فارسی
يكشنبه 17 تير 1403 - الاحد 29 ذي الحجة 1445
قرآن کریم مفاتیح الجنان نهج البلاغه صحیفه سجادیه

0
نفر 0

الدعاء 24

بسم الله الرحمن الرحيم


 الحمد لله الذى وصى الانسان بوالديه حسنا ‌و‌ وعده على برهما ‌من‌ لديه المقام الاسنى ، والصلاه والسلام على نبيه انجب المخلوقين اما ‌و‌ ابا ‌و‌ على اهل بيته الذين فرض طاعتهم على كل شاء ‌او‌ ابى.
 ‌و‌ بعد فهذه الروضه الرابعه ‌و‌ العشرون ‌من‌ رياض السالكين ، تتضمن شرح الدعاء الرابع ‌و‌ العشرين ‌من‌ صحيفه سيدالعابدين ، صلوات الله ‌و‌ سلامه عليه ‌و‌ على آبائه ‌و‌ ابنائه الطاهرين ، املاء العبد الراجى فضل ربه السنى ، على صدرالدين الحسينى . الحسنى غفرالله له ‌و‌ لوالديه ‌و‌ جعل خير ايامه يوم الوقوف بين يديه.
 
المراد بالابوين: الاب ‌و‌ الام، ‌و‌ ‌هو‌ ‌من‌ الفاظ التغليب التى غلب فيها احد المتصاحبين ‌او‌ المتشابهين على الاخر، بان جعل الاخر موافقا له ‌فى‌ الاسم، ثم ثنى ذلك الاسم ‌و‌ قصد اليهما جميعا، فتاره يغلب الاشرف كالابوين، ‌و‌ تاره الاخف كالعمرين، ‌و‌ تاره المذكر كالقمرين.
 ‌و‌ قيل: المعتبر ‌هو‌ الاسم الاخف الا ‌ان‌ يكون الاثقل مذكرا كالقمرين، على ‌ان‌ هذا النوع مسموع يحفظ ‌و‌ ‌لا‌ يقاس عليه، ‌و‌ قد استوفيت الكلام عليه ‌فى‌ شرح الصمديه فليرجع اليه.
 ‌و‌ اعلم ‌ان‌ تعظيم الابوين امر معتبر ‌فى‌ جميع الشرائع، ‌و‌ مركوز ‌فى‌ كل العقول، ‌و‌ حسبك ‌ان‌ الله سبحانه نص على ذلك ‌فى‌ غير موضع ‌من‌ كتابه المجيد، ‌و‌ ورد ‌فى‌ الاخبار النبويه ‌ما‌ يضيق عنه نطاق الحصر. ‌و‌ ‌من‌ تعظيمهما ‌و‌ الاحسان اليهما ‌ان‌ يحبهما ‌من‌ صميم القلب، ‌و‌ يراعى دقائق الادب ‌فى‌ خدمتها ‌و‌ الشفقه عليهما، ‌و‌ يبذل وسعه ‌فى‌ رضاهما، ‌و‌ ‌لا‌ يمنع كرائم امواله عنهما، ‌و‌ يجتهد ‌فى‌ تنفيذ وصاياهما، ‌و‌ يذكرهما ‌فى‌ صالح دعائه، كما ارشد الله تعالى الى جميع ذلك ‌فى‌ قوله سبحانه: «و قضى ربك الا تعبدوا الا اياه ‌و‌ بالوالدين احسانا اما يبلغن عندك الكبر احدهما ‌او‌ كلاهما فلا تقل لهما اف ‌و‌ ‌لا‌ تنهرهما ‌و‌ ‌قل‌ لهما قولا كريما ‌و‌ اخفض لهما جناح الذل ‌من‌ الرحمه
 
و ‌قل‌ رب ارحمهما كما ربيانى صغيرا».
 قال امين الدين الطبرسى: معناه ادع لهما بالمغفره ‌و‌ الرحمه ‌فى‌ حياتهما ‌و‌ بعد مماتهما جزاء لتربيتهما اياك ‌فى‌ صباك، ‌و‌ هذا اذا كانا مومنين، ‌و‌ ‌فى‌ هذا دلاله على ‌ان‌ دعاء الولد لوالده الميت مسموع ‌و‌ الا لم يكن لامره ‌به‌ معنى
 ‌و‌ روى ابواسيد الانصارى قال: بينا نحن عند رسول الله صلى الله عليه ‌و‌ آله، اذا جاء رجل ‌من‌ بنى سلمه فقال: ‌يا‌ رسول الله هل بقى ‌من‌ ‌بر‌ ‌و‌ الدى شى ء ابرهما ‌به‌ بعد موتهما؟ فقال: نعم، الصلاه عليهما، ‌و‌ الاستغفار لهما، ‌و‌ انفاذ عهدهما ‌من‌ بعدهما، ‌و‌ اكرام صديقهما، وصله الرحم التى ‌لا‌ توصل الا بهما.
 ‌و‌ روى ثقه الاسلام ‌فى‌ الكافى بسنده عن ابى عبدالله عليه السلام، قال: ‌ما‌ يمنع الرجل منكم ‌ان‌ يبر والديه حيين ‌و‌ ميتين، يصلى عنهما ‌و‌ يتصدق عنهما ‌و‌ يحج عنهما ‌و‌ يصوم عنهما، فيكون الذى صنع لهما، ‌و‌ له مثل ذلك، فيزيده الله ‌عز‌ ‌و‌ ‌جل‌ ببره ‌و‌ صلاته خيرا كثيرا.
 ‌و‌ عن ابى جعفر عليه السلام قال: ‌ان‌ العبد ليكون برا بوالديه ‌فى‌ حياتهما، ثم يموتان فلا يقضى عنهما دينهما ‌و‌ ‌لا‌ يستغفر لهما فيكتبه الله عاقا، ‌و‌ انه ليكون عاقا لهما ‌فى‌ حياتهما غير بار بهما، فاذا ماتا قضى دينهما ‌و‌ استغفرلهما فيكتبه الله ‌عز‌ ‌و‌ ‌جل‌ بارا.
 
 تنبيه
 
 ظاهر قوله تعالى: «و ‌قل‌ رب ارحمهما كما ربيانى صغيرا»: ‌ان‌ الامر للوجوب ‌من‌ غير تكرار، فيكفى ‌فى‌ العمر مره واحده رب ارحمهما.
 
و سئل سفيان: ‌كم‌ يدعو الانسان لوالديه، افى كل يوم مره ‌ام‌ ‌فى‌ كل شهر ‌ام‌ ‌فى‌ كل سنه؟ فقال: نرجو ‌ان‌ يجزيه اذا دعالهما ‌فى‌ آخر التشهدات، كما ‌ان‌ الله تعالى قال: «يا ايها الذين آمنوا صلوا عليه ‌و‌ سلموا تسليما». ‌و‌ كانوا يرون الصلاه عليه ‌فى‌ التشهد، ‌و‌ كما قال الله تعالى: «و اذكروا الله ‌فى‌ ايام معدودات»، فهم يكبرون ‌فى‌ ادبار الصلاه.
 ‌و‌ قال النظام النيسابورى: ‌و‌ يشبه ‌ان‌ يدعو لهما كلما ذكرهما ‌او‌ ذكر شيئا ‌من‌ انعامهما.
 
 ارشاد
 
 قال العلماء: انما جعل الله سبحانه الاحسان الى الوالدين تاليا لعبادته، ‌و‌ شكرهما تاليا لشكره، ‌فى‌ قوله تعالى: «الا تعدوا الا اياه ‌و‌ بالوالدين احسانا»، ‌و‌ قوله تعالى: «ان اشكرلى ‌و‌ لوالديك»، لوجوه:
 منها: انهما سبب وجود الولد كما انهم سبب التربيه، ‌و‌ غير الوالدين قد يكون سبب التربيه فقط، فلا انعام بعد انعام الله تعالى اعظم ‌من‌ انعام الوالدين.
 ‌و‌ منها: ‌ان‌ انعامهما شبه انعام الله تعالى، ‌من‌ حيث انهما ‌لا‌ يطلبان بذلك ثناء ‌و‌ ‌لا‌ ثوابا «انما نطعمكم لوجه الله ‌لا‌ نريد منكم جزاء ‌و‌ ‌لا‌ شكورا».
 ‌و‌ منها: ‌ان‌ المحبه ‌و‌ المناسبه ‌و‌ الميل بين الوالد ‌و‌ ولده ذاتيه حتى عمت جميع الحيوان، كما ‌ان‌ المناسبه بين الواجب ‌و‌ الممكن ذاتيه ‌لا‌ عرضيه، ‌و‌ هاهنا اسرار فلتتامل.
 ‌و‌ منها: انه ‌لا‌ كمال يمكن للولد الا يطلبه الوالد لاجله ‌و‌ بريده عليه، كما ‌ان‌ الله تعالى ‌لا‌ خير يمكن للعبد الا بريده عليه، ‌و‌ لهذا ارسل الرسل ‌و‌ انزل الكتب ‌و‌ نصب
 
الادله ‌و‌ ازاح العله، ‌و‌ ‌من‌ غايه شفقه الوالدين انهما ‌لا‌ يحسدان ولدهما اذا كان خيرا منهما بل يتمنيان ذلك، بخلاف غيرهما فانه ‌لا‌ يرضى ‌ان‌ يكون غيره خيرا منه.
 اذا عرفت ذلك، فمن عظيم الجهل ‌ما‌ حكى ‌ان‌ بعض المتسمين بالحكمه كان يضرب اباه ‌و‌ يقول: ‌هو‌ الذى ادخلنى ‌فى‌ عالم الكون ‌و‌ الفساد، ‌و‌ عرضنى للفقر ‌و‌ العمى ‌و‌ الزمانه.
 ‌و‌ ‌ما‌ روى عن ابى العلاء المعرى انه امر ‌ان‌ يكتب على قبره هذا الشعر.
 هذا ‌ما‌ جناه ابى على
 ‌و‌ ‌ما‌ جنيت على احد
 ‌و‌ قال ‌فى‌ ترك التزوج ‌و‌ الولد.
 ‌و‌ تركت فيهم نعمه العدم التى
 سبقت ‌و‌ صدت عن نعيم العاجل
 ولو انهم ‌و‌ لدوا لعانوا شده
 ترمى بهم ‌فى‌ موبقات الاجل
 ‌و‌ قال بعض الحكماء:
 قبح الله لذه قد تولت
 نالها الامهات ‌و‌ الاباء
 نحن لولا الوجود لم نالم الفقد
 فايجادنا علينا بلاء
 ‌و‌ هذا كله جهل منهم بنعمه الوجود المستتبعه لجميع النعم ‌و‌ المنافع ‌فى‌ الدارين.
 ‌و‌ يحكى ‌ان‌ الاسكندر كان يعظم استاذه اكثر ‌من‌ تعظيمه والده، فقيل له ‌فى‌ ذلك، فقال: ‌ان‌ الاستاذ اعظم منه، لانه تحمل انواع الشدائد ‌و‌ المحن عند تعليمى حتى اوقعنى ‌فى‌ نور العلم، ‌و‌ اما الوالد فانه طلب لذه الوقاع لنفسه فاخرجنى الى آفاق عالم الكون ‌و‌ الفساد.
 
قال العقلاء: هب ‌ان‌ الوالد ‌فى‌ اول الامر طلب لذه الوقاع، الا ‌ان‌ اهتمامه بايصال الخيرات الى الولد ‌و‌ دفع الافات عنه، ‌من‌ اول دخول الولد ‌فى‌ الوجود الى اوان كبره بل الى آخر عمره، ‌لا‌ ينكر ‌و‌ ‌لا‌ يكفر، ‌و‌ الله اعلم.
 
قال امام المتقين ‌و‌ سيد العابدين صلوات الله ‌و‌ سلامه عليه ‌و‌ على آبائه ‌و‌ ابنائه الطاهرين:
 بدا عليه السلام بالدعاء للنبى صلى الله عليه ‌و‌ آله لوجوه:
 احدها: مامر غير مره ‌من‌ انه اعظم اسباب اجابه الدعاء.
 الثانى: كونه اشرف آبائه عليهم السلام ‌من‌ جهه النسب الحقيقى.
 الثالث: كونه صلى الله عليه ‌و‌ آله ابا معنويا لامته، فيجب الدعاء له على كل احد ‌من‌ امته ‌من‌ هذه الجهه.
 قال المفسرون ‌فى‌ قوله تعالى: «ما كان محمد ابا احد ‌من‌ رجالكم ‌و‌ لكن رسول الله ‌و‌ خاتم النبيين» معنى هذا الاستدراك ‌هو‌ اثبات الابوه ‌من‌ هذه الجهه، لان النبى كالاب لامته ‌من‌ حيث الشفقه ‌و‌ النصيحه ‌و‌ رعايه حقوق التعظم معه، ‌و‌ اكد هذا المعنى بقوله «و خاتم النبيين»، لان النبى صلى الله عليه ‌و‌ آله اذا علم ‌ان‌ بعده نبيا آخر فقد يترك بعض البيان ‌و‌ الارشاد، بخلاف ‌ما‌ اذا علم ‌ان‌ ختم النبوه عليه.
 ‌و‌ ‌فى‌ الحديث عنه عليه السلام: ‌يا‌ على انا ‌و‌ انت ابوا هذه الامه.
 الرابع: ماء ثبت عند ارباب التحقيق ‌و‌ العرفان ‌من‌ انه صلى الله عليه ‌و‌ آله ابو
 
