربته بطون رواحلها، حتى انزلت بساحته عداوتها ‌من‌ ابعد الدار ‌و‌ اسحق المزار».
 الثانى: شده حرصه على رجوع الخلق الى الحق، ‌و‌ مبالغته ‌فى‌ دعوتهم اليه، ‌و‌ كمال الاهتمام بشانهم ‌و‌ كثره تاسفه ‌و‌ تحسره على عدم ايمانهم، حتى خاطبه ربه بقوله تعالى: «لعلك باخع نفسك الا يكونوا مومنين» ‌اى‌ اشفق على نفسك ‌ان‌ تقتلها حسره على ‌ان‌ ‌لا‌ يومنوا. ‌و‌ بقوله تعالى: «فلعلك باخع نفسك على آثارهم ‌ان‌ لم يومنوا بهذا الحديث اسفا» شبهه برجل فارقه اعزته ‌و‌ ‌هو‌ يتلهف على آثارهم، ‌و‌ يهلك نفسه حسره ‌و‌ تاسفا على فراقهم ‌و‌ قال له: «فلا تذهب نفسك عليهم حسرات ‌ان‌ الله عليهم بما يصنعون».
 الثالث: معالجته للامراض النفسانيه، ‌و‌ ازالته للاعراض الظلمانيه ‌من‌ نفوس الجهال ‌و‌ قلوب اهل الزيغ ‌و‌ الضلال، فان النفوس الجاهله ‌و‌ ‌ان‌ كانت ‌فى‌ اول
 
الفطره قابله لنور العلم ‌و‌ ظلمه الجهل، لكنها بمزاوله الاعمال السيئه ‌و‌ الافعال الشهويه ‌و‌ الغضبيه صارت كالبهائم ‌و‌ السباع مظلمه الذوات، ‌و‌ رسخت فيها الجهالات ‌و‌ الاخلاق الحيوانيه ‌و‌ الدواعى السبعيه، فيحتاج معالجتها الى جهد جهيد ‌و‌ عناء شديد حتى يزيل عنها ظلمه الجهل ‌و‌ يجعلها قابله لنور العلم، فيفيض عليها الحقائق العلميه ‌و‌ المعارف اليقينيه، هذا مع تفاوت مراتب الاذهان ‌فى‌ قبول التعليم، ‌و‌ تباين الفطن ‌و‌ الافهام ‌فى‌ الاستعداد للتفهيم، ‌و‌ ‌فى‌ ذلك ‌من‌ التعب ‌و‌ المشقه ‌ما‌ ‌لا‌ خفاء به، الا ترى ‌ان‌ طبيب البدن يشق عليه علاج الامراض الصعبه كحمى الدق ‌و‌ السل، ‌و‌ المرض المزمن ‌ما‌ ‌لا‌ يشق عليه غيرها، خصوصا اذا كثرت عليه المرضى ‌و‌ اختلفت امزجتهم ‌فى‌ قبول الدواء، فان الانبياء عليهم السلام ‌و‌ ‌من‌ يقوم مقامهم اطباء النفوس المبعوثون لعلاج امراضها، كما ‌ان‌ الحكماء اطباء الابدان المخصوصون بمداواتها لغايه بقائها على صلاحها ‌او‌ رجوعها الى العافيه ‌من‌ امراضها. «رئى المسيح عليه السلام خارجا ‌من‌ بيت فاجره مجاهره بالفجور فقيل، ‌يا‌ روح الله ‌ما‌ تصنع هاهنا؟ فقال: انما ياتى الطبيب المرضى».
 الرابع: اشتغاله حال التبليغ ‌و‌ الدعوه بالخلق عن الحق، ‌و‌ الالتفات ‌من‌ المقام الاسنى الى المقام الادنى، فانه- صلى الله عليه ‌و‌ آله- لما كان دائم التوجه الى الملا الاعلى، مستغرقا ‌فى‌ الالتفات اليه، مرتبطا ‌به‌ اشد الارتباط، مقبلا عليه ‌و‌ كان مع ذلك منصوبا لتشريع الشريعه، ‌و‌ تاسيس المله، ‌و‌ ارشاد الخلائق، ‌و‌ افاده الحقائق، لم يكن له ‌بد‌ ‌من‌ النزول عن ذلك المقام العلوى الى هذا العالم السفلى، فكان يجد عند ذلك ‌من‌ الجهد ‌و‌ التعب ‌و‌ المشقه ‌و‌ النصب ‌ما‌ ‌لا‌ مزيد عليه، ‌و‌ ‌من‌ هنا قال صلى الله عليه ‌و‌ آله: «انه ليغان على قلبى ‌و‌ انى لاستغفر الله ‌فى‌ اليوم مائه مره».
 
قوله عليه السلام: «و شغلها بالنصح لاهل دعوتك» الشغل بالضم ‌و‌ بضمتين: خلاف الفراغ، ‌و‌ شغله كمنعه، شغلا بالفتح، ‌و‌ يضم ‌و‌ لاتقل: اشغله اشغالا فانها لغه متروكه ‌او‌ رديه.
 ‌و‌ مما يحكى ‌من‌ ادب الصاحب ‌بن‌ عباد رحمه الله، ‌ان‌ بعض العمال كتب اليه: ‌ان‌ راى مولانا ‌ان‌ يامر باشغالى ببعض اشغاله، فوقع تحت الرقعه: ‌من‌ كتب اشغالى ‌لا‌ يصلح لاشغالى.
 ‌و‌ يقال: اشتغل بامره فهو مشتغل بالبناء للفاعل نص عليه الازهرى ‌و‌ غيره.
 ‌و‌ قال ابن فارس: ‌و‌ ‌لا‌ يكادون يقولون: اشتغل ‌و‌ ‌هو‌ جائز، يعنى بالبناء للفاعل.
 ‌و‌ النصح: بالضم مصدر نصح له ‌من‌ باب منع، هذه اللغه الفصيحه، ‌و‌ عليها قوله تعالى: «ان اردت ‌ان‌ انصح لكم» ‌و‌ ‌فى‌ لغه يتعدى بنفسه فيقال: نصحته، ‌و‌ الاسم: النصيحه، ‌و‌ هى كلمه جامعه، ‌و‌ معناها: حيازه الخير للمنصوح له، ‌من‌ نصحت العسل اذا صفيته ‌من‌ الشمع، شبهوا تخليص القول ‌من‌ الغش بتخليص العسل ‌من‌ الشمع.
 ‌و‌ قال الراغب: اصلها ‌من‌ نصحت الثوب اذا خطته، ‌و‌ هى اخلاص المحبه لغيرك ‌فى‌ اظهار ‌ما‌ فيه صلاحه انتهى.
 ‌و‌ المراد بنصحه- صلى الله عليه ‌و‌ آله- لهم: ارشادهم الى مصالح دينهم ‌و‌ دنياهم، ‌و‌ تعليمهم اياها، ‌و‌ عونهم عليها، ‌و‌ امرهم بالمعروف ‌و‌ نهيهم عن المنكر، ‌و‌ الذب عنهم
 
و عن اعراضهم، ‌و‌ السخاء عليهم بموجوده، ‌و‌ الايثار لهم ‌و‌ حسن الخلق معهم، ‌و‌ اغتفار سيئاتهم ‌و‌ اكرامهم على حسناتهم ‌و‌ الدعاء لهم، ‌و‌ بالجمله جلب خير الدنيا ‌و‌ الاخره اليهم خالصا مخلصا لوجه الله، ‌و‌ ‌من‌ ثم قيل: النصيحه ‌فى‌ ‌و‌ جازه لفظها ‌و‌ جميع معانيها كلفظ الفلاح الجامع لخير الدنيا ‌و‌ الاخره.
 ‌و‌ الدعوه بالفتح: اسم ‌من‌ الدعاء ‌و‌ ‌ما‌ دعوت اليه ‌من‌ طعام ‌و‌ شراب يقال: نحن ‌فى‌ دعوه فلان، ‌و‌ المراد بها هنا: الدعوه التى نسبها الله تعالى الى نفسه ‌فى‌ قوله سبحانه: «له دعوه الحق». عن ابن عباس: «دعوه الحق: قول ‌لا‌ اله الا الله».
 قيل: ‌و‌ انما سميت دعوه لانها التى يدعى اليها اهل الملل الكافره.
 ‌و‌ قيل: الدعوه العباده، فان عبادته تعالى هى الحق ‌و‌ الصدق.
 ‌و‌ قيل: هى بمعنى الدعاء الحق. ‌اى‌ الدعوه الثابته الواقعه ‌فى‌ محلها المجابه عند وقوعها. ‌و‌ اضافتها الى الحق، للايذان بملابستها له ‌و‌ اختصاصها ‌به‌ ‌و‌ كونها بمعزل عن شائبه الباطل، كما يقال: كلمه الحق.
 قال الزجاج: ‌و‌ جائز ‌ان‌ يكون- ‌و‌ الله اعلم- دعوه الحق انه ‌من‌ دعا الله تعالى موحدا استجيب له دعاوه انتهى.
 فالمراد بقوله- عليه السلام- لاهل دعوتك: اما اهل توحيدك، ‌او‌ اهل عبادتك، ‌او‌ اهل دعائك. ‌و‌ يحتمل: ‌ان‌ يكون ‌من‌ قبيل الاضافه الى الفاعل، ‌اى‌ الذين دعوتهم فاجابوا دعوتك ‌و‌ على كل وجه فالمراد بهم: المسلمون كما يقتضيه تشريفهم باضافتهم الى الدعوه المضافه اليه.
 
قال بعضهم: ‌و‌ ‌لا‌ يبعد ‌ان‌ يراد بتبليغ الرساله: مطلق الرساله دون تبيين الاحكام الاصوليه ‌و‌ الفروعيه، ‌و‌ بالدعاء الى المله: تبليغ الاحكام الاصوليه كما يشعر ‌به‌ لفظ المله، ‌و‌ بالنصح لاهل الدعوه: تبليغ الاحكام المفصله الشرعيه الفرعيه كما يشعر ‌به‌ لفظ النصح، هذا كلامه ‌و‌ الله اعلم.
 
هاجر مهاجره: اذا خرج ‌من‌ ارض الى ارض، ‌و‌ الاسم: الهجره بالكسر، ‌و‌ الضم قليل.
 قال الواحدى: المهاجر الذى فارق عشيرته ‌و‌ وطنه، ‌و‌ اصله ‌من‌ الهجر الذى ‌هو‌ ‌ضد‌ الوصل.
 ‌و‌ البلاد بالكسر، جمع بلده مونث بلد. ‌و‌ ‌هو‌ ‌من‌ الارض ‌ما‌ كان ماوى للانسان ‌و‌ ‌ان‌ لم يكن فيه بناء، ‌و‌ جمعه: بلدان بالضم.
 ‌و‌ الغربه بالضم: البعد ‌و‌ النوى، غرب الشخص بالضم غرابه كشرف شرافه: بعد عن وطنه فهو غريب فعيل بمعنى فاعل. ‌و‌ غربته انا تغريبا، فتغرب ‌و‌ اغترب ‌و‌ غرب بنفسه ايضا تغريبا، ‌و‌ اغرب بالالف دخل ‌فى‌ الغربه.
 ‌و‌ الناى بالهمز: البعد، ناى نايا، ‌من‌ باب نفع: بعد، ‌و‌ يتعدى بنفسه، ‌و‌ بالحرف ‌و‌ ‌هو‌ الاكثر، فيقال: نايته ‌و‌ نايت عنه، ‌و‌ يتعدى بالهمزه الى ثان، فيقال: انايته عنه، ‌و‌ المراد ببلاد الغربه ‌و‌ محل الناى: مهاجره- صلى الله عليه ‌و‌ آله- ‌و‌ ‌هو‌ المدينه المنوره ‌و‌ جميعه البلاد باعتبار ‌ما‌ حولها ‌من‌ القرى.
 ‌و‌ قوله: عن موطن رحله، متعلق بهاجر، ‌و‌ يحتمل تعلقه بالناى، ‌و‌ الموطن: الوطن، ‌و‌ ‌هو‌ مكان الانسان ‌و‌ مقره، ‌و‌ الرحل بفتح الراء ‌و‌ سكون الحاء المهملتين:
 
مركب للبعير ‌و‌ ‌ما‌ يستصحبه المسافر ‌من‌ الاثاث.
 ‌و‌ رحل الشخص: ماواه ‌و‌ منزله ‌فى‌ الحضر، ‌و‌ منه: «اذا ابتلت النعال فالصلاه ‌فى‌ الرحال».
 ‌و‌ انما قيل لامتعه المسافر (رحل) لانها ماواه ‌فى‌ السفر، ‌و‌ المراد ‌به‌ هنا: اما رحل البعير، ‌او‌ اثاث المسافر، فيكون موطن رحله: كنايه عن مكان اقامته كما يقال: محط رحله ‌و‌ ملقى رحله، ‌و‌ فلان حط رحله ‌و‌ القى رحله: اى: اقام ‌و‌ ‌ان‌ لم يكن له رحل، ‌او‌ ماواه ‌و‌ منزله، ‌اى‌ الموطن الذى فيه ماواه ‌و‌ مسكنه.
 ‌و‌ موضع رجله: كنايه عن منشئه ‌و‌ مرباه، لانه اول موضع وضع فيه رجله حين نشا ‌و‌ اخذ يمشى، كما ‌ان‌ مسقط راسه كنايه عن مولده.
 ‌و‌ المسقط كمقعد ‌و‌ منزل: موضع السقوط، ‌و‌ سقط الولد ‌من‌ بطن امه: خرج.
 ‌و‌ انما اضيف المسقط الى الراس، لان اول ‌ما‌ يسقط ‌من‌ الولد راسه، يقال: هذا البلد مسقط راسى، قال الشاعر:
 خرجنا جميعا ‌من‌ مساقط رووسنا
 على ثقه منا بجود ابن عامر
 ‌و‌ ‌لا‌ ينافى ذلك ‌ما‌ ورد ‌فى‌ بعض الاخبار: «ان ‌من‌ خصائصه صلى الله عليه ‌و‌ آله انه وقع على قدميه حين الولاده ‌لا‌ على راسه تكريما له ‌و‌ تعظيما» لان مسقط راس الرجل صار كنايه عن مولده سواء ولد على راسه ‌او‌ على رجليه بناء على الغالب ... الولاده.
 على ‌ان‌ المشهور: انه عليه السلام وقع على الارض معتمدا على يديه رافعا راسه الى السماء ‌و‌ الله اعلم.
 
و المانس بفتح العين ‌و‌ كسرها: محل الانس بالضم ‌و‌ ‌هو‌ ‌ضد‌ الوحشه، ‌اى‌ المحل الذى كانت تانس ‌به‌ نفسه.
 ‌و‌ المراد بموطن رحله الى آخره: مكه شرفها الله تعالى، ‌و‌ قد كان يعز عليه صلوات الله عليه فراقها ‌و‌ الهجره عنها روى: «انه لما خرج منها مهاجرا التفت اليها فظن انه ‌لا‌ يعود اليها ‌و‌ ‌لا‌ يراها بعد ذلك فادركته رقه ‌و‌ بكى، فاتاه جبرئيل عليه السلام- وتلا عليه قوله تعالى: «ان الذى فرض عليك القرآن لرادك الى معاد».
 ‌و‌ قيل: نزلت عليه حين بلغ الجحفه ‌فى‌ مهاجرته، ‌و‌ قد اشتاق الى مولده ‌و‌ مولد آبائه ‌و‌ حرم ابراهيم عليه السلام، فنزل جبرئيل عليه السلام فقال له: اتشتاق الى مكه؟ قال: نعم، فاوحاها اليه.
 ‌و‌ روى عبدالله ‌بن‌ الحمراء: «انه سمع رسول الله- صلى الله عليه ‌و‌ آله- ‌و‌ ‌هو‌ واقف على راحلته يقول مخاطبا مكه: «و الله انك لخير ارض الله، ‌و‌ احبها الى الله، ‌و‌ لو ‌لا‌ انى اخرجت منك ‌ما‌ خرجت».
 
 تبصره
 
 قيل: ‌فى‌ هذه الفقرات اشاره الى ‌ان‌ مكه- شرفها الله- افضل ‌من‌ سائر البقاع، لانه صلى الله عليه ‌و‌ آله افضل الانبياء، فينبغى ‌ان‌ يكون موطنه ‌و‌ منشاه ‌و‌ مولده ‌و‌ مانسه افضل الاماكن. ‌و‌ قد اختلفت العلماء ‌من‌ العامه ‌فى‌ التفضيل بين مكه ‌و‌ المدينه:
 
فذهب جمهورهم: الى افضليه مكه ‌و‌ بعضهم: الى افضليه المدينه، ‌و‌ لكل ‌من‌ الفريقين حجج عقليه ‌و‌ نقليه يطول ذكرها، ‌و‌ اجمعوا على ‌ان‌ الموضع الذى ضم اعضاءه الشريفه افضل بقاع الارض.
 ‌و‌ المستفاد ‌من‌ احاديث اهل البيت- عليهم السلام-: ‌ان‌ مكه افضل ‌من‌ سائر الارض ‌و‌ ‌ان‌ الصلاه ‌فى‌ المسجد الحرام افضل ‌من‌ الصلاه ‌فى‌ مسجد النبى صلى الله عليه ‌و‌ آله.
 اما كون مكه افضل ‌من‌ سائر الارض فيدل عليه ‌ما‌ رواه: رئيس المحدثين ‌فى‌ الفقيه باسناده عن ابى عبدالله عليه السلام: قال: احب الارض الى الله مكه، ‌و‌ ‌ما‌ تربه احب الى الله ‌من‌ تربتها، ‌و‌ ‌لا‌ حجرا حب الى الله ‌من‌ حجرها، ‌و‌ ‌لا‌ جبل احب الى الله ‌من‌ جبالها، ‌و‌ ‌لا‌ ماء احب الى الله ‌من‌ مائها.
 ‌و‌ اما كون الصلاه ‌فى‌ المسجد الحرام افضل ‌من‌ الصلاه ‌فى‌ مسجد النبى صلى الله عليه ‌و‌ آله فيدل عليه صريحا ‌ما‌ رواه: رئيس المحدثين ايضا ‌فى‌ كتاب ثواب الاعمال باسناده عن مسعد ‌بن‌ صدقه: عن الصادق عليه السلام قال: قال رسول الله- صلى الله عليه ‌و‌ آله-: صلاه ‌فى‌ مسجدى تعدل عند الله عشره آلاف صلاه ‌فى‌ غيره ‌من‌ المساجد الا المسجد الحرام فان الصلاه فيه تعدل مائه الف صلاه. ‌و‌ ‌فى‌ هذا المعنى اخبار اخر.
 ‌و‌ قال شيخنا الشهيد قدس سره ‌فى‌ الدروس: مكه افضل بقاع الارض ‌ما‌ عدا قبر رسول الله صلى الله عليه ‌و‌ آله ‌و‌ روى: «فى كربلا على ساكنيها السلام،
 
مرجحات».
 ‌و‌ الاقرب ‌ان‌ موضع قبور الائمه عليهم السلام كذلك اما البلدان التى ‌هم‌ فيها فمكه افضل منها حتى المدينه.
 ‌و‌ روى صامت عن الصادق عليه السلام: «ان الصلاه ‌فى‌ المسجد الحرام تعدل مائه الف صلاه» ‌و‌ مثله روايه السكونى عنه عن آبائه عنه عليه السلام.
 ‌و‌ اختلفت الروايات ‌فى‌ كراهه المجاوره بها ‌و‌ استحبابها ‌و‌ المشهور الكراهه:
 اما لخوف الملاله ‌و‌ قله الاحترام. ‌و‌ اما لخوف ملابسه الذنوب فان الذنب بها اعظم، قال الصادق- عليه السلام: «كل الظلم فيها الحاد حتى ضرب الخادم» ‌و‌ لذلك كره الفقهاء سكنى مكه. ‌و‌ اما ليدوم شوقه اليها اذا اسرع خروجه منها ‌و‌ لهذا ينبغى الخروج منها عند قضاء المناسك ‌و‌ روى: «ان المقام بها يقسى القلب».
 ‌و‌ الاصح: استحباب المجاوره بها للواثق ‌من‌ نفسه بعدم هذه المحذورات لما رواه : ابن بابويه عن الصادق عليه السلام: «من جاور بمكه سنه غفر الله له ذنبه ‌و‌ لاهل بيته ‌و‌ لكل ‌من‌ استغفر له ‌و‌ لعشيرته ‌و‌ لجيرانه ذنوب تسع سنين قد مضت ‌و‌ عصموا ‌من‌ كل سوء اربعين ‌و‌ مائه سنه».
 
و روى: «ان الطاعم بمكه كالصائم فيما سواها، ‌و‌ صيام يوم بمكه يعدل صيام سنه فيما سواها».
 ‌و‌ ‌من‌ ختم القرآن بمكه ‌من‌ جمعه الى جمعه ‌او‌ اقل ‌او‌ اكثر كتب الله له ‌من‌ الاجر ‌و‌ الحسنات ‌من‌ اول جمعه كانت ‌فى‌ الدنيا الى آخر جمعه تكون ‌و‌ كذا ‌فى‌ سائر الايام.
 ‌و‌ قال بعض الاصحاب: ‌ان‌ جاور للعباده استحب، ‌و‌ ‌ان‌ كان للتجاره ‌و‌ نحوها كره، جمعا بين الروايات.
 ‌و‌ روى محمد ‌بن‌ مسلم عن الباقر عليه السلام: ‌لا‌ ينبغى للرجل ‌ان‌ يقيم بمكه سنه.
 ‌و‌ فيها اشاره الى التعليل بالملل ‌و‌ انه ‌لا‌ يكره اقل ‌من‌ سنه) الى هنا كلام الشهيد طاب ثراه.
 الاراده: هى العزم على الفعل ‌او‌ الترك بعد تصوره ‌و‌ تصور الغايه المترتبه عليه ‌من‌ خير ‌او‌ نفع ‌او‌ لذه ‌او‌ نحو ذلك، ‌و‌ هى: اخص ‌من‌ المشيئه، لان المشيئه ابتداء العزم على الفعل، فنسبتها الى الاراده نسبه الضعف الى القوه، ‌و‌ الظن الى الجزم، فانك ربما شئت شيئا ‌و‌ ‌لا‌ تريده لمانع عقلى ‌او‌ شرعى، ‌و‌ اما الاراده فمتى حصلت صدر الفعل ‌لا‌ محاله، ‌و‌ قد يطلق كل منهما على الاخرى توسعا.
 