الارواح، كما ‌ان‌ آدم عليه السلام ابو الاجساد.
 قال بعض العارفين ‌من‌ اصحابنا المتاخرين: اعلم ‌ان‌ الارواح كلها مخلوقه ‌من‌ روح واحده هى روح النبى صلى الله عليه ‌و‌ آله فروحه اصل الارواح، فكما كان آدم اباالبشر ‌و‌ خليفه الله ‌فى‌ الارض، كان النبى صلى الله عليه ‌و‌ آله ابا الارواح ‌و‌ خليفه الله ‌فى‌ عالم الارواح، فالروح خليفه الله ‌و‌ مجتمع صفاته الذاتيه، كالعلم ‌و‌ الحياه ‌و‌ القدره ‌و‌ الاراده ‌و‌ السمع ‌و‌ البصر ‌و‌ الكلام ‌و‌ البقاء، ‌و‌ الجسد خليفه الروح، ‌و‌ ‌هو‌ مجتمع صفاته الفعليه، ‌و‌ ذلك ‌ان‌ الله تعالى لما خلق روح النبى صلى الله عليه ‌و‌ آله، كان الله ‌و‌ لم يكن معه شى ء آخر حتى ينسب ‌او‌ يضاف اليه الروح غير الله، بل كان روحه اول شى ء تعلقت ‌به‌ القدره الازليه، ‌و‌ لذلك شرفه بتشريف الاضافه الى نفسه فسماه روحى، كما سمى اول بيت وضع للناس ‌و‌ شرفه بالاضافه الى نفسه فقال: بيتى، ثم حين اراد ‌ان‌ يخلق آدم سواه ‌و‌ نفخ فيه ‌من‌ روحه، اى: ‌من‌ الروح المضاف الى نفسه، ‌و‌ ‌هو‌ روح النبى صلى الله عليه ‌و‌ آله، كما قال «فاذا سويته ‌و‌ نفخت فيه ‌من‌ روحى»، ‌و‌ لم يقل: نفخت فيه روحى بدون «من»، ليكون فيه دلاله على ‌ان‌ الروح المنفوخ ‌فى‌ آدم ‌هو‌ بعينه روح النبى صلى الله عليه ‌و‌ آله، بل كان روح آدم متولدا منه، فالنبى صلى الله عليه ‌و‌ آله الاب الروحانى لاب البشر ‌و‌ سائر الانبياء، ‌و‌ ابوالبشر الاب الجسمانى للنبى صلى الله عليه ‌و‌ آله ‌و‌ سائر البشر، كما قيل:
 ‌و‌ انى ‌و‌ ‌ان‌ كنت ابن آدم صوره
 فلى فيه معنى شاهد بابوتى
 ‌و‌ كذلك ارواح اولاد آدم مخلوقه ‌من‌ روح النبى صلى الله عليه ‌و‌ آله، لقوله تعالى: «ثم جعل نسله ‌من‌ سلاله ‌من‌ ماء مهين ثم سواه ‌و‌ نفخ فيه روحه»، ‌و‌ كذلك قال ‌فى‌ ‌حق‌ روح عيسى عليه السلام: «فنفخنا فيه ‌من‌ روحنا»، فكانت النفخه لجبرئيل ‌و‌ الروح
 
من روح النبى صلى الله عليه ‌و‌ آله المضاف الى الحضره الالهيه، ‌و‌ لاجل كون حقيقه الروح على هذه المنزله ‌و‌ الشرف، قصرت افهام الناس ‌و‌ تلاشت العقول ‌من‌ دركها، كما تتلاشى انوار الابصار ‌فى‌ شعاع الشمس، ‌و‌ لهذا قال تعالى «و ‌ما‌ اوتيتم ‌من‌ العلم الا قليلا»، فافهم هذا المقال فانه مدرك عزيز المنال، انتهى كلامه.
 قوله عليه السلام: «و اخصصهم بافضل صلواتك» ‌من‌ خصه بكذا خصوصا- ‌من‌ باب قعد-: اذا جعله له دون غيره، كاختصه ‌به‌ اختصاصا، ‌و‌ خصصه ‌به‌ بالتثقيل: للمبالغه.
 قال كثير ‌من‌ العلماء: الاصل ‌فى‌ لفظ الخصوص ‌و‌ ‌ما‌ يتفرع منه ‌ان‌ يستعمل بادخال الباء على المقصور عليه، فيقال: خص المال بزيد اى: جعل المال له دون غيره، هذا ‌هو‌ الاستعمال العربى الذى يسبق الى فهمهم، لكن شاع ‌فى‌ العرف ادخال الباء على المقصور، كما وقع ‌فى‌ عباره الدعاء، ‌و‌ ذلك، اما بناء على جعل الخصوص مجازا عن التمييز مشهورا ‌فى‌ العرف، ‌او‌ على تضمينه معنى التمييز ‌و‌ الافراد فيلاحظ المعنيان معا، ‌و‌ حاصله يرجع الى ملاحظه معنى التمييز، لان خصوص شى ء بشى ء ‌فى‌ قوه تمييز الاخر به، ‌و‌ ابى بعضهم الا هذا الاستعمال ‌و‌ شدد النكير على ‌من‌ خالفه.
 ‌و‌ الصلاه ‌من‌ الله تعالى: الرحمه، ‌و‌ جمعها للتنبيه على كثرتها ‌و‌ تنوعها، ‌و‌ الجمع بينها ‌و‌ بين الرحمه للمبالغه، كما ‌فى‌ قوله تعالى: «رافه ‌و‌ رحمه»، ‌و‌ «رووف رحيم».
 ‌و‌ بركاته تعالى: خيراته الناميه المتكاثره.
 ‌و‌ السلام: اسم ‌من‌ سلم عليه تسليما، ‌و‌ بمعنى السلامه ‌من‌ المكاره، فقوله عليه
 
السلام: «و سلامك» اما بمعنى تحيتك اى: تسليمك عليه، ‌او‌ بمعنى سلامتك، ‌و‌ الاضافه للفاعل.
 
اى: ميزهما ‌و‌ فضلهما، ‌و‌ توسيط النداء بين الفعل ‌و‌ مفعوله لابراز مزيد الضراعه.
 ‌و‌ الكرامه: ‌من‌ الاكرام.
 قال الجوهرى: التكريم ‌و‌ الاكرام بمعنى، ‌و‌ الاسم منه الكرامه.
 ‌و‌ لديك ‌و‌ منك: متعلقان بمحذوفين حالين ‌من‌ الكرامه ‌و‌ الصلاه، اى: بالكرامه كائنه لديك ‌و‌ الصلاه كائنه منك.
 ‌و‌ الغرض كمال علو مرتبه الكرامه ‌و‌ الصلاه المطلوبتين لهما ‌و‌ تكرير النداء للتضرع، ‌و‌ اظهار الخشوع، ‌و‌ الالحاح ‌فى‌ الدعاء، ‌و‌ المبالغه ‌فى‌ الاستدعاء.
 ‌و‌ لذلك ناداه اولا: بوصف الالوهيه الجامعه لجميع الكمالات.
 ‌و‌ ثانيا: بوصف الرحمه الفائقه على كل رحمه.
 
الهمه الله خيرا: لقنه اياه ‌و‌ القاه ‌فى‌ روعه.
 ‌و‌ قال ابن الاثير: الالهام ‌ان‌ يلقى الله ‌فى‌ النفس امرا يبعثه على الفعل ‌او‌ الترك، ‌و‌ ‌هو‌ نوع ‌من‌ الوحى يخص الله ‌به‌ ‌من‌ يشاء ‌من‌ عباده.
 
و قوله عليه السلام «الهاما» مصدر موكد لعامله، اى: الهاما تاما، ‌و‌ التمام: نقيض النقصان، قيل: ‌هو‌ مصدر.
 قال ‌فى‌ القاموس: تم يتم تما ‌و‌ تماما مثلثتين.
 ‌و‌ قيل: اسم ‌من‌ اتممت الشى ء.
 قال الفيومى: يقال: اتمتمه، ‌و‌ الاسم التمام بالفتح.
 فهو اما مصدر موكد لمحذوف ‌هو‌ حال ‌من‌ العلم، اى: يتم تماما، ‌او‌ اسم انيب مناب المصدر موكد ‌لا‌ جمع على غير لفظه، كانه قيل: ‌و‌ اتم لى علم ذلك كله تماما نحو اغتسل غسلا، ‌و‌ الاصل اتماما ‌و‌ اغتسالا، ‌او‌ مصدر بمعنى المفعول منصوب على الحاليه اى: متمما، ‌او‌ مفعول له اى: لاجل التمام.
 ‌و‌ ثم: للترتيب، لان العمل بعد العلم.
 ‌و‌ استعملنى: ‌اى‌ اجعلنى عاملا.
 ‌و‌ «من» ‌فى‌ قوله عليه السلام «منه» للتبيين، ‌و‌ مثلها قوله: «من علمه».
 ‌و‌ مفعول تلهمنى ‌و‌ تبصرنى محذوف، اى: تلهمنيه ‌و‌ تبصرنى به، ‌و‌ حذفه ‌فى‌ ذلك مطرد بكثره كما مر مرارا.
 ‌و‌ النفوذ ‌فى‌ الامر: المضى فيه.
 ‌و‌ بصرته بالامر تبصيرا فبصر به: اذا اعلمته اياه فعلمه، ‌و‌ ‌هو‌ ‌من‌ البصيره، ‌و‌ اما بصرته الشى ء فابصره فهو بمعنى اريته اياه فرآه، فهو ‌من‌ البصر.
 ‌و‌ حتى: بمعنى ‌كى‌ التعليليه، اى: كيلا يفوتنى استعمال شى ء ‌و‌ الاستعمال هنا: بمعنى العمل بالشى ء يقال: استعمله اذا جعله عاملا، ‌و‌ استعمله اذا عمل به.
 ‌و‌ جمله علمتنيه: ‌فى‌ محل جر صفه لشى ء.
 
و الاركان: جمع ركن بالضم ‌و‌ ‌هو‌ جانب الشى ء ‌و‌ المراد بها هنا الجوارح.
 قال ابن الاثير ‌فى‌ النهايه ‌فى‌ حديث الحساب: ‌و‌ يقال لاركانه: انطقى اى: جوارحه، ‌و‌ اركان كل شى ء: جوانبه التى يستند اليها ‌و‌ يقوم بها، انتهى.
 ‌و‌ ثقل الاركان عباره عن فتور الجوارح ‌و‌ عدم نهوضها للعمل.
 ‌و‌ ‌فى‌ القاموس: تثاقل عنه: ثقل ‌و‌ تباطا.
 ‌و‌ الحفوف: يروى بالحاء المهمله، فيكون بمعنى الخدمه.
 قال ‌فى‌ الكنز: الحفوف «خدمت كردن».
 ‌و‌ ‌به‌ فسر بعضهم المثل: ‌من‌ حفنا ‌او‌ رفنا فليقتصد.
 قال الميدانى ‌فى‌ مجمع الامثال: يقال: ‌من‌ حفنا اى: ‌من‌ خدمنا ‌و‌ تعطف علينا، ‌و‌ رفنا اى: حاطنا، ‌و‌ يقال: مالفلان حاف ‌و‌ ‌لا‌ راف، ‌و‌ ذهب ‌من‌ كان يحفه ‌و‌ يرفه، اى: يخدمه ‌و‌ يحوطه، انتهى.
 ‌و‌ يروى بالخاء المعجمه بمعنى الخفه، ‌و‌ منه حديث: قد حان منى خفوف، اى: عجله ‌و‌ سرعه مسير.
 ‌و‌ ‌فى‌ روايه بقافين بعد الحاء المهمله جمع حق.
 ‌و‌ لما كانت حقوق الوالدين ‌و‌ ‌ما‌ يجب لهما على الولد حيين ‌و‌ ميتين اكثر ‌من‌ ‌ان‌ يحيط بها علم الانسان، كان مدار هذا الفصل ‌من‌ الدعاء سواله عليه السلام ‌ان‌ يلهمه سبحانه ‌و‌ يعلمه جميع ذلك، ثم يوفقه للقيام به.
 روى ثقه الاسلام ‌فى‌ الكافى بسند صحيح عن ابى ولاد الحناط، قال: سالت اباعبدالله عليه السلام عن قول الله ‌عز‌ ‌و‌ جل: «و بالوالدين احسانا» ‌ما‌ هذا
 
الاحسان؟ فقال: الاحسان ‌ان‌ تحسن صحبتهما، ‌و‌ ‌ان‌ ‌لا‌ تكلفهما ‌ان‌ يسالاك شيئا مما يحتاجان اليه ‌و‌ ‌ان‌ كانا مستغنيين، اليس يقول الله ‌عز‌ ‌و‌ جل: «لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون»؟ قال: ثم قال ابوعبدالله عليه السلام: ‌و‌ اما قول الله ‌عز‌ ‌و‌ جل: «اما يبلغن عندك الكبر احدهما ‌او‌ كلاهما فلا تقل لهما اف ‌و‌ ‌لا‌ تنهرهما»، قال: ‌ان‌ اضجراك فلا تقل لهما اف، ‌و‌ ‌لا‌ تنهرهما ‌ان‌ ضرباك، قال: «و ‌قل‌ لهما قولا كريما»، قال: ‌ان‌ ضرباك فقل لهما: غفر الله لكما، فذلك منك قول كريم، قال: «و اخفض لهما جناح الذل ‌من‌ الرحمه»، قال: ‌لا‌ تملا عينيك ‌من‌ النظر اليهما الا برحمه ورقه، ‌و‌ ‌لا‌ ترفع صوتك فوق اصواتهما ‌و‌ ‌لا‌ يدك فوق ايديهما، ‌و‌ ‌لا‌ تقدم قدامهما.
 ‌و‌ عن معاذ ‌بن‌ جبل قال: بلغنا ‌ان‌ الله تعالى كلم موسى عليه السلام ثلاثه آلاف ‌و‌ خمسمائه مره، ‌و‌ كان آخر كلامه. ‌يا‌ رب اوصنى، قال: اوصيك بامك حتى قال سبع مرات، ثم قال: ‌يا‌ موسى الا ‌ان‌ رضاها رضاى ‌و‌ سخطها سخطى.
 ‌و‌ عن ابى عبدالله عليه السلام قال: اتى رجل رسول الله صلى الله عليه ‌و‌ آله، فقال: ‌يا‌ رسول الله انى راغب ‌فى‌ الجهاد نشيط، قال: فقال له النبى صلى الله عليه ‌و‌ آله ‌و‌ سلم: فجاهد ‌فى‌ سبيل الله، فانك ‌ان‌ تقتل تكن حيا عند الله ترزق، ‌و‌ ‌ان‌ تمت فقد وقع اجرك على الله ‌و‌ ‌ان‌ رجعت رجعت ‌من‌ الذنوب كما ولدت، قال: ‌يا‌ رسول الله ‌ان‌ لى ‌و‌ الدين كبيرين يزعمان انهما يانسان ‌بى‌ ‌و‌ يكرهان خروجى، فقال رسول الله صلى الله عليه ‌و‌ آله: فقر مع والديك، فوالذى نفسى بيده لانسهما بك يوما ‌و‌ ليله خير ‌من‌ جهاد سنه.
 ‌و‌ قد دلت هذه الاخبار على ‌ان‌ اكثر حقوق الوالدين ‌و‌ برهما كما يجب، مما
 
لا يعلمه الا الله ‌او‌ ‌من‌ علمه الله، ‌و‌ الله اعلم.
 