و انتصابها على المفعول لاجله اى: هاجر لاجل ارادته اعزاز دينك اى: لتقويته ، ‌من‌ العزه بمعنى الشده ‌و‌ القوه.
 قال ‌فى‌ المحكم: عززت القوم ‌و‌ اعززتهم ‌و‌ عززتهم: قويتهم، ‌و‌ ‌فى‌ التنزيل: «فعززنا بثالث» ‌اى‌ فقوينا ‌و‌ شددنا. انتهى.
 ‌او‌ لاكرام دينك ‌من‌ ‌عز‌ على يعز عزا ‌و‌ عزه ‌و‌ عزازه: كرم، ‌و‌ اعززته: اكرمته.
 ‌و‌ الدين: ‌فى‌ اللغه: الطاعه، ‌و‌ ‌فى‌ العرف الشرعى: ‌هو‌ الشريعه الصادره بواسطه الرسل عليهم السلام، ‌و‌ لما كان اتباع الشريعه طاعه مخصوصه كان ذلك تخصيصا ‌من‌ الشارع للعام باحد مسمياته، ‌و‌ لكثره استعماله صار حقيقه دون سائر المسميات، لانه المتبادر الى الفهم حال اطلاق لفظه الدين.
 ‌و‌ الاستنصار: طلب النصره، استنصره ‌و‌ استنصربه فنصره على عدوه: اعانه ‌و‌ قواه.
 ‌و‌ قوله «بك»: يحتمل تعلقه ‌به‌ ‌و‌ بالكفر، اذ يقال: كفره ‌و‌ كفر به.
 ‌و‌ المراد باهل الكفر: اهل الملل المتفرقه ‌و‌ الاهواء المنتشره الذين كانوا عند مقدمه- صلى الله عليه ‌و‌ آله- كما قال اميرالمومنين صلوات الله عليه: «بعث الله محمدا صلى الله عليه ‌و‌ آله لانجاز عدته، ‌و‌ تمام نبوته، ماخوذا على النبيين ميثاقه، مشهوره سماته، كريما ميلاده، ‌و‌ اهل الارض يومئذ ملل متفرقه، ‌و‌ اهواء منتشره، ‌و‌ طرائق متشته، بين مشبه لله بخلقه، ‌او‌ ملحد ‌فى‌ اسمه، ‌او‌ مشير الى غيره، فهداهم ‌به‌ ‌من‌ الضلاله، ‌و‌ انقذهم بمكانه ‌من‌ الجهاله».
 
قال بعض العلماء: اعلم ‌ان‌ الخلق عند مقدمه صلى الله عليه ‌و‌ آله اما عليه اسم الشرائع، ‌او‌ غيرهم. اما الاولون: فاليهود ‌و‌ النصارى ‌و‌ المجوس، ‌و‌ قد اديانهم اضمحلت ‌من‌ ايديهم ‌و‌ انما بقوا متشبهين باهل الملل، ‌و‌ قد كان الغالب عليهم دين التشبيه ‌و‌ مذهب التجسم، كما حكى القرآن الكريم عنهم: «و قالت اليهود ‌و‌ النصارى نحن ابناء الله ‌و‌ احباوه» «و قالت اليهود عزيز ابن الله ‌و‌ قالت النصارى المسيح ابن الله».
 ‌و‌ المجوس اثبتوا اصلين اسندوا الى احدهما: الخير ‌و‌ الى الثانى: الشر، ‌و‌ سموهما: النور ‌و‌ الظلمه، ‌و‌ بالفارسيه: يزدان ‌و‌ اهرمن، ثم زعموا انه جرت بينهما محاربه، ثم ‌ان‌ الملائكه توسطت ‌و‌ اصلحت بينهما على ‌ان‌ يكون العالم السفلى خالصا لاهرمن الذى ‌هو‌ الظلمه، سبعه آلاف سنه، ثم يخلى العالم ‌و‌ يسلمه الى يزدان الذى ‌هو‌ النور، الى غير ذلك ‌من‌ هذيانهم ‌و‌ خبطهم.
 ‌و‌ اما غيرهم ‌من‌ اهل الاهواء المنتشره ‌و‌ الطرائق المتشته فمنهم: العرب اهل مكه ‌و‌ غيرهم، ‌و‌ قد كانت منهم معطله ‌و‌ منهم محصله نوع تحصيل. اما المعطله، فصنف منهم انكروا الخالق ‌و‌ البعث ‌و‌ الاعاده ‌و‌ قالوا: بالطبع المحيى ‌و‌ الدهر المفنى، ‌و‌ ‌هم‌ الذين حكى القرآن عنهم: «و قالوا ‌ما‌ هى الا حياتنا الدنيا نموت ‌و‌ نحيا ‌و‌ ‌ما‌ يهلكنا الا الدهر» ‌و‌ قصروا الموت ‌و‌ الحياه على تحلل الطبائع المحسوسه ‌و‌ تركبها،
 
فالجامع ‌هو‌ الطبع ‌و‌ المهلك ‌هو‌ الدهر: «و ‌ما‌ لهم بذلك ‌من‌ علم ‌ان‌ ‌هم‌ الا يظنون».
 ‌و‌ صنف منهم: اقروا بالخالق ‌و‌ ابتداء الخلق عنه، ‌و‌ انكروا البعث ‌و‌ الاعاده، ‌و‌ ‌هم‌ المحكى عنهم ‌فى‌ القرآن الكريم: «و ضرب لنا مثلا ‌و‌ نسى خلقه قال ‌من‌ يحيى العظام ‌و‌ هى رميم ‌قل‌ يحيها الذى انشاها اول مره ‌و‌ ‌هو‌ بكل خلق عليم».
 ‌و‌ صنف منهم: اعترفوا بالخالق ‌و‌ نوع ‌من‌ الاعاده، لكنهم عبدوا الاصنام ‌و‌ زعموا انها شفعاوهم عند الله كما قال تعالى: «و يعبدون ‌من‌ دون الله ‌ما‌ ‌لا‌ يضرهم ‌و‌ ‌لا‌ ينفعهم ‌و‌ يقولون هولاء شفعاونا عند الله» ‌و‌ ‌من‌ هولاء: قبيله ثقيف ‌و‌ ‌هم‌ اصحاب اللات بالطائف، ‌و‌ قريش، ‌و‌ بنوكنانه، ‌و‌ غيرهم اصحاب العزى.
 ‌و‌ منهم: ‌من‌ كان يجعل الاصنام على صور الملائكه ‌و‌ يتوجه بها الى الملائكه.
 ‌و‌ منهم: ‌من‌ كان يعبد الملائكه كما قال تعالى: «بل كانوا يعبدون الجن».
 ‌و‌ اما المحصله: فقد كانوا ‌فى‌ الجاهليه على ثلاثه انواع ‌من‌ العلوم:
 احدها: علم الانساب ‌و‌ التواريخ ‌و‌ الاديان.
 ‌و‌ الثانى: علم تعبير الرويا.
 ‌و‌ الثالث: علم الانواء، ‌و‌ ذلك مما يتولاه الكهنه ‌و‌ القافه منهم.
 ‌و‌ عن النبى- صلى الله عليه ‌و‌ آله: «من قال: مطرنا بنوء كذا فقد كفر بما انزل على محمد».
 
و ‌من‌ غير العرب: البراهمه ‌من‌ اهل الهند، ‌و‌ مدار مقالتهم على التحسين ‌و‌ التقبيح العقليين، ‌و‌ الرجوع ‌فى‌ كل الاحكام الى العقل ‌و‌ انكار الشرائع، ‌و‌ انتسابهم الى رجل منهم يقال له: براهام.
 ‌و‌ منهم: اصحاب البدده ‌و‌ البدده عندهم شخص ‌فى‌ هذا العالم لم يولد ‌و‌ ‌لا‌ ينكح ‌و‌ ‌لا‌ يطعم ‌و‌ ‌لا‌ يشرب ‌و‌ ‌لا‌ يهرم ‌و‌ ‌لا‌ يموت.
 ‌و‌ منهم: اهل الفكره، ‌و‌ ‌هم‌ اهل العلم منهم بالفلك ‌و‌ احكام النجوم.
 ‌و‌ منهم: اصحاب الروحانيات الذين اثبتوا وسائط روحانيه تاتيهم بالرساله ‌من‌ عند الله ‌فى‌ صوره البشر ‌من‌ غير كتاب فتامرهم ‌و‌ تنهاهم.
 ‌و‌ منهم: عبده الكواكب.
 ‌و‌ منهم: عبده الشمس.
 ‌و‌ منهم: عبده القمر، ‌و‌ هولاء يرجعون بالاخره الى عباده الاصنام، اذ ‌لا‌ تستمر لهم طريقه الا بشخص حاضر ينظرون اليه ‌و‌ يرجعون اليه ‌فى‌ مهماتهم، ‌و‌ لهذا كان اصحاب الروحانيات ‌و‌ الكواكب يتخذون اصناما على صورها، فكان الاصل ‌فى‌ وضع الاصنام ذلك، اذ يبعد ممن له ادنى فطنه ‌ان‌ يعمل خشبا ‌او‌ حجرا بيده ثم يتخذه الها، الا ‌ان‌ الخلق لما عكفوا عليها ‌و‌ ربطوا حوائجهم بها ‌من‌ غير اذن شرعى ‌و‌ برهان ‌من‌ الله تعالى كان عكوفهم عليها ‌و‌ عبادتهم لها اثباتا لالهيتها، ‌و‌ وراء ذلك ‌من‌ اصناف الاراء الباطله ‌و‌ المذاهب الفاسده اكثر ‌من‌ ‌ان‌ تحصى ‌و‌ هى مذكوره ‌فى‌ الكتب المصنفه ‌فى‌ هذا الفن، ‌و‌ يدخل اربابها جميعهم تحت اهل الكفر.
 
قال ابن الاثير ‌فى‌ النهايه ‌فى‌ حديث الدعاء: حتى استتب له ‌ما‌ حاول ‌فى‌ اعدائك اى: استقام ‌و‌ استمر.
 ‌و‌ قال الجوهرى: استتب له الامر اى: تهيا ‌و‌ استقام.
 ‌و‌ قال الزمخشرى ‌فى‌ الاساس: استتب له الامر اى: استقام ‌و‌ تم، ‌و‌ يجوز ‌ان‌ يقال للاستقامه ‌و‌ التمام: الاستنباب، ‌اى‌ طلب التباب لان التباب يتبع التمام انتهى.
 
يريد بالتباب: النقص ‌و‌ الهلاك لان الشى ء اذا تم نقص ‌و‌ خلص، فكانه هلك.
 ‌و‌ حاول الشى ء: اراده. ‌و‌ قيل: المحاوله: طلب الشى ء بحيله. ‌و‌ استتم اى: تم كقر ‌و‌ استقر.
 قال الرضى: ‌و‌ لابد ‌فى‌ استقر ‌من‌ مبالغه.
 
و دبر الامر تدبيرا: فعله عن فكر ‌و‌ رويه، ماخوذ ‌من‌ الدبر كانه نظر ‌فى‌ دبره ‌اى‌ ‌فى‌ عاقبته ‌و‌ آخرته. ‌و‌ مفعولا حاول ‌و‌ دبر محذوفان اى: ‌ما‌ حاوله ‌و‌ دبره، ‌و‌ المراد بما حاوله ‌فى‌ الاعداء غلبته عليهم ‌و‌ القهر لهم، ‌و‌ بما دبر ‌فى‌ الاولياء صدق رغبتهم ‌فى‌ الجهاد ‌و‌ اجتماع قلوبهم عليه لما عرفهم ‌من‌ عظيم فضله ‌و‌ جزيل اجره فعلم حينئذ انهم سيغلبون ‌و‌ ينتصرون كما يدل على ذلك قوله عليه السلام.
 
نهد الى العدو نهدا ‌من‌ بابى نفع ‌و‌ قتل: نهض ‌و‌ برز، ‌و‌ الفاعل: ناهد، ‌و‌ الجمع: نهاد مثل: كافر ‌و‌ كفار، ‌و‌ ناهدته مناهده: ناهضته، ‌و‌ تناهدوا ‌فى‌ الحرب: نهض بعضهم الى بعض للمحاربه.
 ‌و‌ مستفتحا: ‌اى‌ مستنصرا ‌و‌ طالبا للفتح، فالباء: للاستعانه يقال: فتح الله على نبيه، اى: نصره، ‌و‌ ‌هو‌ يستفتح الله للمسلمين على الكفار. ‌و‌ يحتمل ‌ان‌ يكون بمعنى مفتتحا ‌و‌ الباء للملابسه، اى: مفتتحا للجهاد حال كونه ملتبسا بعونك، ‌او‌ للسببيه اى: بسبب عونك له.
 ‌و‌ متقويا: اسم فاعل ‌من‌ تقوى، اى: صار ذا قوه.
 ‌و‌ (على): بمعنى مع، اى: مع ضعفه، مثلها ‌فى‌ قوله تعالى: «و آتى المال على حبه».
 ‌و‌ الضعف بالفتح ‌و‌ الضم: خلاف القوه. ‌و‌ قيل: ‌هو‌ بالضم ‌فى‌ الجسد ‌و‌ بالفتح ‌فى‌ العقل ‌و‌ الراى.
 ‌و‌ يروى عن ابن عمر انه قال: «قرات على النبى صلى الله عليه ‌و‌ آله: «الذى خلقكم ‌من‌ ضعف» بالفتح، فاقرانى «من ضعف» بالضم.
 ‌و‌ الضعف محركه: لغه ‌فى‌ الضعف حكاها ابن الاعرابى.
 ‌و‌ النصر: الاعانه على العدو، ‌و‌ فيه اشاره الى ‌ان‌ استفتاحه عليه السلام ‌و‌ تقويه على الكفار انما كان بعون الله ‌و‌ نصره، ‌لا‌ بالاسباب الظاهره ‌و‌ التدبير الذى دبره، كما قد يتوهم ‌من‌ الفقره السابقه، فانها بمعزل عن التاثير، ‌و‌ انما التاثير مختص ‌به‌ تعالى كما قال تعالى: «و ‌ما‌ النصر الا ‌من‌ عند الله» اى: كائن ‌من‌ عنده ‌من‌ غير
 
ان يكون فيه شركه ‌من‌ جهه الاسباب ‌و‌ العدد ‌و‌ انما هى مطابقه له بطريق جريان السنه الالهيه.
 
غزاه غزوا: اراده ‌و‌ قصده كاغتزاه، ‌و‌ منه: مغزى الكلام اى: مقصده. ‌و‌ غزا العدو: سار الى قتالهم ‌و‌ انتها بهم غزوا ‌و‌ غزوانا ‌و‌ غزاوه. ‌و‌ قيل: انما يكون غزو العدو ‌فى‌ بلاده.
 ‌و‌ عقر الدار بضم العين ‌و‌ فتحها: اصلها، ‌و‌ قيل: وسطها، قاله ‌فى‌ المحكم.
 ‌و‌ قال الازهرى: قال ابوعبيد: سمعت الاصمعى يقول: عقر الدار بالضم ‌فى‌ لغه اهل الحجاز، فاما اهل نجد فيقولون: عقر بالفتح، ‌و‌ منه قيل: العقار- بالفتح- ‌و‌ ‌هو‌ المنزل ‌و‌ الارض ‌و‌ الضياع.
 ‌و‌ قال بعضهم: عقر الدار: اصلها ‌فى‌ لغه الحجاز، ‌و‌ تضم العين ‌و‌ تفتح عندهم، ‌و‌ عقرها معظمها ‌فى‌ لغه غيرهم ‌و‌ تضم ‌لا‌ غير.
 ‌و‌ قال الزجاج: عقر دار القوم: اصل مقامهم الذى عليه معولهم ‌و‌ اذا انتقلوا منه لنجعه رجعوا اليه.
 ‌و‌ الديار: جمع دار ‌و‌ هى: المحل بجميع البناء ‌و‌ العرصه ‌و‌ البلد.
 قال الجوهرى: الدار مونثه ‌و‌ انما قال تعالى: «و لنعم دار المتقين» ‌و‌ ذكر على معنى المثوى كما قال تعالى: «نعم الثواب ‌و‌ حسنت مرتفقا» فانث على المعنى
 
و ادنى العدد ادور، ‌و‌ الهمزه فيه مبدله ‌من‌ واو مضمومه ‌و‌ لك ‌ان‌ ‌لا‌ تهمز ‌و‌ الكثير ديار مثل جبل ‌و‌ اجبل ‌و‌ جبال ‌و‌ دور ايضا مثل اسد ‌و‌ اسد انتهى.
 
و هجم عليه هجوما ‌من‌ باب قعد: دخل بغته على غفله منه.
 ‌و‌ بحبوحه الدار ‌و‌ المكان بالضم: وسطه، ‌و‌ بحبح ‌و‌ تبحبح: اذا تمكن ‌و‌ توسط المنزل ‌و‌ المقام.
 ‌و‌ القرار بالفتح: المكان الذى يستقر فيه ‌و‌ هذا ‌من‌ جمله ‌ما‌ حاوله عليه الصلاه ‌و‌ السلام ‌فى‌ اعداء الله ‌و‌ دبره ‌فى‌ اوليائه اذ غزا الكفار ‌فى‌ عقر ديارهم ‌و‌ بحبوحه قرارهم ليكون اعظم ‌فى‌ ذلهم ‌و‌ اشد ‌فى‌ ‌هو‌ انهم كما قال اميرالمومنين عليه السلام: «فو الله ‌ما‌ غزى قوم ‌فى‌ عقر دارهم الا ذلوا».
 قيل: ‌و‌ عله ذلك ‌ان‌ للاوهام افعالا عجيبه ‌فى‌ الابدان تاره بزياده القوه ‌و‌ تاره بنقصانها حتى ‌ان‌ الوهم ربما كان سببا لمرض الصحيح لتوهمه المرض ‌و‌ بالعكس فكان السبب ‌فى‌ ذل ‌من‌ غزى ‌فى‌ داره ‌و‌ ‌ان‌ كان معروفا بالشجاعه ‌هو‌ الاوهام اما اوهامهم، فلانها تحكم بانه لم يقدم على غزوهم ‌فى‌ مكانهم الا لقوه غازيهم ‌و‌ اعتقاده فيهم الضعف بالنسبه اليه فتنفعل اذن نفوسهم عن تلك الاوهام ‌و‌ تنقهر عن المقاومه ‌و‌ تضعف عن الانبعاث ‌و‌ تزول غيرتها ‌و‌ حميتها فتحصل على طرف رذيله الذل ‌و‌ اما اوهام غيرهم فلان الغزو الذى يلحقهم يكون باعثا لكثير ‌من‌ الاوهام على الحكم بضعفهم ‌و‌ محركا لطمع كل طامع فيهم فيثير ذلك لهم احكاما ‌و‌ هميه تعجزهم عن المقاومه فتكون سببا للانتصار عليهم ‌و‌ القهر لهم ‌و‌ الايقاع بهم اما الذين غزاهم صلى الله عليه ‌و‌ آله ‌فى‌ عقر ديارهم فقبائل كثيره:
 
منهم: بنوقينقاع بفتح القاف ‌و‌ سكون الياء المثناه ‌من‌ تحت ‌و‌ تثليث النون ‌و‌ الضم اشهر ثم قاف مفتوحه ‌و‌ بعد الالف عين مهمله ‌و‌ هم: حى ‌من‌ اليهود منازلهم عند جسر بطحان ممايلى العاليه حاصرهم عليه السلام ‌فى‌ حصنهم حتى نزلوا على حكمه فربطهم ثم اجلاهم
 ‌و‌ غطفان غزاهم بنجد فلما سمعوا بمهبطه عليه السلام هربوا ‌فى‌ رووس الجبال.
 ‌و‌ بنوالنضير قبيله كبيره ‌من‌ اليهود ‌و‌ كانوا اهل حصون ‌و‌ عقار ‌و‌ نخل كثير غزاهم صلى الله عليه ‌و‌ آله ‌فى‌ اماكنهم ‌و‌ حاصرهم ‌فى‌ حصونهم خمسه عشر يوما فجهدهم الحصار فارسلوا اليه عليه السلام انا نخرج ‌من‌ بلادك فامرهم بالخروج فخرجوا ‌و‌ انمار ‌و‌ ثعلبه ‌و‌ غيرهم جمعوا جموعا لقصد المسلمين فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه ‌و‌ آله فمضى اليهم حتى اتى محالهم بذات الرقاع فهربوا الى رووس الجبال فلم يجد المسلمون الا نسوه فاخذوهن.
 ‌و‌ اهل دومه الجندل: قال سعد: غزاها النبى صلى الله عليه ‌و‌ آله ‌و‌ نزل بساحه اهلها فلم يجدوا الا الانعام ‌و‌ لشياه فهجم على ‌ما‌ شيتهم ‌و‌ رعاتهم فاصاب ‌من‌ اصاب ‌و‌ هرب ‌فى‌ كل وجه ‌من‌ هرب.
 ‌و‌ بنوالمصطلق: ‌و‌ ‌هم‌ بطن ‌من‌ خزاعه غزاهم ‌فى‌ قرارهم، ‌و‌ ‌هو‌ ماء لهم يسمى المريسيع بالتصغير ‌و‌ العين المهمله ‌فى‌ آخره فهجم عليهم ‌و‌ اغاروهم غارون ‌و‌ انعامهم تسقى على الماء فقاتل مقاتلتهم ‌و‌ سبى ذراريهم ‌و‌ ‌هم‌ على الماء.
 ‌و‌ بنوقريظه: ‌و‌ ‌هم‌ احدى قبائل اليهود غزاهم صلى الله عليه ‌و‌ آله ‌فى‌ اماكنهم ‌و‌ حاصرهم ‌فى‌ حصنهم خمسا ‌و‌ عشرين ليله حتى جهدهم الحصار فنزلوا على ‌ان‌ يحكم
 