 تبصره
 
 قال شيخنا الشهيد محمد ‌بن‌ مكى ‌فى‌ قواعد الاصول: ‌لا‌ ريب ‌ان‌ كل ‌ما‌ يحرم ‌او‌ يجب للاجانب يحرم ‌او‌ يجب للابوين، ‌و‌ ينفردان بامور:
 الاول: تحريم السفر المباح بغير اذنهما، ‌و‌ كذا السفر المندوب.
 ‌و‌ قيل: يجوز سفر التجاره ‌و‌ طلب العلم، اذا لم يمكن استيفاء التجاره ‌و‌ العلم ‌فى‌ بلدهما.
 الثانى: قال بعضهم: يجب طاعتهما ‌فى‌ فعل ‌و‌ ‌ان‌ كان شبهه، فلو امراه بالاكل معهما ‌من‌ مال يعتقده شبهه اكل، لان طاعتهما واجبه ‌و‌ ترك الشبهه مستحبه.
 الثالث: لو دعواه الى فعل ‌و‌ قد حضرت الصلاه، فليوخر الصلاه ‌و‌ ليطعهما، لما قلناه.
 الرابع: هل لهما منعه ‌من‌ الصلاه جماعه؟ الاقرب انه ليس لهما منعه مطلقا، بل ‌فى‌ بعض الاحيان بما يشق عليهما مخالفته، كالسعى ‌فى‌ ظلمه الليل الى العشاء ‌و‌ الصبح.
 الخامس: لهما منعه ‌من‌ الجهاد مع عدم التعيين، لما صح ‌ان‌ رجلا قال: ‌يا‌ رسول الله ابايعك على الهجره ‌و‌ الجهاد، فقال: هل ‌من‌ والديك احد؟ قال: نعم كلاهما، قال: افتبتغى الاجر ‌من‌ الله؟ قال: نعم، قال: فارجع الى والديك فاحسن صحبتهما.
 السادس: الاقرب ‌ان‌ لهما منعه ‌من‌ فرض الكفايه اذا علم قيام الغير ‌او‌ ظن، لانه يكون حينئذ كالجهاد الممنوع منه.
 السابع: قال بعض العلماء: لو دعواه ‌فى‌ صلاه نافله قطعها، لما صح عن رسول الله
 
صلى الله عليه ‌و‌ آله: ‌ان‌ امراه نادت ابنها ‌و‌ ‌هو‌ ‌فى‌ صومعه، قالت: ‌يا‌ جريح، فقال: اللهم امى ‌و‌ صلاتى، ‌و‌ قالت: ‌يا‌ جريح، فقال: اللهم امى ‌و‌ صلاتى، فقالت: ‌لا‌ تموت حتى تنظر ‌فى‌ وجوه المومسات.
 ‌و‌ ‌فى‌ بعض الروايات انه صلى الله عليه ‌و‌ آله قال: لو كان جريح فقيها لعلم ‌ان‌ اجابه امه افضل ‌من‌ صلاته.
 ‌و‌ هذا الحديث يدل على قطع النافله لاجلهما، ‌و‌ يدل بطريق الاولى على تحريم السفر، لان غيبه الوجه فيه اعظم، ‌و‌ هى كانت تريد منه النظر اليها ‌و‌ الاقبال عليها.
 الثامن: ‌كف‌ الاذى عنهما ‌و‌ ‌ان‌ كان قليلا، بحيث ‌لا‌ يوصله الولد اليهما ‌و‌ يمنع غيره ‌من‌ ايصاله بحسب طاقته.
 التاسع: ترك الصوم ندبا الا باذن الاب، ‌و‌ لم اقف على نص ‌فى‌ الام.
 العاشر: ترك اليمين ‌و‌ العهد الا باذنه ايضا، ‌ما‌ لم يكن ‌فى‌ فعل واجب ‌او‌ ترك محرم. ‌و‌ لم نقف ‌فى‌ النذر على نص خاص، الا ‌ان‌ يقال: ‌هو‌ يمين يدخل ‌فى‌ النهى عن اليمين الا باذنه.
 
 تتمه
 
 ‌بر‌ الوالدين ‌لا‌ يتوقف على الاسلام، لقوله تعالى: «و وصينا الانسان بوالديه حسنا»، «و ‌ان‌ جاهداك على ‌ان‌ تشرك ‌بى‌ ‌ما‌ ليس لك ‌به‌ علم فلا تطعهما ‌و‌ صاحبهما ‌فى‌ الدنيا معروفا» ‌و‌ ‌هو‌ نص، ‌و‌ فيه دلاله على مخالفتهما ‌فى‌ الامر بالمعصيه.
 
و ‌هو‌ كقوله عليه السلام: ‌لا‌ طاعه لمخلوق ‌فى‌ معصيه الخالق.
 
الكاف ‌فى‌ الموضعين: للتعليل عند المثبتين له.
 ‌و‌ ما: مصدريه، اى: لتشريفك ايانا ‌به‌ ‌و‌ ‌لا‌ يجابك لنا الحق على الخلق بسببه، ‌و‌ منه عندهم قوله تعالى: «و اذكروه كما هديكم» اى: لهدايته اياكم.
 ‌و‌ نفى الاكثرون ورود الكاف للتعليل، ‌و‌ قالوا: هى ‌فى‌ ذلك ‌و‌ نحوه للتشبيه.
 ‌و‌ ما: اما مصدريه، فالكاف ‌و‌ مجرورها ‌فى‌ محل نصب نعت لمصدر محذوف، ‌و‌ التقدير ‌فى‌ قوله: «كما ‌شر‌ فتنا به»: صل على محمد ‌و‌ آله صلاه مماثله لتشريفك ايانا به، اى: تكون جزاء لتشريفك ايانا به، ‌و‌ قس عليه ‌ما‌ بعده ‌و‌ نحوه.
 ‌و‌ اما كافه ‌لا‌ محل لها ‌من‌ الاعراب، لان الكاف حينئذ ليست بجاره، بل لمجرد تشبيه مضمون الجمله بالجمله، ‌و‌ لذا ‌لا‌ تطلب فعلا عاملا يفضى معناه الى مدخولها. نص عليه الرضى.
 قال ابن هشام ‌فى‌ المغنى: ‌و‌ فيه اخراج الكاف عما يثبت لها ‌من‌ عمل الجر ‌من‌ غير مقتض ‌و‌ ‌هو‌ ‌فى‌ محله.
 ‌و‌ قد تقدم الكلام على هذه الكاف بابسط ‌من‌ هذا ‌فى‌ الروضه الثانيه، عند قوله عليه السلام: «كما نصب لامرك نفسه»، فليرجع اليه.
 ‌و‌ اعلم ‌ان‌ الضمير ‌فى‌ قوله عليه السلام: «كما شرفتنا به» «و اوجبت لنا الحق على
 
 
الخلق بسببه» اما ‌ان‌ يكون المراد ‌به‌ مطلق المسلمين، فتشريفهم ‌به‌ ‌ما‌ نالوه ‌به‌ ‌من‌ شرف الاسلام ‌و‌ شرف الذكر، الى غير ذلك، ‌و‌ ايجابه لهم الحق على الخلق بسببه ‌ما‌ اوجبه تعالى ‌من‌ حقوق المسلمين بعضهم على بعض.
 روى رئيس المحدثين ‌فى‌ الفقيه قال: قال رسول الله صلى الله عليه ‌و‌ آله: للمومن على المومن سبع حقوق واجبه ‌من‌ الله تعالى عليه: الاجلال ‌فى‌ عينه، ‌و‌ الودله ‌فى‌ صدره، ‌و‌ المواساه له ‌فى‌ ماله، ‌و‌ ‌ان‌ يحرم غيبته، ‌و‌ ‌ان‌ يعوده ‌فى‌ مرضه، ‌و‌ ‌ان‌ يشيع جنازته، ‌و‌ ‌ان‌ ‌لا‌ يقول فيه بعد موته الا خيرا.
 ‌و‌ عن ابى عبدالله عليه السلام: ‌ما‌ اعظم ‌حق‌ المسلم على اخيه المسلم.
 ‌و‌ سئل عليه السلام عن ‌حق‌ المسلم على المسلم، فقال له: سبع حقوق واجبات ‌ما‌ منهن ‌حق‌ الا ‌و‌ ‌هو‌ عليه واجب، ‌ان‌ ضيع منها حقا خرج ‌من‌ ولايه الله ‌و‌ طاعته ‌و‌ لم يكن لله فيه نصيب، ثم شرحها عليه السلام، ‌و‌ الحديث مذكور ‌فى‌ الكافى.
 ‌و‌ ‌فى‌ روايه اخرى انه سئل عن ذلك، فقال: سبعون حقا.
 ‌و‌ الاخبار ‌فى‌ هذا المعنى كثيره.
 ‌و‌ اما ‌ان‌ يكون المراد ‌به‌ خصوص الائمه عليهم السلام، فتشريفهم ‌به‌ ‌و‌ ايجابه لهم الحق على الخلق بسببه ظاهر، فان جميع الحقوق التى اوجبها الله سبحانه لرسوله على خلقه اوجبها لهم عليهم السلام، ‌و‌ كفى شاهدا على ذلك قوله تعالى: « اطيعوا الله ‌و‌ اطيعوا الرسول ‌و‌ اولى الامر منكم». ‌و‌ تخصيص بعض المترجمين الحق ‌فى‌ الدعاء بمضمون آيه القربى ‌من‌ ضيق العطن، ‌و‌ الله اعلم.
 
هابه يهابه- ‌من‌ باب تعب- هيبه: حذره.
 ‌و‌ قال ابن فارس: الهيبه: الاجلال، فالفاعل هائب ‌و‌ المفعول مهيوب ‌و‌ مهيب ايضا، ‌و‌ يهيبه- ‌من‌ باب ضرب- لغه، ‌و‌ تهيبته: خفته، ‌و‌ تهيبنى افزعنى.
 ‌و‌ ‌فى‌ النهايه: يقال: هاب الشى ء يها ‌به‌ اذا خافه ‌و‌ اذا عظمه ‌و‌ وقره.
 ‌و‌ العسوف: الظلوم.
 قال ابن الاثير ‌فى‌ النهايه: ‌لا‌ تبلغ شفاعتى اماما عسوفا، اى: جائرا ظلوما، ‌و‌ العسف ‌فى‌ الاصل ‌ان‌ ياخذ المسافر على غير طريق ‌و‌ ‌لا‌ جاده ‌و‌ ‌لا‌ علم.
 ‌و‌ قيل: ‌هو‌ ركوب الامر ‌من‌ غير رويه، فنقل الى الظلم ‌و‌ الجور، انتهى.
 قال الفيومى ‌فى‌ المصباح: عسفه عسفا- ‌من‌ باب ضرب-: اخذه بقوه ‌و‌ الفاعل عسوف.
 ‌و‌ الاضافه ‌فى‌ هيبه السلطان ‌من‌ اضافه المصدر الى المفعول، اذ المصدر هنا ‌من‌ المبنى للمفعول، اى: كما يهاب السلطان العسوف، ‌و‌ انما استغنى عن ذكر ‌من‌ يهابه لانه ظاهر غير ملتبس.
 ‌و‌ يجوز ‌ان‌ يكون ‌من‌ المبنى للفاعل مضافا الى المفعول ‌فى‌ اللفظ، ‌و‌ ‌هو‌ ‌فى‌ التقدير
 
مضاف الى الفاعل، ‌و‌ تقديره: هيبه الرعيه السلطان العسوف، كقوله تعالى: «يحبونهم كحب الله» اى: كما يحب الله ‌او‌ كحب المومنين الله، هذا.
 ‌و‌ مقتضى الظاهر ‌ان‌ يقال: هيبه الرعيه للسلطان العسوف، لان المشبه ‌هو‌ المصدر المبنى للفاعل، اعنى هائبيته، ‌لا‌ ‌من‌ المبنى للمفعول اعنى مهيبته والديه حتى تشبه بمهيبيه السلطان، فلعله اراد التشبيه فيهما ‌و‌ لكنه ‌او‌ ‌جز‌ النظم، فذكر ‌فى‌ جانب المشبه الهابيته، ‌و‌ ‌فى‌ جانب المشبه ‌به‌ المهيبيه، ‌و‌ اكتفى بما ذكر ‌فى‌ كل موضع عما ترك ‌فى‌ الموضع الاخر، ‌و‌ هذا الاسلوب يسمى الاحتباك ‌فى‌ علم البديع، ‌و‌ قد بسطت القول فيه ‌فى‌ شرح ‌بد‌ يعيتى، المسمى بانوار الربيع ‌فى‌ انواع البديع، فليرجع اليه.
 ‌و‌ ‌بر‌ الوالدين: احسان الطاعه اليهما، ‌و‌ الرفق بهما، ‌و‌ تحرى محابهما، ‌و‌ توقى مكارهما.
 يقال: بررت ‌و‌ الدى ابره- ‌من‌ باب علم- برا ‌و‌ برورا.
 ‌و‌ الرووف: فعول ‌من‌ الرافه ‌و‌ هى اشد الرحمه، ‌و‌ ‌هو‌ مشترك الوزن بين المذكر ‌و‌ المونث.
 