فيهم سعد ‌بن‌ معاذ بحكمه فحكم فيهم بقتل الرجال ‌و‌ غنم الاموال ‌و‌ سبى الذرارى ‌و‌ النساء فقال له رسول الله صلى الله عليه ‌و‌ آله: لقد حكمت فيهم بحكم الله ‌من‌ فوق سبع ارقعه فجاء بهم الى المدينه مقرنين ‌فى‌ الاصفاد، ‌و‌ ‌هم‌ ثمانمائه رجل ‌او‌ اكثر ثم ضرب اعناقهم.
 ‌و‌ بنوالحيان: غزاهم ‌فى‌ منازلهم فهربوا ‌و‌ تمنعوا بشعف الجبال.
 ‌و‌ يهود خيبر: غزاهم ‌فى‌ ديارهم ‌و‌ حاصرهم ‌فى‌ حصونهم حتى انزلهم ‌من‌ صياصيهم ‌و‌ كان قدم عليهم ليلا فلم يشعروا بقدومه فلما اصبحوا فتحوا حصونهم ‌و‌ خرجوا بمساحيهم ‌و‌ مكاتلهم الى اعمالهم فلما راوه قالوا: هذا ‌و‌ الله محمد ‌و‌ الخميس معه فولوا هاربين الى حصونهم ‌و‌ جعل صلى الله عليه ‌و‌ آله يقول: الله اكبر خربت خيبر فاذا نزلنا بساحه قوم فساء صباح المنذرين، ثم حاصرهم حتى فتح الله عليه جميع حصونهم ‌و‌ هى عشره.
 ‌و‌ يهود وادى القرى غزاهم ‌و‌ حاصرهم ليالى ‌و‌ فتح الوادى ‌و‌ اصاب المسلمون ‌به‌ اموالا كثيره ‌و‌ امتعه ‌و‌ ميره.
 ‌و‌ قريش: غزاهم بمكه ‌و‌ فتحها فكان الفتح المبين ‌و‌ النصر العزيز.
 ‌و‌ هوازن: غزاهم بحنين.
 ‌و‌ ثقيف: غزاهم بالطائف. هولاء الذين غزاهم صلى الله عليه ‌و‌ آله بنفسه ‌فى‌ عقر ديارهم ‌و‌ هجم عليهم ‌فى‌ بحبوحه قرارهم سوى غزواته الاخر ‌و‌ سوى سراياه، ‌و‌ كان جميع غزواته بنفسه الشريفه: ستا ‌و‌ عشرين غزوه ‌و‌ جميع سراياه: ستا ‌و‌ ثلاثين سريه ‌و‌ تفصيل ذلك تتكفل ‌به‌ كتب السير ‌و‌ الله اعلم.
 
ظهر الشى ء يظهر ‌من‌ باب منع، ظهورا: تبين ‌و‌ برز بعد الخفاء ‌و‌ ظهر عليه: غلب ‌و‌ علا ‌و‌ اظهره الله.
 ‌و‌ امر الله تعالى هنا: دينه ‌و‌ شريعته كما فسر ‌به‌ قوله تعالى: «و ظهر امر الله ‌و‌ ‌هم‌ كارهون» ‌اى‌ غلب دينه ‌و‌ علا.
 ‌و‌ العلو: الارتفاع ‌و‌ الغلبه ‌و‌ القهر اى: ارتفعت كلمتك ‌او‌ غلبت ‌و‌ قهرت ‌من‌ قولهم علا فلان فلانا: اذا غلبه ‌و‌ قهره.
 ‌و‌ كلمته تعالى، قيل: كلمه التوحيد.
 ‌و‌ قيل: الدعوه الى الاسلام قال تعالى: «و جعل كلمه الذين كفروا السفلى ‌و‌ كلمه الله هى العليا».
 قال المفسرون: كلمه الذين كفروا هى دعوتهم الى الكفر ‌و‌ عباده الاصنام.
 ‌و‌ السفلى: الدنيه التى ‌لا‌ يبالى بها، ‌و‌ كلمه الله: هى دعوته الى الاسلام ‌او‌ كلمه التوحيد ‌لا‌ اله الا الله، ‌و‌ العليا العاليه الى يوم القيامه.
 قوله عليه السلام: «و لو كره المشركون» جواب (لو) محذوف لدلاله ‌ما‌ قبله عليه ‌و‌ الجمله معطوفه على جمله قبلها مقدره، ‌و‌ كلتاهما ‌فى‌ موضع الحال ‌اى‌ ظهر امرك ‌و‌ علت كلمتك لو لم يكره المشركون ذلك، ‌و‌ لو كرهوه ‌اى‌ على كل حال مفروض ‌و‌ قد حذفت الجمله ‌فى‌ الباب حذفا مطردا لدلاله الثانيه عليها دلاله واضحه لان الشى ء اذا تحقق عند المانع فلئن يتحقق عند عدمه اولى، ‌و‌ على هذا السر يدور ‌ما‌ ‌فى‌ (ان) ‌و‌ (لو) الوصليتين ‌من‌ التاكيد، ‌و‌ قد مر زياده تحقيق لهذا على ‌ان‌ ‌فى‌ صدر الدعاء.
 ‌و‌ المشركون: ‌هم‌ الذين اشركوا بالله تعالى فجعلوا له شركاء ‌فى‌ العباده.
 
قال العلماء: ‌و‌ ليس احد ‌فى‌ العالم يثبت لله سبحانه شريكا ‌فى‌ الوجوب ‌و‌ العلم ‌و‌ القدره ‌و‌ لكن الثنويه يثبتون الهين اثنين حكيما يفعل الخير ‌و‌ سفيها يفعل الشر اما المتخذون معبودا سوى الله تعالى فكثيرون منهم: عبده الكواكب ‌و‌ هم: الصابئه، ‌و‌ منهم: عبده المسيح. ‌و‌ منهم: عبده الاوثان ‌و‌ ‌لا‌ دين باطل اقدم ‌من‌ دينهم، لان اقدم الانبياء الذين نقل الينا تاريخهم ‌هو‌ نوح عليه السلام ‌و‌ ‌هو‌ لما جاء بالرد عليهم «و قالوا ‌لا‌ تذرن الهتكم ‌و‌ ‌لا‌ تذرن ودا ‌و‌ ‌لا‌ سواعا ‌و‌ ‌لا‌ يغوث ‌و‌ يعوق ‌و‌ نسرا» ‌و‌ دينهم باق الى الان ‌و‌ عبادتهم لها ‌فى‌ مبدء الامر لم تكن لاعتقادهم فيها انها آلهه اذ العلم بان هذا الحجر المنحوت ‌فى‌ هذه الساعه ليس ‌هو‌ الذى خلقنى ‌و‌ خلق السماوات ‌و‌ الارض علم ضرورى فيمتنع اطباق جمع عظيم عليه فوجب ‌ان‌ يكون لهم غرض آخر سوى ذلك ‌و‌ قد ذكروا فيه وجوها:
 احدها: ‌ان‌ بعضهم كاهل الصين ‌و‌ الهند كانوا مجسمه فاتخذوها اشباها لله تعالى ‌و‌ ملائكته ‌و‌ اعتكفوا على عبادتها لقصد طلب الزلفى الى الله ‌و‌ ملائكته.
 الثانى: انهم اتخذوها اصناما للكواكب ‌و‌ قصدوا بعبادتها عباده الكواكب ‌و‌ ‌هم‌ بالحقيقه عبده الكواكب.
 الثالث: ‌ان‌ اصحاب الاحكام اتخذوها طلاسم ‌فى‌ اوقات مخصوصه ‌و‌ عظموها لاعتقادهم الانتفاع بها.
 الرابع: انهم اتخذوها على صور رجال كانوا يعتقدون فيهم اجابه الدعوه ‌و‌ قبول الشفاعه فعبدوها على اعتقاد ‌ان‌ اولئك الرجال يكونون شفعاء لهم يوم القيامه عند الله ‌و‌ قالوا هولاء شفعائنا عند الله.
 الخامس: لعلهم اتخذوها قبله لصلاتهم ‌و‌ عبادتهم يسجدون اليها ‌لا‌ لها كما انا
 
نسجد الى القبله ‌لا‌ للقبله.
 السادس: لعلهم كانوا حلوليه فاعتقدوا جواز حلول الرب فيها.
 فهذه الوجوه هى التى يمكن حمل مذهبهم عليها حتى ‌لا‌ يصير بحيث يعلم بطلانه بالضروره ثم لما تطاول الامد ‌و‌ نسى مبدء الامر ظن جهال القوم انها آلهه لهم يجب عبادتها فعبدوها ‌و‌ سموها آلهه ‌و‌ اشبهت حال ‌من‌ يعتقد انها آلهه مساويه لله تعالى ‌فى‌ ذاته ‌و‌ صفاته تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا فسموا مشركين ‌و‌ سمى الله آلهتهم اندادا تهكما بهم ‌و‌ تشنيعا عليهم فقال: «فلا تجعلوا لله اندادا ‌و‌ انتم تعلمون».
 
الفاء: فصيحه، ‌اى‌ اذا كان كذلك فارفعه.
 ‌و‌ الباء: للسببيه، ‌و‌ «ما»، مصدريه: ‌اى‌ بسبب كدحه كقوله تعالى: «فذوقوا بما نسيتم لقاء يومكم هذا».
 ‌و‌ الكدح: جهد النفس ‌فى‌ العمل ‌و‌ الكد فيه بحيث يوثر فيها، ‌من‌ كدح جلده: اذا خدشه.
 ‌و‌ قيل: ‌فى‌ قوله تعالى: «يا ايها الانسان انك كادح الى ربك كدحا فملاقيه» ‌ان‌ المراد بالانسان محمد صلى الله عليه ‌و‌ آله ‌و‌ المعنى: انك تكدح ‌فى‌ تبليغ رسالات ربك فابشر فانك تلقى الله بهذا العمل.
 