قال ‌فى‌ البارع: اذا كان فعول بمعنى فاعل استوى فيه المذكر ‌و‌ المونث، فلا يونث بالهاء سوى عدو فيقال: عدوه.
 ‌و‌ كل ‌من‌ هيبه السلطان ‌و‌ ‌بر‌ الام مفعول مطلق مبين للنوع، الا انه ‌فى‌ الاول مضاف الى المفعول كما عرفت، ‌و‌ ‌فى‌ الثانى مضاف الى الفاعل، اى: ‌بر‌ الام الرووف لولدها.
 ‌و‌ الطاعه: اسم ‌من‌ اطاعه اطاعه، اى: انقاد له.
 ‌و‌ اللام ‌فى‌ قوله: «لوالدى»: للتقويه، نحو: كلامى لزيد حسن، ‌و‌ انما قال: لوالدى ‌و‌ لم يقل: لهما، فوضع الظاهر موضع المضمر، للايذان بفخامه مضمون الجمله ‌و‌ اظهار مزيد البر بهما، ‌و‌ تعديه البر بالباء لتضمينه معنى الرفق، ‌و‌ الا فهو متعد بنفسه كما علمت.
 ‌و‌ قرت العين- ‌من‌ بابى ضرب ‌و‌ تعب- قره بالضم ‌و‌ قرورا: بردت سرورا، ‌من‌ القر بالضم ‌و‌ ‌هو‌ البرد، فهو كنايه عن السرور.
 ‌و‌ قيل: ‌اى‌ سكنت ببلوغ منيتها ‌من‌ القرار، فهو كنايه عن الفوز بالمراد.
 ‌و‌ يرجح الاول قولهم: سخنت عينه، ‌فى‌ نقيض قرت عينه.
 قال المفضل: ‌فى‌ قره العين ثلاثه اقوال:
 احدها: برد دمعها، لانه دليل السرور ‌و‌ الضحك، كما ‌ان‌ حره دليل الغم ‌و‌ الحزن.
 ‌و‌ الثانى: نومها، لانه يكون مع فراغ الخاطر ‌و‌ ذهاب الحزن.
 الثالث: حصول الرضا فلا تطمح لشى ء آخر.
 ‌و‌ قد تقدم الكلام على ذلك مبسوطا ‌فى‌ الروضه الاولى، عند قوله عليه السلام:
 
«حمدا تقر ‌به‌ عيوننا اذا برقت الابصار»، فليرجع اليه.
 ‌و‌ الرقده: فعله ‌من‌ الرقود ‌و‌ ‌هو‌ النوم، ليلا كان ‌او‌ نهارا، ‌و‌ بعضهم يخصه بنوم الليل، ‌و‌ الاول ‌هو‌ الحق، ‌و‌ يشهد له المطابقه ‌فى‌ قوله تعالى: «و تحسبهم ايقاظا ‌و‌ ‌هم‌ رقود».
 قال المفسرون: «اذا رايتهم حسبتهم ايقاظا» لان اعينهم مفتحه ‌و‌ ‌هم‌ نيام.
 ‌و‌ رجل ‌و‌ سنان ‌و‌ امراه ‌و‌ سنى اى: بهما سنه ‌و‌ هى النعاس. ‌و‌ فاوها محذوفه، ‌و‌ الاصل ‌و‌ سن بالتحريك، حذفت الفاء ‌و‌ عوض عنها الهاء.
 ‌و‌ انما خص رقده الوسنان، لان ‌من‌ ملكته السنه ‌لا‌ يكون اقر لعينه ‌و‌ ‌لا‌ اهم اليه ‌من‌ النوم.
 ‌و‌ ثلوج الصدر، برده ‌و‌ بل غلته.
 يقال: ثلج صدره ثلوجا ‌و‌ ثلجا محركا- ‌من‌ باب قعد ‌و‌ تعب- ‌و‌ ‌هو‌ ماخوذ ‌من‌ الثلج، ‌و‌ ‌هو‌ صغائر القطر التى تجمد ‌فى‌ حال الغيم ‌و‌ يلتزق بعضها ببعض ‌و‌ تنزل بالرفق.
 قال الزمخشرى ‌فى‌ الاساس: ثلجت نفسه بكذا: بردت ‌و‌ سرت، ‌و‌ اثلجت صدرى بخيرك، قال الشاعر:
 فقرت بهم عينى ‌و‌ افنيت جمعهم
 ‌و‌ اثلجت لما ‌ان‌ قتلتهم صدرى
 انتهى.
 ‌و‌ قال صاحب كتاب المجتبى: ثلج صدرك اى: سررت، فجعل كنايه عن
 
السرور، ‌و‌ اصله ‌ما‌ ذكرناه.
 ‌و‌ الشربه: المره الواحده ‌من‌ الشرب، ‌و‌ ‌من‌ الماء: ‌ما‌ يشرب مره.
 قال الفارابى ‌فى‌ ديوان الادب: يقال: هل عندك شربه ماء اى: ‌ما‌ يشرب منه مره.
 ‌و‌ الظمان: العطشان، ظمى ظما مهموز مثل عطش عطشا وزنا ‌و‌ معنى، ‌و‌ هى ظماى مثل عطشان ‌و‌ عطشى.
 ‌و‌ قيل: الظما: اشد العطش، ‌و‌ ‌هو‌ الانسب هنا.
 ‌و‌ ‌فى‌ اقر ‌و‌ اثلج ‌من‌ عباره الدعاء شاهد على جواز بناء اسم التفضيل ‌من‌ افعل مع كونه ذا زياده، ‌و‌ ‌هو‌ قياس عند سيبويه.
 قال الرضى ‌و‌ غيره: ‌و‌ يويده كثره السماء، كقولهم: ‌هو‌ اعطاهم للمال، ‌و‌ اولاهم للمعروف، ‌و‌ اكرمهم للضيف.
 ‌و‌ آثرت هذا على ذاك بالمد ايثارا: فضلته ‌و‌ رجحته.
 ‌و‌ الهوى: اراده النفس، ‌و‌ يكون ‌فى‌ الخير ‌و‌ الشر، كما نص عليه المحققون ‌من‌ ائمه اللغه، خلافا لمن خصه بالشر.
 ‌و‌ تقديم كل ‌من‌ المجرورين على المفعول الصريح ‌فى‌ الفقرتين، لاظهار الرغبه ‌فى‌ الموخر بتقديم احواله، فان تاخير ‌ما‌ حقه التقديم عما ‌هو‌ ‌من‌ احواله المرغبه فيه، كما يورث شوق السامع الى وروده، ينبى عن كمال رغبه المتكلم فيه ‌و‌ اعتنائه بحصوله ‌لا‌ محاله.
 ‌و‌ استكثرت الشى ء: عددته كثيرا، ‌و‌ نقيضه استقللته اى: عددته قليلا.
 
و «ان» ‌من‌ قوله: «و ‌ان‌ ‌قل‌ ‌و‌ ‌ان‌ كثر»: وصليتان، ‌و‌ قد استوفينا عليها الكلام ‌فى‌ الرياض السابقه، ‌و‌ الله اعلم.
 ‌و‌ الغرض ‌من‌ استكثار برهما ‌به‌ ‌و‌ ‌ان‌ قل، ‌و‌ استقلال بره بهما ‌و‌ ‌ان‌ كثر، استعظام برهما به، ليزداد رغبته ‌فى‌ محبتهما ‌و‌ طاعتهما، ‌و‌ ‌لا‌ يقصر ‌فى‌ شكرهما ‌و‌ القيام بحقوقهما، ‌و‌ ليجهد نفسه ‌فى‌ مزيد بره بهما اذا رآه قليلا، فلا يكتفى ‌و‌ يقتصر على ‌ما‌ كان ‌من‌ بره بهما ‌و‌ ‌ان‌ كان ‌فى‌ نفسه كثيرا ‌و‌ الله اعلم.
 
خفض الرجل صوته خفضا- ‌من‌ باب ضرب-: غضه ‌و‌ لم يجهر به، ‌و‌ خفضه تخفيضا بالتثقيل: للمبالغه. اى: وفقنى لرعايه الادب معهما حتى اذا خاطبتهما خفضت صوتى لهما، كما ‌هو‌ الداب عند مخاطبه المهيب المعظم، ‌و‌ حفظا على مراعاه ابهه الابوه ‌و‌ جلاله مقدارها، فان رفع الصوت ‌و‌ الجهر ‌به‌ عند الخطاب خارج عن قانون الادب، منبى عن عدم التوقير ‌و‌ الاجلال، ‌و‌ ‌لا‌ سيما ‌فى‌ ‌حق‌ الوالدين.
 ‌و‌ عن الصادق عليه السلام ‌فى‌ قوله تعالى: «و اخفض لهما جناح الذل ‌من‌ الرحمه»، قال: ‌لا‌ تملا عينك ‌من‌ النظر اليهما الا برحمه ‌و‌ رافه، ‌و‌ ‌لا‌ ترفع صوتك فوق اصواتهما ‌و‌ ‌لا‌ يدك فوق ايديهما، ‌و‌ ‌لا‌ تقدم قدامهما.
 ‌و‌ اطاب الشى ء طيبه اى: جعله طيبا، ‌و‌ الطيب: الحسن الجيد ‌من‌ كل شى ء.
 ‌و‌ قال الشهاب الفيومى: ‌و‌ الطيبات ‌من‌ الكلام: افضله ‌و‌ احسنه.
 اى: وفقنى لان اطيب لهما كلامى، ‌و‌ فيه اشاره الى قوله تعالى: «و ‌قل‌ لهما قولا كريما».
 
قال امين الاسلام الطبرسى: ‌اى‌ خاطبهما بقول رفيق لطيف حسن جميل، بعيد عن اللغو ‌و‌ القبيح، يكون فيه كرامه لهما، ‌و‌ يدل على كرامه المقول له على القائل.
 ‌و‌ قيل: ‌اى‌ جميلا مشتملا على حسن الادب، ‌و‌ رعايه دقائق المروه ‌و‌ الحياء ‌و‌ الاحتشام.
 ‌و‌ قيل: القول الكريم ‌ان‌ يقول لهما: ‌يا‌ ابتاه ‌يا‌ اماه دون ‌ان‌ يسميهما باسمهما.
 ‌و‌ رجل لين العريكه: اذا كان سلسا مطاوعا منقادا قليل الخلاف ‌و‌ النفور.
 ‌و‌ قيل: العريكه: الطبيعه، ‌و‌ قيل: الخلق، ‌و‌ قيل: النفس.
 قال ‌فى‌ المحكم: رجل لين العريكه اى: لين الخلق سلسه، ‌و‌ العريكه: النفس، ‌و‌ يقال: انه لصعب العريكه ‌و‌ سهل العريكه، اى: النفس، انتهى.
 ‌و‌ قال الزمخشرى ‌فى‌ الاساس: فلان لين العريكه اذا كان سلسا، ‌و‌ اصله ‌فى‌ البعير، ‌و‌ العريكه: السنام
 قال صاحب المحكم: انما سمى السنام عريكه، لان المشترى يعرك ذلك الموضع ليعرف سمنه ‌و‌ قوته، انتهى.
 ‌و‌ على هذا، فلين العريكه استعاره لسلاسه الطبيعه ‌و‌ انقيادها، كما مر بيانه ‌فى‌ الروضه العشرين.
 ‌و‌ عطف عليه عطفا: اشفق ‌و‌ تحنن، ‌و‌ عطفه الله عليه اى: جعله مشفقا عليه. اى: اجعل قلبى عاطفا عليهما مشفقا متحننا.
 ‌و‌ الرفق: اللطف، رفق ‌به‌ يرفق- ‌من‌ باب قتل- فهو رفيق.
 
و اشفق عليه اشفاقا: رق له ‌و‌ رحمه، ‌و‌ الاسم الشفقه بالتحريك. ‌و‌ ‌فى‌ القاموس: الشفقه: حرص الناصح على صلاح المنصوح.
 ‌و‌ قال ‌فى‌ الاساس: لى عليه شفقه ‌و‌ شفق: رحمه ‌و‌ رقه ‌و‌ خوف ‌من‌ حلول المكروه ‌به‌ مع نصح، ‌و‌ اشفقت عليه ‌ان‌ يناله مكروه، ‌و‌ انا مشفق عليه ‌و‌ شفيق ‌و‌ شفق.
 ‌و‌ تقديم المجرور على المفعول ‌فى‌ الفقرات كلها، لاظهار الاعتناء ‌به‌ ‌و‌ ابراز الرغبه ‌فى‌ الموخر بتقديم احواله، كما مربيانه.
 
الشكر ‌من‌ الله ‌عز‌ ‌و‌ جل: مجازاته على يسير الطاعات بجليل المثوبات.
 ‌و‌ قيل: ثناوه على ‌من‌ اطاعه.
 ‌و‌ قال ‌فى‌ النهايه: ‌فى‌ اسمائه تعالى الشكور، ‌و‌ ‌هو‌ الذى يزكو عنده القليل ‌من‌ اعمال العباد فيضاعف لهم الجزاء، فشكره لعباده مغفرته لهم، انتهى.
 قال بعضهم: لما كان تعالى مجازيا للمطيع على طاعته بجزيل ثوابه، جعل مجازاته لهم شكرا على طريق المجاز، كما سميت المكافاه مكرا.
 ‌و‌ المعنى: اجزهما على تربيتى عظيم الجزاء.
 قالوا: ‌و‌ الاكثر ‌فى‌ الشكر ‌ان‌ يتعدى باللام، فيقال: شكرت له، ‌و‌ ربما تعدى بنفسه فيقال: شكرته.
 ‌و‌ انكره الاصمعى ‌فى‌ السعه، ‌و‌ قال: بابه الشعر.
 ‌و‌ التحقيق ‌ان‌ الشكر اذا عدى الى المنعم عدى باللام، فيقال: شكرت له، كما قال تعالى: «و اشكروا لى»، ‌و‌ اذا عدى الى النعمه عدى بنفسه، فيقال:
 
شكر النعمه، ‌و‌ قد يجمع بينهما ‌فى‌ الذكر على هذا الوجه، فيقال. شكر له نعمته، ‌و‌ مثله عباره الدعاء، ‌و‌ ربما عدى الى المنعم بنفسه على تقدير مضاف، فيقال: شكر فلانا اى: شكر نعمته.
 قال الزمخشرى ‌فى‌ الاساس: شكر لله نعمته «و اشكروا لى»، ‌و‌ قد يقال: شكرت فلانا يريدون نعمه فلان، ‌و‌ قد جاء زياد الاعجم بهما ‌فى‌ قوله:
 ‌و‌ يشكر تشكر ‌من‌ ضامها
 ‌و‌ يشكر لله ‌لا‌ تشكر
 انتهى كلامه.
 ‌و‌ ربى الصغير يريى- ‌من‌ باب تعب- ‌و‌ ‌فى‌ لغه ربا يربو- ‌من‌ باب علا-: اذا نشا ‌و‌ نما، ‌و‌ يتعدى بالتضعيف فيقال: رباه يربيه تربيه فتربى هو. ‌و‌ عرفوا التربيه بانها تبليغ الشى ء الى كماله شيئا فشيئا.
 ‌و‌ اثابه يثيبه اثابه: جازاه على صنيعه ‌و‌ كافاه به، ‌و‌ الاسم الثواب، ‌و‌ يكون ‌فى‌ الخير ‌و‌ الشر ‌و‌ الاول اكثر.
 ‌و‌ التكرمه بفتح التاء ‌و‌ كسر الراء: اسم ‌من‌ كرمه تكريما بمعنى اكرمه اكراما.
 ‌و‌ ‌فى‌ القاموس: التكرمه: التكريم.
 ‌و‌ حفظت لزيد صنيعه: راعيته ‌و‌ شكرته له ‌و‌ كافاته ‌به‌ ‌و‌ لم انسه. اى: ‌و‌ جازهما على ‌ما‌ صاناه ‌من‌ امرى ‌و‌ قاما ‌به‌ ‌من‌ شانى ‌فى‌ وقت صغرى.
 ‌و‌ ‌فى‌ هذه الفقرات اشاره الى عجز الولد عن القيام بما يجب للوالدين، ‌من‌ الشكر ‌و‌ المكافاه لهما ‌و‌ مجازاته على احسانهما اليه، فتوسل الى القادر على ذلك بان يشكر لهما ‌و‌ يجازيهما عليه.
 ‌و‌ ‌فى‌ الحديث: ‌ان‌ رجلا جاء الى النبى صلى الله عليه ‌و‌ آله، فقال له: ‌يا‌
 
رسول الله ‌ان‌ ابوى بلغا ‌من‌ الكبر، انى الى منهما ‌ما‌ وليا منى ‌فى‌ الصغر، فهل قضيتهما حقهما؟ قال: ‌لا‌ فانهما كانا يفعلان ذلك ‌و‌ هما يحبان بقاءك، ‌و‌ انت تفعل ذلك ‌و‌ تريد موتهما.
 ‌و‌ شكى اليه آخر سوء خلق امه، فقال: لم تكن سيئه الخلق حين حملتك تسعه اشهر، قال: انها سيئه الخلق قال: لم تكن كذلك حين ارضعتك حولين، قال: انها سيئه الخلق، قال: لم تكن كذلك حين اسهرت لك ليلها ‌و‌ اظمات نهارها، قال: لقد جازيتها، قال: ‌ما‌ فعلت؟ قال: حججت بها على عاتقى، قال: ‌ما‌ جازيتها ‌و‌ ‌لا‌ طلقه. ‌و‌ الله اعلم.
 
مسه يمسه- ‌من‌ باب تعب، ‌و‌ ‌فى‌ لغه ‌من‌ باب قتل-: لمسه بيده.
 ‌و‌ قال الفيومى: مسسته: افضيت اليه بيدى ‌من‌ غير حائل، هكذا قيدوه، انتهى.
 ‌و‌ قال البيضاوى: المس: ايصال الشى ء بالبشره بحيث تتاثر الحاسه، ‌و‌ اللمس كالطلب له، ‌و‌ لذلك يقال: المسه فلا اجده، انتهى.
 يعنى ‌ان‌ اللمس ينبى عن اعتبار الطلب معه، سواء كان داخلا ‌فى‌ مفهومه ‌او‌ لازما له، فانه ‌فى‌ الاصل المس باليد، على ‌ما‌ ‌فى‌ الصحاح ‌و‌ القاموس.
 ‌و‌ لعدم الجزم بالدخول اورد الكاف، ‌لا‌ ‌ان‌ معناه مجرد الطلب له على ‌ما‌ توهم، فاورد عليه قوله تعالى: «اولا مستم النساء»، ‌و‌ لاعتبار الطلب ‌فى‌ مفهومه سواء
 
كان داخلا ‌او‌ خارجا، يقال: المسه اى: اطلب مسه فلا اجده، ثم استعير المس للاصابه، ‌و‌ منه قوله تعالى: «ان تمسسكم حسنه».
 قال الزمخشرى ‌فى‌ الكشاف: المس مستعار لمعنى الاصابه.
 ‌و‌ قال ‌فى‌ الاساس: ‌و‌ ‌من‌ المجاز: مسه الكبر ‌و‌ مسه العذاب.
 ‌و‌ من: الاولى للابتداء، ‌و‌ الثانيه للتبيين.
 ‌و‌ الاذى: المكروه اليسير، كذا ‌فى‌ القاموس.
 ‌و‌ قال بعضهم: الاذى مصدر كالاسى، يقال: آذاه يوذيه، ‌و‌ الاذى نوع ‌من‌ الضرر، ‌و‌ ‌هو‌ الضرر اليسير، انتهى.
 ‌و‌ قد يقال: لما كان الاذى عباره عن يسير المكروه ‌و‌ الضرر، ناسب ‌ان‌ يعبر عن الاصابه بالمس المنبى عن ادنى مراتب الاصابه، فان الاصابه اقوى ‌من‌ المس، ‌و‌ ‌ان‌ لم يفرق بينهما صاحب الكشاف، لكن المحققون نصوا على ذلك ‌فى‌ قوله تعالى: « ‌ان‌ تمسسكم حسنه تسوهم ‌و‌ ‌ان‌ تصبكم سيئه يفرحوا بها».
 قالوا: ذكر المس مع الحسنه ‌و‌ الاصابه مع السيئه، للايذان بان مدار مساءتهم ادنى مراتب اصابه الحسنه، ‌و‌ مناط فرحهم تمام اصابه السيئه.
 ‌و‌ قال صاحب الكشف ‌هو‌ السراج الفارسى: التحقيق ‌ان‌ الاصابه اقوى ‌من‌ المس، فالمعنى ‌ان‌ الحسنه ‌اى‌ قدر كان ‌و‌ لو مساسا تسوهم، ‌و‌ اما الفرح بالسوء فلا يكون الا اذا كان بوصول له وقع، لان مقام المبالغه ‌فى‌ الحسد ‌و‌ الغيظ يقتضى ذلك، انتهى.
 قال النظام النيسابورى: ‌و‌ على هذا فلا يبعد ‌ان‌ يقال: التنوين ‌فى‌ حسنه
 
للتقليل، ‌و‌ ‌فى‌ سيئه للتعظيم، انتهى.
 ‌و‌ الخلوص الى الشى ء: الوصول اليه.
 قال ‌فى‌ الاساس: خلص اليهم: وصل، ‌و‌ خلص اليه الحزن ‌و‌ السرور.
 ‌و‌ الفعل ‌من‌ باب قعد.
 ‌و‌ عن: للمجاوزه، اى: متجاوزا ‌و‌ منفصلا عنى، ‌و‌ هذا الموضع يجوز فيه استعمال « من» ‌و‌ «عن».
 قال الرضى: اذا قصدت ب«من» مجرد كون المجرور بها موضعا انفصل عنه الشى ء ‌و‌ خرج منه، ‌لا‌ كونه مبدا لشى ء ممتد، جاز ‌ان‌ يقع موقعها عن، لانها لمجرد التجاوز، تقول: انفصلت منه ‌و‌ عنه، انتهى.
 ‌و‌ حاصل الفقرتين: ‌ما‌ نالهما منى ‌من‌ مكروه يسير ‌او‌ جليل، فيكون التنوين ‌فى‌ مكروه للتعظيم.
 قبلى بكسر القاف ‌و‌ فتح الباء: ‌اى‌ عندى.
 قال الفارابى ‌فى‌ ديوان الادب: يقال لى قبل فلان حق، اى: عنده.
 ‌و‌ الفاء ‌من‌ قوله: «فاجعله»: لربط شبه الجواب بشبه الشرط. ‌و‌ الحطه بالكسر: اسم ‌من‌ حط الله عنه ذنبه.
 قال ‌فى‌ القاموس: استحطه وزره: ساله ‌ان‌ يحطه، ‌و‌ الاسم: الحطه.
 ‌و‌ قال ابن الاثير ‌فى‌ النهايه: فيه ‌من‌ ابتلاه الله ببلاء ‌فى‌ جسده فهو له حطه، اى: يحط عنه خطاياه ‌و‌ ذنوبه، ‌و‌ هى فعله ‌من‌ حط الشى ء يحطه: اذا انزله ‌و‌ القاه، ‌و‌ منه الحديث ‌فى‌ ذكر حطه بنى اسرائيل، ‌و‌ ‌هو‌ قوله تعالى: «و قولوا حطه» اى: قولوا حط
 
عنا ذنوبنا، انتهى.
 اى: اجعله سببا لحط ذنوبهما. ‌و‌ قد تقدم توجيه اعتراف المعصومين عليهم السلام بالذنوب ‌و‌ الاستغفار منها، ‌فى‌ الروضه الثانيه عشره بما ‌لا‌ مزيد عليه، فليرجع اليه.
 ‌و‌ لما كان ابتلاء المومن بالمصائب ‌و‌ المكاره ‌فى‌ هذه الدار، اما حطه لاوزاره ‌او‌ رفعه لمقداره، كما نطقت ‌به‌ مستفيضات الاخبار، سال عليه السلام ‌ان‌ يجعل الله تعالى ‌ما‌ اصاب والديه ‌من‌ قبله ‌من‌ المكاره ‌و‌ نالهما ‌من‌ التقصير ‌من‌ جهته، سببا لخير عائد اليهما، ‌و‌ ‌هو‌ حطه لذنوبهما، ‌و‌ رفعه ‌فى‌ درجتهما ‌و‌ زياده ‌فى‌ حسناتهما، فيكون ‌ما‌ وقع منه ‌من‌ السيئه حسنه له ايضا.
 ‌و‌ لذلك ختم هذا الفصل بقوله عليه السلام: ‌يا‌ مبدل السيئات باضعافها ‌من‌ الحسنات.
 ‌و‌ قد مر شرح هذه الفقره مبسوطا ‌فى‌ آخر الروضه الثانيه، فاغنى عن الاعاده.
 
عدى عليه ‌و‌ تعدى ‌و‌ اعتدى: ظلمه ‌و‌ تجاوز الحد.
 ‌و‌ فى: للظرفيه المجازيه.
 ‌و‌ من: للبيان.
 ‌و‌ اسرف اسرافا: جاوز المقصد، ‌و‌ الاسم السرف بفتحتين.
 
قال الازهرى ‌و‌ غيره: السرف ‌فى‌ الشى ء: مجاوزه الحد المعروف لمثله، انتهى.
 ‌و‌ اكثر ‌ما‌ يستعمل ‌فى‌ مجاوزه الحد ‌فى‌ النفقه، ‌و‌ منه: ‌لا‌ خير ‌فى‌ السرف كما ‌لا‌ سرف ‌فى‌ الخير.
 قال الراغب: ‌و‌ ليس الاسراف متعلقا بالمال فقط، بل بكل شى ء وضع ‌فى‌ غير موضعه اللائق به، الا ترى ‌ان‌ الله تعالى وصف قوم لوط بالاسراف لوضعهم البذر ‌فى‌ غير المحرث، فقال: «انكم لتاتون الرجال شهوه ‌من‌ دون النساء بل انتم قوم مسرفون»، ‌و‌ وصف فرعون بقوله ‌عز‌ ‌و‌ جل: «انه كان عاليا ‌من‌ المسرفين»، ‌و‌ قوله: «و ‌ان‌ فرعون لعال ‌فى‌ الارض ‌و‌ انه لمن المسرفين»، انتهى.
 ‌و‌ ‌حق‌ الانسان: ‌ما‌ كان ثابتا لازما له.
 ‌و‌ قصر ‌به‌ عن الشى ء تقصيرا: لم يبلغ ‌به‌ اليه.
 يقال: قصر به- ‌من‌ باب قرب-، ‌و‌ قصر ‌به‌ تقصيرا عن الشى ء بالتثقيل: للمبالغه، ‌و‌ منه قصرت بنا النفقه: اذا لم تبلغ بنا مقصدنا.
 ‌و‌ ‌فى‌ الحديث: ‌ان‌ قومك قصرت بهم النفقه.
 
روى بتشديد الصاد المفتوحه، ‌و‌ بتخفيفها مضمومه. نص عليه الكرمانى ‌فى‌ شرح البخارى.
 فالباء للتعديه، فهى مع المخفف مثل خرجت به، ‌و‌ مع المثقل مثل مثلت ‌به‌ تمثيلا.
 ‌و‌ المعنى: ‌ما‌ لم يبلغا ‌بى‌ اليه ‌من‌ واجب لى عليهما.
 ‌و‌ الحق ‌و‌ الواجب هنا ‌و‌ ‌ان‌ كانا بمعنى، الا ‌ان‌ مفاد الفقره الاولى ضياع الحق جمله، ‌و‌ مفاد الفقره الثانيه عدم اتمام الواجب بل الوقوف دونه، فقول بعضهم: ‌ان‌ ظرفيه الباء اولى ‌من‌ سببيتها ‌و‌ ‌هم‌ ‌او‌ خبط.
 ‌و‌ «او» ‌فى‌ الموضعين: للتنويع.
 ‌و‌ وهبت لزيد مالا اهبه له هبه: اعطيته بلا عوض.
 ‌و‌ جاد عليه يجود- ‌من‌ باب قال- جودا بالضم: تكرم.
 ‌و‌ رغبت الى الله: تضرعت اليه ‌و‌ سالته.
 ‌و‌ التبعه على وزن كلمه: ‌ما‌ تطلبه ‌من‌ ظلامه ‌و‌ نحوها.
 ‌و‌ مدار هذا الفصل على تجاوزه عليه السلام عن مواخذتهما بما وقع منهما اليه، ‌من‌ الاساءه ‌فى‌ قول ‌او‌ فعل، ‌او‌ اضاعه حق، ‌او‌ تقصير ‌فى‌ واجب.
 فقد روى رئيس المحدثين بسنده عن سيد العابدين صاحب الدعاء عليه السلام انه قال ‌فى‌ حديث طويل: ‌و‌ اما ‌حق‌ ولدك فان تعلم انه منك ‌و‌ مضاف اليك ‌فى‌ عاجل الدنيا بخيره ‌و‌ شره، ‌و‌ انك مسوول عما وليته ‌من‌ حسن الادب، ‌و‌ الدلاله على ربه ‌عز‌ ‌و‌ جل، ‌و‌ المعونه له على طاعته، فاعمل ‌فى‌ امره عمل ‌من‌ يعلم انه مثاب على الاحسان اليه، معاقب على الاساءه اليه.
 
و روى ثقه الاسلام ‌فى‌ الكافى بسنده عن زيد ‌بن‌ على عن ابيه عن جده عليهم السلام، قال: قال رسول الله صلى الله عليه ‌و‌ آله: يلزم الوالدين ‌من‌ العقوق لولدهما ‌ما‌ يلزم الولد لهما ‌من‌ عقوقهما.
 ‌و‌ الفاء ‌من‌ قوله: «فانى ‌لا‌ اتهمهما»: للسببيه بمعنى اللام، فهى للدلاله على سببيه ‌ما‌ بعدها لما قبلها.
 ‌و‌ اتهمته بكذا: ظننت به، ‌و‌ اتهمته ‌فى‌ قوله: شككت ‌فى‌ صدقه. ‌و‌ اصله ‌او‌ تهمت، لانه ‌من‌ الوهم، قلبت الواو ياء لسكونها ‌و‌ انكسار ‌ما‌ قبلها، ثم ابدلت منها التاء فادغمت ‌فى‌ تاء الافتعال.
 ‌و‌ استبطاته: اعتقدته ‌و‌ رايته بطيئا، ‌و‌ ‌هو‌ استفعال ‌من‌ البطء بالضم مهموز الاخر، ‌و‌ ‌هو‌ نقيض السرعه.
 ‌و‌ تولى الامر توليه: صار عليه واليا.
 ‌و‌ كرر النداء اولا بوصف الالوهيه الجامعه لجميع الكمالات، ‌و‌ ثانيا بوصف الربوبيه المنبئه عما فيه صلاح المربوب، اظهارا لكمال التضرع ‌و‌ الابتهال ‌و‌ مبالغه ‌فى‌ الاستدعاء.
 