 
و (فى)، ‌من‌ قوله: «فيك» للتعليل: ‌اى‌ لاجلك ‌او‌ ظرفيه على حذف مضاف ‌اى‌ ‌فى‌ سبيلك.
 ‌و‌ الدرجه: المرقاه ‌و‌ الطبقه.
 ‌و‌ العليا: اسم تفضيل مونث الاعلى ‌و‌ اصلها العلوى لانها من: على يعلو فقلبت الواو ياء تخفيفا لما ‌فى‌ كون الضمه ‌فى‌ اول الكلمه ‌و‌ الواو قرب الاخر ‌من‌ نوع ثقل مع قصد الفرق بين الاسم ‌و‌ الصفه فقلبت الواو ياء ‌فى‌ الاسم دون الصفه، لكون الاسم اسبق ‌من‌ الصفه ‌و‌ انما حكموا بان العليا اسم ‌لا‌ صفه لانها ‌لا‌ تكون وصفا بغير الالف ‌و‌ اللام، فلا تقول: درجه عليا، كما ‌لا‌ تقول دار دنيا، بل الدرجه العليا ‌و‌ الدار الدنيا فاجريت مجرى الاسماء التى ‌لا‌ تكون وصفا لان الصفه ‌لا‌ تلزم حاله واحده ‌و‌ انما شانها ‌ان‌ تكون مختلفه تاره نكره ‌و‌ تاره معرفه فلما اختص الوصف بها بحال التعريف كان كونها صفه كلا صفه ‌و‌ مثلها ‌فى‌ ذلك الدنيا.
 قال ابن جنى: العليا ‌و‌ الدنيا ‌و‌ ‌ان‌ كانتا صفتين الا انهما خرجتا الى مذهب الاسماء كالاجرع ‌و‌ الابطح.
 ‌و‌ الجنه لغه: البستان ‌من‌ النخل ‌و‌ الشجر المتكاثف بالتفاف اغصانها فعله ‌من‌ جنه: اذا ستره كانها ستره واحده لالتفافها، ‌و‌ شرعا اسم لدار الثواب كلها، ‌و‌ لما كانت الجنه درجات متفاضلات ‌و‌ منازل متفاوتات كما قال تعالى: «اولئك ‌هم‌ المومنون حقا لهم درجات عند ربهم ‌و‌ مغفره ‌و‌ رزق كريم». ‌و‌ قال سبحانه: «لهم غرف ‌من‌ فوقها غرف مبنيه تجرى ‌من‌ تحتها الانهار». ‌و‌ كان ‌من‌ مقتضى عدل الله تعالى ‌ان‌ يبلغ نفسا هى محل الرساله اقصى ‌ما‌ استعدت له ‌من‌ درجات الكمال
 
و يعدها بذلك لكمال اعلى، دعا له صلى الله عليه ‌و‌ آله ‌ان‌ يرفعه تعالى الى الدرجه العليا التى ‌لا‌ درجه اعلى منها.
 ‌و‌ عن ابى سعيد الخدرى قال: قال رسول الله صلى الله عليه ‌و‌ آله: الوسيله درجه عند الله ليس فوقها درجه فاسئلوا الله لى الوسيله.
 ‌و‌ ‌فى‌ خبر آخر: الوسيله درجه ‌فى‌ الجنه ليس ‌فى‌ الجنه درجه اعلى منها فاسئلوا الله ‌ان‌ يوتينيها على رووس الخلايق. فكان ‌ما‌ ‌فى‌ الدعاء اشاره الى ذلك:
 
قوله عليه السلام: «حتى ‌لا‌ يساوى ‌فى‌ منزله» يجوز ‌ان‌ تكون حتى بمعنى (كى) التعليليه ‌و‌ ‌ان‌ تكون بمعنى الى ان.
 ‌و‌ ساواه مساواه: ماثله ‌و‌ عادله قدرا ‌و‌ قيمه، ‌و‌ منه قولهم: هذا يساوى درهما: ‌اى‌ يعادل قيمته درهما، ‌و‌ اما قولهم: يسوى درهما فليس عربيا صحيحا.
 ‌و‌ قيل: هى لغه قليله.
 ‌و‌ المنزله: المكانه عند الملك ‌و‌ نحوه يقال: له منزله عند الامير ‌و‌ هى استعاره ‌من‌ موضع النزول.
 قوله عليه السلام: «و ‌لا‌ يكافا ‌فى‌ مرتبه» كافا فلان فلانا مكافاه ‌و‌ كفاء: ماثله ‌و‌ ‌هو‌ كفوه ‌اى‌ مماثله.
 ‌و‌ المرتبه: المنزله ‌و‌ المكانه كالرتبه بالضم ‌من‌ رتب الشى ء رتوبا بمعنى ثبت.
 قال الزمخشرى ‌فى‌ الاساس: ‌و‌ ‌من‌ المجاز لفلان مرتبه عند السلطان ‌و‌ منزله ‌و‌ ‌هو‌ ‌من‌ اهل المراتب ‌و‌ ‌هو‌ ‌فى‌ اعلى الرتب انتهى.
 
و التنكير ‌فى‌ الفقرتين للتعميم ‌اى‌ ‌فى‌ شى ء ‌من‌ المنازل ‌و‌ المراتب.
 قوله عليه السلام: «و ‌لا‌ يوازيه لديك ملك مقرب» الازاء: المحاذاه ‌و‌ المقابله.
 قال الجوهرى: ‌هو‌ بازائه ‌اى‌ بحذائه ‌و‌ قد آزيته: اذا حاذيته ‌و‌ ‌لا‌ تقل وازيته انتهى.
 ‌و‌ ‌فى‌ اساس اللغه: بنوفلان يوازون بنى فلان ‌اى‌ يقاومونهم ‌فى‌ كونهم ازاء للحرب ‌و‌ فلان ‌لا‌ يوازيه احد. انتهى ‌و‌ ‌ما‌ منعه الجوهرى ‌من‌ قول وازيته اثبته بعضهم ‌و‌ قال: انها لغه لاهل اليمن تبدل الهمزه واوا فيقال: وازيته ‌و‌ واتيته ‌و‌ ‌هو‌ المشهور على السنه الناس.
 
 تبصره
 
 قال بعضهم: فائده دعاء الامه للرسول صلى الله عليه ‌و‌ آله ‌و‌ سلم برفعه الى الدرجه العليا ‌و‌ اقصى مراتب الزلفى ‌ان‌ الله سبحانه قدر له تلك الدرجه ‌و‌ المنزله باسباب:
 منها: دعاء امته ‌و‌ رغبتهم الى ربهم ‌ان‌ ينيله اياها ‌و‌ ذلك بما نالوه على يده ‌من‌ الايمان ‌و‌ الهدى كما يدل عليه امره صلى الله عليه ‌و‌ آله ‌و‌ سلم لامته ‌ان‌ يسالوها له كما مر ‌فى‌ حديث الوسيله ‌و‌ انكر هذا جماعه ‌من‌ المتكلمين ‌و‌ خصوصا الاصحاب ‌و‌ جعلوا هذا ‌من‌ قبيل الدعاء بما وقع امتثالا لامر الله تعالى ‌فى‌ قوله: «صلوا عليه ‌و‌ سلموا تسليما» ‌و‌ الا فهو صلى الله عليه ‌و‌ آله ‌و‌ سلم قد اعطاه الله ‌من‌ علو الدرجه ‌و‌ قرب
 
المنزله ‌و‌ عظيم الفضل ‌و‌ الجزاء ‌ما‌ ‌لا‌ يوثر فيه دعاء داع وجد ‌او‌ عدم ‌و‌ فائده الدعاء انما يعود الى الامه الداعين له لينالوا ‌به‌ زياده الايمان ‌و‌ يستفيدوا ‌به‌ الزلفى ‌من‌ الله تعالى ‌و‌ حسن الثواب كما جاء: «من صلى على واحده صلى الله عليه عشرا».
 ‌و‌ لعل الاقرب ‌من‌ الصواب ‌ما‌ قاله بعض المحققين ‌من‌ اصحابنا: انه لما كانت مراتب استحقاق نعم الله تعالى غير متناهيه كان غايه ذلك طلب زياده كماله عليه السلام ‌و‌ قربه ‌من‌ الله ‌عز‌ ‌و‌ ‌جل‌ ‌و‌ قد تقدمت الاشاره الى ذلك.
 
عرفه الامر تعريفا: اعلمه اياه ‌و‌ عرفه بيته: اعلمه بمكانه، ‌و‌ اما عرفه ‌به‌ فبمعنى وسمه.
 قال صاحب المحكم: «قال سيبويه: عرفته زيدا فذهب الى تعديه عرف بالتثقيل الى مفعولين يعنى انك تقول عرفت زيدا فيتعدى الى واحد ثم تثقل الراء فيتعدى الى مفعولين قال: ‌و‌ اما عرفته بزيد فانما تريد عرفته بهذه العلامه ‌و‌ اوضحته بها فهو سوى المعنى الاول ‌و‌ انما عرفته بزيد كقولك سميته بزيد» انتهى.
 ‌و‌ اهل الرجل: عشيرته ‌و‌ اقاربه ‌و‌ المراد بهم هنا: اهل الكساء مع باقى الائمه الاثنى عشر عليهم السلام لوصفهم بالطاهرين ‌اى‌ النقيين ‌من‌ الدنس ‌و‌ الرجس ‌فى‌ الميلاد ‌و‌ الاعمال البريين ‌من‌ الماتم ‌و‌ الذنوب صغائرها ‌و‌ كبائرها كما قال تعالى: «انما يريد الله ليذهب عنكم الرجس اهل البيت ‌و‌ يطهركم تطهيرا».
 اخرج الطبرانى: عن ‌ام‌ سلمه ‌ان‌ رسول الله صلى الله عليه ‌و‌ آله ‌و‌ سلم قال
 
لفاطمه عليهاالسلام: ائتينى بزوجك ‌و‌ ابنيه فجاءت بهم فالقى رسول الله صلى الله عليه ‌و‌ آله ‌و‌ سلم عليهم كساء فدكيا ثم وضع يده عليهم ثم قال: اللهم هولاء اهل محمد ‌و‌ ‌فى‌ نسخه لفظ (آل محمد) فاجعل صلواتك ‌و‌ بركاتك على ‌آل‌ محمد كما جعلتها على ‌آل‌ ابراهيم انك حميد مجيد قالت ‌ام‌ سلمه فرفعت الكساء لادخل معهم فجذبه ‌من‌ يدى ‌و‌ قال انك على خير ‌و‌ ‌فى‌ هذا المعنى روايات كثيره سياتى ذكر شى ء منها ‌ان‌ شاء الله تعالى.
 ‌و‌ الشفاعه: قيل: هى اصلاح حال المشفوع فيه عند المشفوع اليه ‌و‌ هذا دورى ‌و‌ الاولى ‌ان‌ يقال: هى السئوال ‌فى‌ التجاوز عن الذنب ‌من‌ الذى وقع الجنايه ‌فى‌ حقه ‌و‌ يقال: شفعت ‌فى‌ الامر شفاعه اذا طالبت بوسيله ‌او‌ ذمام ‌و‌ المراد بحسن الشفاعه: قبولها ‌و‌ الرضا عمن شفع فيهم ‌و‌ بتعريفه ذلك: ‌ان‌ ينجز له وعده ‌به‌ فيعرفه واقعا متحققا معرفه شهوديه حضوريه ‌و‌ ‌ان‌ كان ‌هو‌ الان ‌به‌ عالما علما يقينيا، فان الاشياء قبل وجودها تكون معلومه للعالم بها ‌و‌ بعد وجودها تكون مشهوده له ‌و‌ انما استعمل التعريف ‌فى‌ هذا المعنى لانه اذا شاهده عرف انه ذلك الذى علم ‌به‌ ‌من‌ قبل فكانه عرفه اياه، ‌و‌ ‌ما‌ قيل: ‌من‌ ‌ان‌ معنى عرفه:. اذقه بعيد جدا. ‌و‌ ابعد منه قول بعضهم: يجوز ‌ان‌ يكون ‌من‌ العرف بالفتح، بمعنى الرائحه الطيبه ‌و‌ ‌ان‌ يكون ‌من‌ العرف بالضم بمعنى المعروف بل ‌لا‌ يكاد يصح. ‌و‌ انما دعا الله تعالى بذلك مع العلم بانه ‌لا‌ يخلف الميعاد لانه سال له اجل الموعود ‌و‌ عدم الخلف يصدق على انجاز ادناه ‌و‌ ‌ان‌ لو حظ سعه كرمه تعالى فلا يكون اللايق ‌به‌ ‌جل‌ شانه الا انجاز اجل ‌ما‌ وعد خصوصا مع احب خلقه اليه ‌و‌ اكرمهم لديه فلان معظم الغرض ‌فى‌ الدعاء اظهار سيماء العبوديه، ‌او‌ المراد: وفق اهل شفاعته للاعمال التى بها يصيرون اهلا لاجل ‌ما‌ وعدته ‌به‌ ‌من‌
 