و الفاء ‌من‌ قوله: «فهما اوجب»: سببيه، اذ كان ‌ما‌ بعدها سببا لما قبلها، فهى لتعليل جعله عدم اتهامهما على نفسه، ‌و‌ استبطائهما ‌فى‌ بره، ‌و‌ كراهيته لما تولياه ‌من‌ امره، سببا لتجاوزه عنهما ‌و‌ الرغبه اليه تعالى ‌فى‌ وضع التبعه عنهما، فكانه قال: انما جعلت حسن ظنى بهما ‌و‌ ‌ما‌ بعده سببا لتجاوزى عن مواخذتهما، لانهما اوجب حقا على الى آخره.
 ‌و‌ لك جعلها- اعنى الفاء- رابطه للجمله بما قبلها، مثلها ‌فى‌ قوله تعالى: «و اذا قيل
 
له اتق الله اخذته العزه بالاثم فحسبه جهنم».
 ‌و‌ قول بعضهم: استئناف الفاء ‌فى‌ «فهما» اولى ‌من‌ سببيتها ‌و‌ هم، اذ لم يقل احد باقتران الجمله الاستئنافيه بالفاء مع ذكر المبتدا فيها، بل صريح كلامهم ‌ان‌ الفاء الاستئنافيه هى التى يقدر ‌ما‌ بعدها مبنيا على مبتدا محذوف، نحو: ‌ما‌ تاتينا فتحدثنا بالرفع، اى: فانت تحدثنا الان بدلا عن ذلك، ‌و‌ قول الشاعر:
 الم تسال الربع القواء فينطق
 اى: فهو ينطق.
 ‌و‌ اوجب: اى: الزم ‌و‌ اثبت، ‌من‌ وجب الشى ء: اذا لزم ‌و‌ ثبت.
 ‌و‌ حقا: منصوب على التمييز، ‌و‌ اصله حقهما اوجب، فحذف المضاف ‌و‌ اقيم المضاف اليه ‌و‌ ‌هو‌ ضمير الغائبين مقامه، فارتفع ‌و‌ انفصل ‌و‌ صارهما اوجب، ثم جى ء بالمحذوف تمييزا، ‌و‌ قس عليه قوله: «قدم احسانا ‌و‌ اعظم منه».
 ‌و‌ توهم بعضهم ‌ان‌ هذا التمييز محول عن الفاعل كاشتعل الراس شيبا، فخبط خبط عشواء.
 ‌و‌ اقدم: افعل ‌من‌ قدم الشى ء بالضم قدما على وزن عنب بمعنى سبق، اى: اسبق احسانا.
 ‌و‌ «من» ‌فى‌ قوله: «من ‌ان‌ اقاصهما»: ليست صله لافعل، بل متعلقه بالبعد المفهوم ‌من‌ التفضيل، لعدم صحه قصد التفضيل ‌و‌ المشاركه للمفضل عليه تحقيقا ‌او‌ تقديرا، بل اسم التفضيل هنا مخرج عن معناه التفضيلى الى التجاوز ‌و‌ البعد الذى يلزمه، فان التفضيل يستلزم بعد المفضل عن المفضل عليه، فكانه قيل: هما بعيدان ‌من‌ جهه الحق ‌من‌ مقاصتى لهما، ‌او‌ المعنى هما ابعد الناس حقا ‌من‌ مقاصتى لهما،
 
على تضمين افعل معنى ابعد. ‌و‌ قد بسطنا الكلام على بيان هذه المساله ‌و‌ اختلاف اقوال العلماء فيها ‌فى‌ الروضه السادسه عشره، فليرجع اليه.
 فما وقع لبعض المعربين ‌من‌ ‌ان‌ «من» لابتداء الغايه جاره للمفضل عليه الموول ‌من‌ ‌ان‌ المصدريه ‌و‌ اقاص، خبط ‌لا‌ يلتفت اليه.
 ‌و‌ قاصصته مقاصه- ‌من‌ باب قاتل- فعلت ‌به‌ مثل ‌ما‌ فعل، ‌و‌ الاسم القصاص. ‌و‌ يجب ادغام الفعل ‌و‌ المصدر ‌و‌ اسم الفاعل، يقال: قاصه مقاصه كما يقال: ساره مساره ‌و‌ حاجه محاجه ‌و‌ ‌ما‌ اشبه ذلك.
 ‌و‌ العدل: اما بمعنى ‌ضد‌ الجور، فالباء للاستعانه كما ‌فى‌ كتبت بالقلم، ‌او‌ للسببيه متعلقه باقاصهما، جعل العدل كالاله للقصاص ‌او‌ سببا فيه. ‌و‌ يجوز ‌ان‌ تكون للملابسه فتكون متعلقه بمحذوف حال ‌من‌ ضمير المتكلم اى: ملتبسا بعدل، ‌او‌ صفه لمصدر محذوف اى: مقاصه ملتبسه بعدل.
 ‌و‌ اما بمعنى المثل ‌و‌ النظير، فالباء للمقابله، نحو: كافاته على احسانه بضعف، ‌و‌ المعنى ‌ان‌ اقاصهما بمثل ‌ما‌ فعلاه بى.
 ‌و‌ جازيته بذنبه: عاقبته عليه.
 ‌و‌ او: للتنويع.
 ‌و‌ على: ليست صله لاجازيهما كما ‌هو‌ المتبادر، اذ ‌لا‌ معنى للمجازاه على فعل المثل، بل المجازاه انما تكون على نفس الفعل، فهى متعلقه بمحذوف صفه لمصدر موكد محذوف، ‌و‌ التقدير: ‌او‌ اجازيهما مجازاه كائنه على مثل اى: مماثله لفعلهما ‌من‌ الاساءه.
 ‌و‌ الفرق بين المقاصه ‌و‌ المجازاه ‌ان‌ المقاصه تكون بمقابله الفعل بفعل ‌من‌ جنسه، كمقابله الضرب بالضرب ‌و‌ الجرح بالجرح، ‌و‌ المجازاه تكون بمقابله ‌من‌ غير جنسه، كمقابله الشتم بالضرب، فكان مفاد كل ‌من‌ الفقرتين غير الاخر.
 
قال بعضهم: ‌و‌ يحتمل ‌ان‌ يكون المراد بفقره المجازاه بيان عدم قدرته على مجازاه حقهما بما يساويه ‌و‌ يماثله. ‌و‌ ‌لا‌ يخفى عدم ملاءمته لما قبله ‌و‌ ‌ما‌ بعده.
 قوله عليه السلام: «اين اذا ‌يا‌ الهى طول شغلهما بتربيتى» استئناف لانقطاع تعلق الجمله بما قبلها لفظا، ‌و‌ ‌ان‌ تعلقت ‌به‌ ‌من‌ جهه المعنى، فهى كجمله الدعاء ‌من‌ قولك: مات فلان رحمه الله.
 ‌و‌ اين: اسم استفهام عن المكان، ‌و‌ ليس الاستفهام ‌به‌ على حقيقته، بل المراد ‌به‌ استعظامه لحقهما ‌و‌ اعتداده باحسانهما اليه.
 ‌و‌ اذن عند الجمهور حرف بسيط، ‌و‌ النون فيها اصل كنون لن ‌و‌ عن، ‌و‌ هى حرف جواب ‌و‌ جزاء.
 قال البدر الدمامينى: معنى كونها حرف جواب لانها تستعمل ‌فى‌ كلام مقتضب ابتداء، بحيث ‌لا‌ يكون هناك كلام متقدم يقتضى ‌ان‌ تكون الجمله التى فيها اذن جوابا له، ‌و‌ انما تستعمل حيث يكون ثم سوال ‌او‌ كلام ملفوظ ‌او‌ مقدر، ‌و‌ تكون الجمله التى وقعت اذن ‌فى‌ صحبتها جوابا لذلك الكلام الملفوظ ‌او‌ المقدر.
 ‌و‌ الجواب ‌فى‌ الحقيقه انما ‌هو‌ تلك الجمله التى وقعت اذن ‌فى‌ صحبتها، سواء وقعت ‌فى‌ صدرها ‌او‌ حشوها ‌او‌ آخرها ‌لا‌ اذن وحدها، ‌و‌ ليس المراد بالجواب ‌ما‌ يراد بجزاء الشرط، ‌و‌ ‌لا‌ ‌ما‌ يراد ‌فى‌ قولهم: ‌ان‌ مثل نعم، ‌و‌ ‌لا‌ حرف جواب كما توهمه بعضهم.
 ‌و‌ المراد بكونها للجزاء ‌ان‌ يكون مضمون الكلام الذى هى فيه جزاء لمضمون كلام آخر.
 قال ‌فى‌ المفصل: اذن: جواب ‌و‌ جزاء، يقول الرجل: انا آتيك، فتقول: اذن
 
اكرمك، فقد جعلت كلامك جوابا لكلامه، ‌و‌ صيرت اكرامك جزاء لاتيانه، انتهى.
 قال المرادى ‌و‌ غيره: قال قوم منهم الشلوبين: هى للجواب ‌و‌ الجزاء ‌فى‌ كل موضع، ‌و‌ تكلفوا تخريج ‌ما‌ خفى فيه ذلك.
 ‌و‌ قال الفارسى: ‌فى‌ الاكثر، ‌و‌ قد تكون للجواب وحده، نحو ‌ان‌ يقال:
 احبك، فتقول: اذن اظنك صادقا، فلا يتصور هنا الجزاء، انتهى.
 ‌و‌ انما يتصور هنا الجزاء لما قال الرضى: ‌ان‌ الشرط ‌و‌ الجزاء اما ‌فى‌ الاستقبال ‌او‌ ‌فى‌ الماضى، ‌و‌ ‌لا‌ يتاتى شى ء منهما ‌فى‌ الحال.
 اذا عرفت ذلك فكون اذن ‌فى‌ عباره الدعاء للجواب كونها جوابا عن سوال مقدر، كانه سئل عليه السلام فقيل له: ‌ما‌ عليك لو قاصصهما بعدل ‌و‌ جازيتهما على مثل؟ فقال عليه السلام: اين اذن طول شغلهما بتربيتى.
 كما قال التبريزى ‌فى‌ شرح الحماسه ‌فى‌ قوله:
 لو كنت ‌من‌ مازن لم تستبح ابلى
 بنو اللقيطه ‌من‌ ذهل ‌بن‌ شيبانا
 اذن لقام بنصرى معشر خشن
 عند الحفيظه ‌ان‌ ذولوثه لانا
 قال سيبويه: اذن: حرف جواب ‌و‌ جزاء، فيجوز ‌ان‌ يكون هذا القائل قدر ‌ان‌ سائلا ساله، فقال: ‌و‌ لو كنت ‌من‌ مازن فما ذا كانوا يصنعون؟
 فقال: اذن لقام بنصرى البيت، فهذا البيت جواب لهذا السائل ‌و‌ جزاء للمستبيح، انتهى.
 ‌و‌ اذن هذه هى الناصبه للمضارع اذا دخلت عليه، بشرط تصدرها ‌و‌ استقباله
 
 
و اتصالهما ‌او‌ انفصالهما بالقسم ‌او‌ بلا النافيه، ‌و‌ الصحيح انها هى الناصبه بنفسها ‌لا‌ بان مضمره.
 ‌و‌ ذهب بعضهم الى انها اسم، ‌و‌ الاصل ‌فى‌ «اذن اكرمك» اذا جئتنى اكرمك، ثم حذفت الجمله ‌و‌ عوض عنها التنوين ‌و‌ اضمرت ان.
 ‌و‌ قال الزركشى ‌فى‌ البرهان: ‌و‌ ذكر بعض المتاخرين ‌ان‌ اذن تكون مركبه ‌من‌ اذ التى هى ظرف زمان ‌و‌ مضاف، ‌و‌ ‌من‌ جمله بعدها تحقيقا ‌او‌ تقديرا، لكن حذفت الجمله تخفيفا ‌و‌ ابدل منها التنوين، كما ‌فى‌ قولهم: حينئذ، ‌و‌ ليست هذه الناصبه للمضارع، لان تلك تختص ‌به‌ ‌و‌ لذا عملت فيه، ‌و‌ هذه ‌لا‌ تختص بل تدخل على الماضى، نحو: «اذا ‌لا‌ تيناهم»، «اذا ‌لا‌ مستكم»، «اذا لاذقناك»، ‌و‌ على الاسم نحو: «انكم اذا لمن المقربين»، قال: ‌و‌ هذا المعنى لم يذكره النحاه، لكنه قياس ‌ما‌ قالوه ‌فى‌ اذن، انتهى.
 قال بعض المحققين: ‌و‌ عدم ذكر النحاه لهذا المعنى ‌هو‌ الوجه، لان اذن هذه هى الناصبه للمضارع جزما، ‌و‌ القول بان تلك تختص بالمضارع ممنوع، فقد صرح النحويون بعدم الاختصاص.
 قال ‌فى‌ التصريح: حكى سيبويه عن بعض العرب الغاء اذن ‌من‌ عمل النصب ‌فى‌ المضارع مع استيفاء شروط العمل، ‌و‌ ‌هو‌ القياس لانها ‌لا‌ تختص، انتهى.
 ‌و‌ قال الزجاج ‌و‌ الفارسى: الناصب ‌ان‌ مضمره بعدها لاهى، لانها غير مختصه اذ تدخل على الجمل الابتدائيه، نحو: اذن عبدالله ياتيك، ‌و‌ تليها الاسماء مبنيه على غير الفعل.
 
و قال الرضى: الذى يلوح لى ‌فى‌ اذن ‌و‌ يغلب ‌فى‌ ظنى ‌ان‌ اصلها اذا، حذفت الجمله المضاف اليها ‌و‌ عوض منها التنوين، لما قصد جعله صالحا لجميع الازمنه الثلاثه بعد ‌ما‌ كان مختصا بالماضى، ‌و‌ ذلك انهم ارادوا الاشاره الى زمان فعل مذكور، فقصدوا الى لفظ اذا الذى ‌هو‌ بمعنى مطلق الوقت لخفه لفظه، ‌و‌ جردوه عن معنى الماضى ‌و‌ جعلوه صالحا للازمنه الثلاثه، ‌و‌ حذفوا الجمله المضاف ‌هو‌ اليها، لانهم لما قصدوا ‌ان‌ يشيروا ‌به‌ الى زمان الفعل المذكور ‌دل‌ ذلك الفعل السابق على الجمله المضاف اليها، كما يقول لك شخص: انا ازورك، فتقول: اذن اكرمك، اى: اذ تزورنى اكرمك، اى: وقت زيارتك لى اكرمك، ‌و‌ عوض التنوين ‌من‌ المضاف اليه لانه وضع ‌فى‌ الاصل لازم الاضافه، فهو ككل ‌و‌ بعض الا انهما معربان.
 ‌و‌ اذ مبنى، فاذ- على ‌ما‌ تقرر- صالح للماضى، كقوله: اذن لقام بنصرى، ‌و‌ للمستقبل نحو: ‌ان‌ جئتنى اذن اكرمك، ‌و‌ للحال نحو: اذن اظنك كاذبا، ‌و‌ اذن هاهنا هى اذ ‌فى‌ قولك: حينئذ ‌و‌ يومئذ، الا انه كسر ذلك ‌فى‌ نحو: حينئذ، لتكون ‌فى‌ صوره ‌ما‌ اضيف اليه الظرف المقدم، ‌و‌ اذا لم يكن قبله ظرف ‌فى‌ صوره المضاف فالوجه فتحه، ليكون ‌فى‌ صوره ظرف منصوب لان معناه الظرف، ‌و‌ قد جاء كسره نادرا كقوله:
 نهيتك عن طلابك ‌ام‌ عمرو
 بعاقبه ‌و‌ انت اذ صحيح
 كما جاء فتحه ‌فى‌ حينئذ نادرا. قال: ‌و‌ انما ارتكبت ادعاء اذا زمانيه محذوفه الجمله المضاف اليها، لظهور معنى الزمان فيها ‌فى‌ جمع استعمالاتها كما ‌فى‌ اذ، فان معنى ‌ان‌ جئتنى اذن اكرمك: ‌فى‌ وقت المجى ء اكرمك، ‌و‌ كذا لوزرتنى اذن اكرمك، ‌و‌ ‌لا‌ سيما ‌فى‌ قوله تعالى: «فعلتها اذا ‌و‌ انا ‌من‌ الضالين».
 ‌و‌ قولهم: اذن اظنك كاذبا بالرفع، فانها متمحضه للزمان ‌و‌ ‌لا‌ شرطيه فيها، ‌و‌ قلب
 
نونها الفا ‌فى‌ الوقف يرجح جانب اسميتها، انتهى.
 ‌و‌ هذا القول مما تفرد ‌به‌ الرضى ‌و‌ لم يقل ‌به‌ غيره فيما اعلم، ‌و‌ ‌هو‌ ‌من‌ الحسن بمكان، ‌و‌ عليه فمعنى اذن ‌فى‌ عباره الدعاء: اين اذن اقاصصهما بعدل ‌و‌ اجازيهما على مثل طول شغلهما بتربيتى، اى: وقت مقاصتى ‌و‌ مجازاتى لهما. ‌و‌ انما بسطنا الكلام على اذن هنا، لانى لم ار ‌من‌ استوفى الكلام عليها ‌فى‌ مثل هذه العباره، فاردت ‌ان‌ اكشف عن حقيقتها، ‌و‌ الله اعلم.
 
 تنبيه
 
 اتفقت نسخ الصحيفه الشريفه الا ‌ما‌ شذ على رسم اذا بالالف، ‌و‌ ‌هو‌ الموافق لرسمها ‌فى‌ المصاحف. ‌و‌ اختلف النحويون ‌فى‌ ذلك، ‌و‌ جزم ابن مالك ‌فى‌ التسهيل بانها تكتب بالالف مراعاه للوقف عليها، لانها تبدل ‌فى‌ الوقف الفا تشبيها لها بتنوين المنصوب.
 ‌و‌ عزاه ابن هشام ‌فى‌ المغنى للجمهور.
 ‌و‌ قال ابوحيان ‌فى‌ شرح التسهيل: ‌و‌ ذهب المازنى ‌و‌ الاكثرون الى انها تكتب بالنون.
 ‌و‌ اختلف النقل عن الفراء، فقال الرضى ‌و‌ ابن هشام: قال الفراء: ‌ان‌ اعملت كتبت بالالف ‌و‌ الا كتبت بالنون، للفرق بينهما ‌و‌ بين اذا الزمانيه، ‌و‌ اما اذا عملت فالعمل يميزها عنها.
 ‌و‌ قال ابوحيان: فصل الفراء: فقال: ‌ان‌ الغيت كتبت بالالف لضعفها، ‌و‌ ‌ان‌
 
اعملت كتبت بالنون لقوتها.
 ‌و‌ حكى عن ابى العباس المبرد انه كان يقول: اشتهى ‌ان‌ اكوى يد يكتب اذن بالالف لانها مثل ‌ان‌ ‌و‌ لن، ‌و‌ ‌لا‌ يدخل التنوين ‌فى‌ الحرف.
 ‌و‌ تعقبه ابن هشام ‌فى‌ حاشيته على التسهيل بما لفظه: الحق ‌ان‌ كتابتها بالالف ‌و‌ ‌ان‌ الوقف عليها بالالف، ‌و‌ كذا وقف الفراء، ‌و‌ قوله مردود برسم الصحابه بالالف على حسب الوقف، ‌و‌ يخشى عليه عاقبه ‌ما‌ قال، ‌و‌ ‌لا‌ يعذب بالنار الا خالقها انتهى.
 ‌و‌ الحراسه بكسر الحاء قيل: اسم ‌من‌ حرسه.
 قال الشهاب الفيومى ‌فى‌ المصباح: حرسه يحرسه- ‌من‌ باب قتل-: حفظه، ‌و‌ الاسم الحراسه.
 ‌و‌ قيل: مصدر.
 قال ‌فى‌ القاموس: حرس حرسا ‌و‌ حراسه فهو حارس.
 ‌و‌ ‌فى‌ الصحاح: حرسه حراسه: ‌اى‌ حفظه.
 ‌و‌ ‌فى‌ شرح جامع الاصول لمصنفه: الحراسه فعل الحارس، ‌و‌ ‌هو‌ ‌من‌ يحرسك ‌و‌ انت نائم.
 ‌و‌ «فى» ‌من‌ قوله: «فى حراستى»: اما ظرفيه مجازيه ‌او‌ سببيه، اى: لاجل حراستى.
 ‌و‌ قتر على نفسه ‌و‌ عياله قترا ‌و‌ قتورا- ‌من‌ بابى ضرب ‌و‌ قعد-: ضيق ‌فى‌ النفقه، ‌و‌ اقتر
 
اقتارا ‌و‌ قتر تقتيرا: مثله، ففيه ثلاث لغات، كما ‌ان‌ ‌فى‌ وسع ثلاث لغات ايضا، يقال: وسع الله عليه رزقه يوسع بالتصحيح وسعا- ‌من‌ باب نفع- اى: بسطه ‌و‌ كثره، ‌و‌ اوسعه ايساعا ‌و‌ وسعه توسيعا ‌و‌ توسعه: مثله.
 
و هيهات: اسم فعل بمعنى بعد.
 قال الواحدى: ‌هو‌ اسم سمى ‌به‌ الفعل ‌و‌ معناه بعد، ‌و‌ ليس له اشتقاق، لانه بمنزله الاصوات، ‌و‌ فيه زياده معنى ليست ‌فى‌ بعد، ‌و‌ ‌هو‌ ‌ان‌ المتكلم بهيهات يخبر عن اعتقاده استبعاد ذلك الذى يخبر عن بعده، فكانه بمنزله قوله بعد جدا ‌و‌ ‌ما‌ ابعده، ‌لا‌ على ‌ان‌ يعلم المخاطب مكان ذلك الشى ء ‌فى‌ البعد، ففى هيهات زياده على بعد، ‌و‌ ‌ان‌ كان يفسر ببعد، انتهى.
 ‌و‌ قال الرضى: كل ‌ما‌ ‌هو‌ بمعنى الخبر ‌من‌ اسماء الافعال ففيه معنى التعجب، فمعنى هيهات اى: ‌ما‌ ابعده، ‌و‌ شتان اى: ‌ما‌ اشد الافتراق، ‌و‌ سرعان ‌و‌ بطان اى: ‌ما‌ اسرعه ‌و‌ ‌ما‌ ابطاه.
 ‌و‌ ‌فى‌ تاء هيهات الحركات الثلاث، فالفتح نظرا الى اصله حين كان مفعولا مطلقا، لان اصله المصدر، ‌و‌ الكسر لالتقاء الساكنين، لان اصل البناء السكون، ‌و‌ الضم للتنبيه بقوه الحركه على قوه معنى البعد فيه، اذ معناه ‌ما‌ ابعده كما ذكرنا، كذا يستفاد ‌من‌ كلام الرضى، ‌و‌ المستعمل ‌من‌ هذه اللغات استعمالا غالبا الفتح بلا تنوين، ‌و‌ فيها لغات اخرى ‌او‌ صلها ‌فى‌ القاموس الى احدى ‌و‌ خمسين لغه.
 
و فاعل هيهات ‌فى‌ عباره الدعاء ضمير مستتر عائد الى الوفاء بحق الوالدين، الذى افهمه قوله بعده: «ما يستوفيان منى حقهما»، كما قيل ‌فى‌ قوله تعالى: «هيهات هيهات لما توعدون»: ‌ان‌ فاعله ضمير عائد الى التصديق ‌او‌ الصحه ‌او‌ الوقوع ‌او‌ الاخراج، المفهوم ‌من‌ قوله تعالى قبله: «ايعدكم انكم اذا متم ‌و‌ كنتم ترابا ‌و‌ عظاما انكم مخرجون».
 فان قلت: ‌ما‌ قيل ‌فى‌ الايه ‌لا‌ محذور فيه، لانه كالاضمار بعد الذكر، ‌و‌ اما ‌ما‌ ذكرته ‌فى‌ الدعاء فهو كالاضمار قبل الذكر، ‌و‌ ‌هو‌ محذور.
 قلت: ‌هو‌ كقولهم ‌فى‌ باب التنازع ‌فى‌ نحو ضربنى ‌و‌ اكرمت زيدا: ‌ان‌ فاعل ضربنى مضمر قبل الذكر لانه قد جاء بعده ‌ما‌ يفسره على الجمله، ‌و‌ ‌ان‌ لم يجى لمحض التفسير، كما جاء ‌فى‌ نحو: ربه رجلا، فلا استبعاد فيما ذكرناه، ‌و‌ قد قال المعربون بمثل ‌ما‌ قلناه ‌فى‌ قوله تعالى: «ثم بدالهم ‌من‌ بعد ‌ما‌ راوا الايات ليسجننه»: ‌ان‌ فاعل بدا اما مصدره، ‌او‌ الراى المفهوم ‌من‌ السياق، ‌او‌ المصدر المدلول عليه بقوله ليسجننه، ‌و‌ المعنى بدالهم بداء، ‌او‌ راى، ‌او‌ سجنه، فالاحتمال الثالث ‌هو‌ نظير ‌ما‌ قلناه: ‌فى‌ الدعاء، ‌و‌ ‌من‌ اجاز حذف الفاعل قال: ‌هو‌ محذوف ‌و‌ ليسجننه قائم مقامه، اى: ‌و‌ بدالهم سجنه، فحذف ‌و‌ اقيمت الجمله مقامه.
 ‌و‌ على هذا، فلك ‌فى‌ عباره الدعاء دعوى حذف فاعل هيهات ‌و‌ قيام الجمله بعده مقامه، ‌و‌ ‌هو‌ ظاهر.
 ‌و‌ ‌من‌ الغريب ‌ما‌ توهمه بعض المترجمين ‌من‌ جواز كون «ما» ‌من‌ قوله: «ما يستوفيان» مصدريه، ‌و‌ هى ‌و‌ مسبوكها فاعل هيهات، ‌و‌ التقدير: هيهات استيفاوهما منى حقهما، مع ‌ان‌ قوله: «و ‌لا‌ ادرك ‌ما‌ يجب على لهما» ‌لا‌ يبقى معه لهذا التوهم
 
مجال، لان ‌لا‌ معينه لكون «ما» نافيه، اذ ‌لا‌ تقترن واو العطف بلا الا اذا سبقت بنفى.
 قوله عليه السلام: «و ‌لا‌ انا بقاض وظيفه خدمتهما» الباء: زائده، ‌و‌ زيادتها ‌فى‌ الخبر غير الموجب مقيس، ‌و‌ ‌لا‌ تحناج الى متعلق لزيادتها.
 ‌و‌ الوظيفه: ‌ما‌ يقدر ‌من‌ عمل ‌او‌ رزق ‌او‌ طعام ‌و‌ نحو ذلك ‌و‌ وظفت عليه العمل توظيفا: قدرته. اى: ‌لا‌ استطيع قضاء ‌ما‌ وظفته على ‌من‌ خدمتهما.
 ‌و‌ تاتى الوظيفه بمعنى الشرط، كما نص عليه ‌فى‌ القاموس.
 ‌و‌ اراده هذا المعنى ايضا صحيحه، اى: ‌ما‌ شرطته على ‌من‌ خدمتهما. ‌و‌ الجمله اسميه معطوفه على الفعليه قبلها، ‌و‌ ‌من‌ منع عطف الجمله الاسميه على الفعليه ‌و‌ بالعكس، فله ‌ان‌ يقول: هى معطوفه على شى ء متوهم، لان معنى «ما يستوفيان منى حقهما ‌و‌ ‌لا‌ ادرك ‌ما‌ يجب على لهما»: ‌ما‌ هما بمستوفين منى حقهما ‌و‌ ‌لا‌ انا بمدرك ‌ما‌ يجب على لهما.
 ‌و‌ نظير ذلك قول زهير:
 تقى نقى لم يكثر غنيمه
 بنهكه ذى قربى ‌و‌ ‌لا‌ بحقلد
 قال ابن هشام: سالنى ابوحيان علام عطف بحقلد؟ فقلت: حتى اعرف ‌ما‌ الحقلد، فنظرنا فاذا ‌هو‌ السى ء الخلق، فقلت: ‌هو‌ معطوف على شى ء متوهم، اذ المعنى: ليس بمكثر غنيمه، فاستعظم ذلك، انتهى.
 ‌و‌ ‌من‌ يرى الجواز مطلقا- ‌و‌ ‌هو‌ الصحيح- يجعل ‌ما‌ ذكرناه ‌من‌ المعنى المتوهم ‌فى‌ عباره الدعاء رعايه للتناسب، فاعرفه فانه نفيس.
 ‌و‌ الفاء ‌من‌ قوله عليه السلام: «فصل على محمد ‌و‌ آله»: فصيحه، اى: اذا كان
 