حسن الشفاعه ‌و‌ اعصمهم عما ‌لا‌ يستحقون ‌به‌ ذلك كما ‌فى‌ قوله تعالى: «ربنا ‌و‌ آتنا ‌ما‌ وعدتنا على رسلك ‌و‌ ‌لا‌ تخزنا يوم القيامه انك ‌لا‌ تخلف الميعاد».
 فان قلت: كيف تكون الشفاعه ‌فى‌ اهله الطاهرين ‌و‌ ‌هم‌ معصومون ‌من‌ جميع الذنوب ‌و‌ قد قال عليه السلام: «انما شفاعتى لاهل الكبائر ‌من‌ امتى ‌و‌ اما المحسنون فما عليهم ‌من‌ سبيل»؟
 قلت: قد علمت ‌ان‌ معظم الغرض ‌فى‌ الدعاء اظهار سيماء الافتقار ‌و‌ العبوديه فلا منافاه، ‌او‌ المراد بالشفاعه فيهم شفاعه مخصوصه ‌لا‌ السئوال ‌فى‌ التجاوز عن الذنوب ‌و‌ لذلك عبر بحسن الشفاعه ‌و‌ سياتى ‌ان‌ الشفاعه على اقسام منها: رفع الدرجات ‌و‌ ‌فى‌ الحديث: «انه ‌لا‌ يبقى ملك مقرب ‌و‌ ‌لا‌ نبى مرسل الا ‌و‌ ‌هو‌ محتاج اليه صلى الله عليه ‌و‌ آله ‌و‌ سلم يوم القيامه».
 ‌و‌ يحتمل ‌ان‌ يكون المراد بالشفاعه شفاعتهم لغيرهم ‌لا‌ الشفاعه لهم ‌و‌ كذا شفاعه امته المومنين فتكون «فى» ‌من‌ قوله: «فى اهله الطاهرين» متعلقا بوعدته، ‌او‌ هى للمصاحبه بمعنى مع كقوله تعالى: «ادخلوا ‌فى‌ امم» ‌اى‌ معهم فيكون ظرفا مستقرا ‌فى‌ محل النصب على الحال ‌من‌ الضمير المنصوب ‌فى‌ عرفه ‌لا‌ متعلقا بالشفاعه، ‌و‌ المعنى عرفه مع اهله الطاهرين ‌و‌ امته المومنين اجل ‌ما‌ وعدته ‌من‌ حسن الشفاعه ‌فى‌ يوم القيامه فلا يكون المشفوع فيهم له ذكر هنا ‌و‌ قد نقل اجماع المفسرين ‌فى‌ قوله تعالى: «عسى ‌ان‌ يبعثك ربك مقاما محمودا»، على ‌ان‌ المقام المحمود ‌هو‌ مقام الشفاعه.
 
و عن الباقر عليه السلام: ‌فى‌ قوله تعالى: «و ترى كل امه جاثيه كل امه تدعى الى كتابها اليوم تجزون ‌ما‌ كنتم تعملون» قال: ذاك النبى عليه السلام ‌و‌ على يقوم على كوم قد علا على الخلايق فيشفع ثم يقول: ‌يا‌ على اشفع فيشفع ‌و‌ يشفع الرجل ‌فى‌ القبيله ‌و‌ يشفع الرجل ‌فى‌ اهل البيت ‌و‌ يشفع الرجل للرجلين على قدر علمه فذلك المقام المحمود.
 ‌و‌ عنه عليه السلام: ‌فى‌ قوله تعالى: «و بشر الذين آمنوا ‌ان‌ لهم قدم صدق» قال: شفاعه النبى «و الذى جاء بالصدق»: شفاعه على، «اولئك ‌هم‌ الصديقون»: شفاعه الائمه.
 ‌و‌ روى: ‌ان‌ اقل المومنين شفاعه ‌من‌ يشفع ‌فى‌ ثلاثين الفا، ‌و‌ الاخبار ‌فى‌ ذلك كثيره.
 ‌و‌ ‌ان‌ حملت معنى اهله الطاهرين عليهم السلام على الذين ‌هم‌ اعم ‌من‌ المعصومين عليهم السلام ‌و‌ فسرت الطهاره بالطهاره ‌فى‌ الميلاد ‌و‌ النسب، فلك جعل الشفاعه فيهم ‌و‌ ‌فى‌ امته المومنين، ‌و‌ كانت (فى) متعلقه بالشفاعه فيكون اهله ‌و‌ امته ‌هم‌ المشفوع فيهم كما روى عنه عليه السلام انه قال: اول ‌من‌ اشفع له يوم القيامه اهل بيتى ثم الاقرب فالاقرب.
 ‌و‌ عن ابن عباس: ‌فى‌ قوله تعالى: «و لسوف يعطيك ربك فترضى» ‌و‌ لسوف يشفعك ‌يا‌ محمد يوم القيامه ‌فى‌ جميع اهل بيتك تدخلهم كلهم الجنه ترضى بذلك
 
عن ربك
 ‌و‌ عن على عليه السلام: انه قال صلى الله عليه ‌و‌ آله ‌و‌ سلم: اذن ‌لا‌ ارضى ‌و‌ واحد ‌من‌ امتى ‌فى‌ النار.
 ‌و‌ عن الصادق عليه السلام: رضا جدى صلى الله عليه ‌و‌ آله ‌ان‌ ‌لا‌ يدخل النار موحد.
 ‌و‌ لقد اغرب ‌من‌ زعم ‌ان‌ المراد بحسن الشفاعه، الشفاعه الحسنه ‌فى‌ قوله تعالى: « ‌من‌ يشفع شفاعه حسنه يكن له نصيب منها ‌و‌ ‌من‌ يشفع شفاعه سيئه يكن له كفل منها».
 ثم قال: ‌و‌ قد فسرت الشفاعه الحسنه بالشفاعه فيما يجوز ‌فى‌ الدين ‌و‌ الدعاء للمومنين ‌او‌ ‌ان‌ يصير الانسان شفيع صاحبه ‌فى‌ جهاد عدوه لتحصيل الغنيمه عاجلا ‌و‌ الثواب آجلا ‌و‌ الاصلاح بين الاثنين ‌و‌ الشفاعه السيئه: بعكس هذا قال: ‌و‌ التفسير الاخير بعيد ‌فى‌ هذا المقام انتهى كلامه ‌و‌ ‌لا‌ يخفى بعده عن الصواب.
 
 تتمه
 
 قال بعض العلماء: الشفاعات خمس:
 الاولى: الاراحه ‌من‌ هول الموقف، ‌و‌ هذه يشترك فيها جميع الامم كما دلت عليه الاخبار.
 الثانيه: ‌فى‌ ادخال قوم الجنه بغير حساب.
 
الثالثه: ‌فى‌ ادخال قوم حوسبوا ‌و‌ استحقوا العذاب ‌ان‌ ‌لا‌ يعذبوا.
 الرابعه: ‌فى‌ اخراج ‌من‌ ادخل النار ‌من‌ العصاه.
 الخامسه: ‌فى‌ رفع الدرجات.
 ‌و‌ انكر بعض المعتزله ‌و‌ الخوارج، الشفاعه الرابعه، ‌و‌ تمسكوا بقوله تعالى: «فما تنفعهم شفاعه الشافعين» ‌و‌ بقوله تعالى: «ما للظالمين ‌من‌ حميم ‌و‌ ‌لا‌ شفيع يطاع».
 ‌و‌ اجيب: بان هذه الايات ‌فى‌ الكفار ‌و‌ مذهب اصحابنا ‌و‌ الاشاعره جواز الشفاعه عقلا ‌و‌ وجوبها سمعا لصريح قوله تعالى: «يومئذ ‌لا‌ تنفع الشفاعه الا ‌من‌ اذن له الرحمن ‌و‌ رضى له قولا». ‌و‌ قوله تعالى: «و ‌لا‌ يشفعون الا لمن ارتضى» ‌و‌ قد جاءت الاخبار التى مبلغها التواتر بصيغه الشفاعه ‌فى‌ الاخره لمذنبى المومنين جعلنا الله ممن تناله شفاعه نبيه ‌و‌ آله الطاهرين صلوات الله ‌و‌ سلامه عليهم اجمعين
 
نافذ العده بالذال المعجمه: ‌اى‌ ماضيها، ‌من‌ نفذ السهم كقعد نفوذا: اذا خرق الرميه ‌و‌ خرج منها، اى: ‌لا‌ خلف لعدته بل هى ماضيه ‌لا‌ مرد لها كالسهم النافذ ‌لا‌ مرد له ‌و‌ ‌لا‌ وقوف.
 ‌و‌ العده: الوعد، ‌و‌ اصلها وعده بالكسر استثقلت الكسره على الواو فنقلت الى العين ثم حذفت الواو ‌و‌ لزمت تاء التانيث عوضا منها.
 
قال الفراء: يقال: وعدته خيرا ‌و‌ وعدته شرا باسقاط الالف.
 فاذا اسقطوا الخير ‌و‌ الشر قالوا ‌فى‌ الخير: وعدته، ‌و‌ ‌فى‌ الشر: ‌او‌ عدته بالالف، ‌و‌ ‌فى‌ الخير: الوعد ‌و‌ العده، ‌و‌ ‌فى‌ الشر: الايعاد ‌و‌ الوعيد، فاذا قالوا ‌او‌ عدته بالشر: اثبتوا الالف مع الباء.
 قال صاحب المحكم: ‌و‌ قال ابن الاعرابى: ‌او‌ عدته خيرا بالالف ‌و‌ ‌هو‌ نادر ‌و‌ انشد:
 يبسطنى مره ‌و‌ يوعدنى
 فضلا طريقا الى اياديه انتهى
 ‌و‌ الخلف ‌فى‌ الوعد عند العرب كذب، ‌و‌ ‌فى‌ الوعيد كرم قال الشاعر:
 اذا وعد السراء انجز وعده
 ‌و‌ ‌ان‌ اوعد الضراء فالعفو مانعه
 ‌و‌ لخفاء الفرق ‌فى‌ ذلك ‌من‌ كلام العرب انتحل بعض اهل البدع القول بوجوب الوعيد قياسا على الوعد لجهلهم باللغه العربيه.
 ‌و‌ قد نقل: ‌ان‌ اباعمرو ‌بن‌ العلاء نبه عمرو ‌بن‌ عبيد ‌و‌ ‌هو‌ طاغيه المعتزله على ذلك فلم يقبل.
 حكى المبرد: عن ابى عثمان المازنى قال: حدثنى محمد ‌بن‌ مسعر، قال: جمعنا بين ابى عمرو ‌بن‌ العلاء ‌و‌ عمرو ‌بن‌ عبيد ‌فى‌ مسجدنا فقال له: ابوعمرو ‌ما‌ الذى يبلغنى عنك ‌فى‌ الوعيد؟ فقال: ‌ان‌ الله وعد وعدا ‌و‌ اوعد ايعادا فهو منجز وعده ‌و‌ وعيده فقال ابوعمرو: ابيت اباعثمان الا العجمه ‌و‌ ‌لا‌ اعنى عجمه لسانك ‌و‌ لكن فهمك ‌ان‌ العرب تعد الرجوع عن الوعد لوما ‌و‌ عن الوعيد كرما ‌و‌ انشد:
 
و انى اذا ‌او‌ عدته ‌او‌ وعدته
 لمخلف ايعادى ‌و‌ منجز موعدى
 ‌و‌ ذلك ‌ان‌ الوعد ‌حق‌ عليه ‌و‌ الوعيد ‌حق‌ له، ‌و‌ ‌من‌ اسقط ‌حق‌ نفسه فقد اتى بالجود ‌و‌ الكرم، ‌و‌ ‌من‌ اسقط ‌حق‌ غيره فذلك ‌هو‌ اللوم فهذا ‌هو‌ الفرق بين الوعد ‌و‌ الوعيد، على ‌ان‌ كل ‌ما‌ ورد ‌من‌ وعيد الفساق فهو مشروط بعدم العفو كما انه مشروط بعدم التوبه وفاقا فلا يلزم ‌من‌ تركه الكذب ‌فى‌ كلام الله تعالى.
 ‌و‌ اوفى القول: اى: صادقه يقال: ‌و‌ ‌فى‌ ‌و‌ اوفى بمعنى.
 ‌و‌ القول: الكلام، ‌و‌ قيل: القول: ‌فى‌ الخيرا، ‌و‌ القال ‌و‌ القيل ‌و‌ القاله ‌فى‌ الشر.
 قوله عليه السلام: «يا مبدل السيئات باضعافها ‌من‌ الحسنات» اشاره الى قوله تعالى: «الا ‌من‌ تاب ‌و‌ آمن ‌و‌ عمل عملا صالحا فاولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات» عن ابن عباس، ‌و‌ الحسن، ‌و‌ مجاهد، ‌و‌ قتاده: ‌ان‌ هذا التبديل انما يكون ‌فى‌ الدنيا فيبدلهم بالشرك ايمانا ‌و‌ بقتل المسلمين قتل المشركين ‌و‌ بالزنا عفه ‌و‌ احصانا فبشرهم الله تعالى انه يوفقهم لهذه الاعمال الصالحه اذا تابوا ‌و‌ آمنوا ‌و‌ عملوا سائر الاعمال الصالحات.
 ‌و‌ قال الزجاج: السيئه بعينها ‌لا‌ تصير حسنه ‌و‌ لكن السيئه تمحى بالتوبه ‌و‌ تكتب الحسنه مع التوبه.
 ‌و‌ ذهب سعيد ‌بن‌ جبير: الى ظاهر الايه ‌و‌ ‌هو‌ انه تعالى يمحو السيئه عن العبد ‌و‌ يثبت له بدلها الحسنه ‌و‌ اكد هذا الظاهر بما روى مرفوعا: «ليتمنين اقوام انهم اكثروا ‌من‌ السيئات قيل: ‌من‌ ‌هم‌ ‌يا‌ رسول الله؟ قال: الذين يبدل سيئاتهم
 
حسنات».
 ‌و‌ قال القاضى ‌و‌ القفال: انه تعالى يبدل بالعقاب الثواب، فذكر السبب ‌و‌ اراد المسبب.
 ‌و‌ قيل: يبدل بملكه المعصيه ‌و‌ دواعيها ‌فى‌ النفس ملكه الطاعه بان يزيل الاولى ‌و‌ ياتى بالثانيه.
 ‌و‌ روى على ‌بن‌ ابراهيم، عن ابيه، عن ابى جعفر ‌و‌ ابراهيم، عن ابى الحسن الرضا عليه السلام: قال: اذا كان يوم القيامه اوقف الله المومن بين يديه ‌و‌ عرض عليه عمله فينظر ‌فى‌ صحيفته فاول ‌ما‌ يرى سيئاته فيتغير عند ذلك لونه فيقول الله ‌عز‌ ‌و‌ جل: بدلوا سيئاته حسنات ‌و‌ اظهروها للناس فيبديها الله لهم فيقول الناس اما كان لهولاء سيئه واحده ‌و‌ ‌هو‌ قوله تعالى: «يبدل الله سيئاتهم حسنات.
 ‌و‌ ‌فى‌ روايه عن الصادق عليه السلام: اذا كان يوم القيامه تجلى الله تعالى لعبده المومن فيقفه على ذنوبه ذنبا ذنبا ثم يغفر له ‌لا‌ يطلع على ذلك ملكا مقربا ‌و‌ لانبيا مرسلا ‌و‌ يستر عليه ‌ما‌ يكره ‌ان‌ يقف عليه احد ثم يقول: لسيئاته كونى حسنات، ‌و‌ روى مسلم ‌فى‌ صحيحه مرفوعا الى ابى ذر قال: قال رسول الله صلى الله عليه ‌و‌ آله ‌و‌ سلم: يوتى بالرجل يوم القيامه فيقال: اعرضوا عليه صغار ذنوبه ‌و‌ يخبا عنه كبارها فيقال: عملت يوم كذا كذا ‌و‌ كذا ‌و‌ ‌هو‌ مقر ‌لا‌ ينكر، ‌و‌ ‌هو‌ مشفق ‌من‌ الكبار فيقال: اعطوه مكان كل سيئه عملها حسنه فيقول: ‌ان‌ لى ذنوبا ‌ما‌ اراها هاهنا قال: ‌و‌ لقد
 
رايت رسول الله صلى الله عليه ‌و‌ آله ‌و‌ سلم ضحك حتى بدت نواجده.
 فان قلت: الايه انما دلت على تبديل السيئات حسنات فما بال الاضعاف الواقعه ‌فى‌ الدعاء؟
 قلت: اما على القول بان هذا التبديل يكون ‌فى‌ الدنيا اما بالتوفيق للاعمال الصالحه بعد الاعمال السيئه كما نقل عن ابن عباس، ‌و‌ اما تبديل ملكه المعصيته بملكه الطاعه فوجه الاضعاف ظاهر لان: «من جاء بالحسنه فله عشر امثالها» بنص الكتاب.
 ‌و‌ اما على القول بان التبديل يكون ‌فى‌ الاخره كما دلت عليه الاخبار المذكوره فالظاهر انه اذا بدل سيئه العبد حسنه فكانه جاء بالحسنه، ‌و‌ قد قال تعالى: «من جاء بالحسنه فله عشر امثالها» ‌و‌ يفعل الله بالمومنين ‌ما‌ يشاء ‌من‌ الخير ‌و‌ لذلك ختم الدعاء بقوله عليه السلام: «انك ذو الفضل العظيم» تذييلا لما سبق ‌و‌ تقريرا لمضمونه.
 ‌و‌ الفضل: الخير ‌و‌ الاحسان ابتداء.
 ‌و‌ العظيم: ‌ضد‌ الحقير، كما ‌ان‌ الكبير ‌ضد‌ الصغير، ‌و‌ كما ‌ان‌ الحقير دون الصغير، فكذلك العظيم فوق الكبير، ‌و‌ يستعملان ‌فى‌ الصور ‌و‌ المعانى يقال: رجل عظيم ‌و‌ كبير: ‌اى‌ جثه ‌او‌ قدرا، ‌و‌ ‌هو‌ هنا صفه للفضل كما وقع ‌فى‌ التنزيل مكررا: «و الله ذو الفضل العظيم».
 
و وقع ‌فى‌ نسخه مضبوطا بالضم على انه صفه له تعالى ‌و‌ الاول انسب بالمقام ‌و‌ فيه ايذان بان جميع الاحسان الواقع ‌و‌ المرجو، رشحه ‌من‌ بحار افضاله ‌و‌ عظيم احسانه ‌و‌ نواله ‌و‌ ‌ان‌ ‌من‌ حرم ذلك ليس لضيق ساحه فضله بل لعدم استعداد المحروم ‌و‌ قابليته نسال الله ‌ان‌ ‌لا‌ يحرمنا ‌من‌ فضله العظيم وجوده العظيم بجاه نبيه الكريم ‌و‌ اهل بيته الطاهرين صلوات الله ‌و‌ سلامه عليه ‌و‌ عليهم اجمعين ‌و‌ الحمد لله رب العالمين.
 قال مولفه: العبد على ‌بن‌ احمد الحسينى كان الله تعالى له هذا آخر الروضه الثانيه ‌من‌ رياض السالكين ‌من‌ شرح صحيفه سيد العابدين، ‌و‌ تتلوها بعون الله ‌و‌ توفيقه الروضه الثالثه ‌فى‌ شرح دعائه عليه السلام ‌فى‌ الصلاه على حمله العرش ‌و‌ كل ملك مقرب ‌و‌ لله الحمد.
 الى هنا ينتهى الجزء الاول ‌من‌ هذا الكتاب النفيس حسب تجزئتنا ويليه الجزء الثانى ‌و‌ اوله الروضه الثالثه ‌ان‌ شاء الله تعالى.
 

0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخرین مطالب

الدعاء 47- 5
الدعاء 16
الدعاء 2- 1
الدعاء 1- 2
اسناد الصحیفه السجادیه- 2
الدعاء 53
الدعاء 45- 1
الدعاء 52
الدعاء 20- 1
الدعاء 1- 5

بیشترین بازدید این مجموعه

الدعاء 47- 5

 
نظرات کاربر

پر بازدید ترین مطالب سال
پر بازدید ترین مطالب ماه
پر بازدید ترین مطالب روز



گزارش خطا  

^