الامر على ‌ما‌ ذكر فصل على محمد ‌و‌ آله ‌و‌ اعنى.
 ‌و‌ حذف المستعان عليه ‌و‌ الموفق له اما لتعينهما، ‌او‌ لاراده التعميم مع الاختصار.
 ‌و‌ «فى» ‌من‌ قوله: «فى اهل العقوق»: اما بمعنى: ‌اى‌ معهم، كما قيل ‌فى‌ قوله تعالى: «فادخلى ‌فى‌ عبادى» اى: مع عبادى، ‌او‌ ظرفيه اى: ‌فى‌ زمره اهل العقوق.
 ‌و‌ الامهات: جمع ام.
 قيل: اصلها امهه، ‌و‌ لهذا جمعت امهات، ‌و‌ اجيب بزياده الهاء ‌و‌ ‌ان‌ الاصل امات.
 قال ابن جنى: دعوى الزياده اسهل ‌من‌ دعوى الحذف.
 ‌و‌ قيل: كل ‌ام‌ ‌و‌ امهه لغه براسها، فالامات جمع ام، ‌و‌ الامهات جمع امهه، ‌و‌ ‌لا‌ حاجه الى دعوى زياده ‌و‌ ‌لا‌ حذف، ‌و‌ كثر ‌فى‌ الناس امهات، ‌و‌ ‌فى‌ غير الناس امات للفرق.
 قوله عليه السلام: «يوم تجزى كل نفس بما كسبت ‌و‌ ‌هم‌ ‌لا‌ يظلمون» متعلق بقوله: «لا تجعلنى»، ‌و‌ ‌هو‌ اقتباس ‌من‌ قوله تعالى ‌فى‌ سوره الجاثيه: «و خلق الله السموات ‌و‌ الارض بالحق ‌و‌ لتجزى كل نفس بما كسبت ‌و‌ ‌هم‌ ‌لا‌ يظلمون»، ‌و‌ التغيير اليسير ‌لا‌ يضر ‌فى‌ الاقتباس، كما تقدم ذكره ‌فى‌ الروضه الاولى.
 ‌و‌ يوم: منصوب على انه ظرف لتجعلنى، ‌و‌ الجمله ‌فى‌ محل جر باضافه يوم اليها.
 ‌و‌ بما كسبت: متعلق بتجزى، اى: بما كسبت ‌من‌ ثواب على طاعه ‌او‌ عقاب على معصيه.
 ‌و‌ ما: يجوز ‌ان‌ تكون موصوله اى: بالذى كسبته، ‌و‌ ‌ان‌ تكون مصدريه اى:
 
بكسبها.
 ‌و‌ ‌هم‌ ‌لا‌ يظلمون: ‌فى‌ محل نصب على الحال ‌من‌ كل، لانها ‌فى‌ معنى الجمع، ‌و‌ جمع الضمير لانه انسب بحال الجزاء، كما ‌ان‌ الافراد انسب بحال الكسب، اى: ‌لا‌ يظلمون بنقص ‌ما‌ يستحقونه ‌من‌ الثواب، ‌و‌ ‌لا‌ بزياده ‌ما‌ يستحقونه ‌من‌ العقاب.
 ‌و‌ قد تقدم الكلام على اقتباس هذه الايه ‌فى‌ اوائل الروضه الاولى بابسط ‌من‌ هذا، فليرجع اليه.
 
عطف الذريه على الال ‌من‌ باب عطف الخاص على العام، لان ذريه الرجل نسله، ‌و‌ آله ذو ‌و‌ قرابته، فكل ذريه ‌آل‌ دون العكس.
 ‌و‌ اصل ‌آل‌ عند بعض: اول، تحركت الواو ‌و‌ انفتح ‌ما‌ قبلها فقلبت الفا، مثل قال
 ‌و‌ قيل: اصله اهل، لكن دخله الابدال، ‌و‌ استدل عليه بعود الهاء ‌فى‌ التصغير فيقال: اهيل.
 ‌و‌ ‌من‌ الغريب ‌ما‌ حكاه البطليوسى ‌فى‌ كتاب الاقتضاب: ‌من‌ ‌ان‌ الكسائى ذهب الى منع اضافه ‌آل‌ الى المضمر، فلا يقال: آله بل اهله، ‌و‌ ‌هو‌ اول ‌من‌ قال ذلك ‌و‌ تبعه النحاس ‌و‌ الزبيدى، ‌و‌ ليس بصحيح، اذ ‌لا‌ قياس يعضده ‌و‌ ‌لا‌ سماع يويده.
 ‌و‌ قد تقدم الكلام على لفظ الذريه ‌و‌ الخلاف ‌فى‌ وزنها ‌و‌ اشتقاقها ‌فى‌ الروضه الرابعه، فاغنى عن الاعاده.
 
و ما: اما موصوله، اى: بافضل الفضل ‌او‌ الثواب الذى خصصت ‌به‌ آباء عبادك، ‌او‌ نكره موصوفه، اى: بافضل شى ء خصصت ‌به‌ آباء عبادك.
 ‌و‌ المومنين: يجوز كونه صفه للمضاف اعنى الاباء، ‌او‌ صفه للمضاف اليه اعنى عبادك، كما قالوه ‌فى‌ قوله تعالى: «سبح اسم ربك الاعلى»: يجوز فيه كون الاعلى صفه للاسم ‌او‌ صفه للرب. لكن قضيه قولهم: ‌ان‌ الصفه دائما للمضاف الا بدليل لانه ‌هو‌ المقصود، ‌و‌ المضاف اليه جى ء ‌به‌ لغرض التخصيص ‌و‌ لم يوت ‌به‌ لذاته، ‌ان‌ المومنين صفه للاباء ‌لا‌ غير.
 ‌لا‌ يقال: الدليل هنا عطف الامهات على الاباء ‌من‌ غير وصف، ‌و‌ لو كان المومنون صفه للاباء لقال: ‌و‌ امهاتهم المومنات.
 لانا نقول: المقصود بالذات آباء العباد الموصوفون بالايمان، ‌و‌ الا فكم ‌من‌ عبد مومن ابوه غير مسلم، فضلا عن ‌ان‌ يكون مومنا، ‌و‌ انما يصف الامهات بالمومنات اكتفاء بنيه عن لفظه، لدلاله ‌ما‌ سبق عليه.
 ‌و‌ اما جعل المومنين صفه للمتضائفين معا، فلا يجوز قطعا، لانه يودى الى تسليط عاملين مختلفى المعنى ‌و‌ العمل على معمول واحد ‌من‌ جهه واحده، بناء على ‌ان‌ العامل ‌فى‌ المنعوت ‌هو‌ العالم ‌فى‌ النعت، ‌و‌ ‌هو‌ الصحيح، ‌و‌ الله اعلم.
 
المراد بعدم انسائه تعالى ذكرهما: اما حسم اسباب النسيان، ‌او‌ عدم سلب التوفيق لذكرهما، ‌او‌ المراد: الهامه ذكرهما اى: الهمنى ذكرهما ‌فى‌ ادبار صلواتى.
 ‌و‌ الادبار: جمع دبر بالضم ‌و‌ بضمتين، ‌و‌ ‌هو‌ ‌من‌ كل شى ء عقبه، اى: ‌فى‌ اعقاب صلواتى.
 
و قد فسر قوله تعالى: «و ‌من‌ الليل فسبحه ‌و‌ ادبار السجود» باعقاب الصلوات.
 ‌و‌ تخصيصها بالذكر لانها ‌من‌ اوقات الاجابه، ‌و‌ قد روى عن ابى جعفر ‌و‌ ابى عبدالله عليهماالسلام ‌فى‌ تفسير قوله تعالى: «فاذا فرغت فانصب ‌و‌ الى ربك فارغب» اى: اذا فرغت ‌من‌ الصلاه المكتوبه، فانصب الى ربك ‌فى‌ الدعاء ‌و‌ ارغب اليه ‌فى‌ المساله يعطك.
 ‌و‌ النصب: التعب، اى: اجتهد ‌فى‌ الدعاء.
 ‌و‌ عن الصادق عليه السلام: ‌هو‌ الدعاء ‌فى‌ دبر الصلاه ‌و‌ انت جالس. رواه امين الاسلام ‌فى‌ مجمع البيان.
 ‌و‌ الانى بالكسر ‌و‌ القصر ‌و‌ يفتح مع المد: الساعه ‌من‌ الليل، ‌و‌ قد يقال فيه: انى على وزن ظنى، ‌و‌ انى بالكسر على وزن نحى، ‌و‌ الجمع آناء.
 ‌و‌ قال الجوهرى: آناء الليل: ساعاته، قال الاخفش: واحدها انا مثال معا، ‌و‌ قال بعضهم: واحدها انى ‌و‌ انو، يقال: مضى انيان ‌من‌ الليل ‌و‌ انوان، ‌و‌ قال ابوعبيد: واحدها انى مثال نحى ‌و‌ الجمع آناء، انتهى.
 ‌و‌ الساعه: جزء ‌ما‌ غير مقدر ‌من‌ اجزاء الليل ‌و‌ النهار، ‌و‌ تطلق على جزء ‌من‌ اربعه ‌و‌ عشرين جزء ‌من‌ يوم بليلته، ‌و‌ ‌هو‌ اصطلاح اهل الفلك، ‌و‌ العرب ‌لا‌ تعرف ذلك.
 قال الشهاب الفيومى ‌فى‌ المصباح المنير: الساعه. الوقت ‌من‌ ليل ‌او‌ نهار، ‌و‌ العرب تطلقها ‌و‌ تريد بها الحين ‌و‌ الوقت ‌و‌ ‌ان‌ قل، ‌و‌ عليه قوله تعالى: «لا يستاخرون ساعه»، ‌و‌ منه قوله عليه السلام: ‌من‌ راح ‌فى‌ الساعه الاولى الحديث، ليس المراد
 
بالساعه التى ينقسم عليها النهار القسمه الزمانيه، بل المراد مطلق الوقت ‌و‌ ‌هو‌ السبق، ‌و‌ الا لاقتضى ‌ان‌ يستوى ‌من‌ جاء ‌فى‌ اول الساعه الفلكيه ‌و‌ ‌من‌ جاء ‌فى‌ آخرها، لانهما جاءا ‌فى‌ ساعه واحده، ‌و‌ ليس كذلك، بل ‌من‌ جاء ‌فى‌ اولها افضل ممن جاء ‌فى‌ آخرها، ‌و‌ الجمع ساعات ‌و‌ ساع ‌و‌ ‌هو‌ منقوص ‌و‌ ساع ايضا، انتهى.
 ‌و‌ النكره هنا ظاهره ‌فى‌ الاستغراق اى: ‌فى‌ كل انى ‌من‌ آناء ليلى ‌و‌ ‌فى‌ كل ساعه ‌من‌ ساعات نهارى.
 كما ورد ‌فى‌ روايه اخرى بذكر «كل» مضافا الى انى، ‌و‌ ينبغى على هذه الروايه عطف ساعه على انى بدون «فى»، ‌او‌ تقدير «كل» مضافا الى ساعه، ‌و‌ الله اعلم.
 
الباء: للسببيه، اى: بسبب دعائى لهما ‌و‌ بسبب برهما: بى. ‌و‌ حتم الله الامر حتما: اوجبه جزما، اى: مغفره محتومه.
 ‌و‌ عزما: ‌اى‌ معزوما، ‌من‌ عزم الله اى: اراد ‌و‌ قصد ‌و‌ قطع ‌و‌ فرض ‌ان‌ يكون ذلك ‌و‌ يحصل، ‌و‌ منه قوله تعالى: «ان ذلك ‌من‌ عزم الامور».
 قال الزمخشرى ‌فى‌ الكشاف: ‌اى‌ ‌ان‌ ذلك مما عزم الله ‌من‌ الامور، اى: قطعه قطع ايجاب ‌و‌ الزام، ‌و‌ منه الحديث: لاصيام لمن ‌لا‌ يعزم الصيام ‌من‌ الليل، اى: لم يقطعه بالنيه، الا ترى الى قوله: لمن يبت الصيام، ‌و‌ منه، ‌ان‌ الله يحب ‌ان‌ يوخد برخصه كما يحب ‌ان‌ يوخذ بعزائمه، ‌و‌ قولهم: عزمه ‌من‌ عزمات ربنا، ‌و‌ منه: عزمات الملوك، ‌و‌ ذلك ‌ان‌ يقول الملك لبعض ‌من‌ تحت يده: عزمت عليك الا فعلت
 
كذا اذا قال ذلك لم يكن للمعزوم عليه ‌بد‌ ‌من‌ فعله ‌و‌ ‌لا‌ مندوحه ‌فى‌ تركه، ‌و‌ حقيقته انه ‌من‌ تسميه المفعول بالمصدر، ‌و‌ اصله ‌من‌ معزومات الامور اى: مقطوعاتها ‌و‌ مفروضاتها، انتهى كلام الزمخشرى.
 قلت: ‌و‌ ‌من‌ ذلك ‌ما‌ ورد ‌فى‌ الدعاء: اسالك موجبات رحمتك ‌و‌ عزائم مغفرتك، اى: ‌ما‌ اوجبته ‌من‌ رحمتك ‌و‌ عزمت ‌ان‌ يكون ‌و‌ يحصل ‌من‌ مغفرتك. ‌و‌ يجوز ‌ان‌ يكون عزما بمعنى عازم، ‌من‌ عزم الامر نفسه اذا عزم عليه، على ‌ما‌ قال الزمخشرى ‌فى‌ قوله تعالى: «من عزم الامور»: يجوز ‌ان‌ يكون مصدرا ‌فى‌ معنى الفاعل، اصله ‌من‌ عازمات الامور ‌من‌ قوله تعالى: «فاذا عزم الامر»، كقولك: جد الامر ‌و‌ صدق القتال.
 قال بعضهم: ‌و‌ لعل المغفره التى ليست بحتم ‌و‌ الرضا الذى ليس بعزم، هما المعلقان بشرط ‌او‌ صفه ‌او‌ وقت ‌او‌ بنوع ‌من‌ الذنب، انتهى.
 ‌و‌ ‌من‌ زعم ‌ان‌ انتصاب حتما ‌و‌ عزما على التمييز فقد ابعد.
 ‌و‌ الباء ‌من‌ قوله: «بالكرامه»: للملابسه، اى: ملتبسين بالكرامه. ‌و‌ المواطن: بمعنى الوطن، ‌و‌ ‌هو‌ المكان ‌و‌ المقر.
 ‌و‌ المراد بمواطن السلامه: الجنه، لسلامتها ‌و‌ سلامه اهلها.
 فيها ‌من‌ المكاره ‌و‌ الافات، ‌و‌ لذلك سميت دار السلام، ‌و‌ جمعها باعتبار تعددها، ‌او‌ باعتبار تعدد اماكنها ‌و‌ مساكنها، ‌و‌ الله اعلم.
 
سبق يسبق سبقا- ‌من‌ باب ضرب-: تقدم، ‌و‌ هذا السبق يحتمل ‌ان‌ يكون ازلا ‌و‌ تقديرا، كقوله تعالى: «ان الذين سبقت لهم منا الحسنى»، ‌و‌ ‌ان‌ يكون زمانا
 
و وجودا.
 ‌و‌ شفعه تشفيعا: قبل شفاعته، ‌و‌ هى السوال ‌فى‌ التجاوز عن الاثام ‌و‌ المعاصى.
 ‌و‌ حتى: بمعنى ‌كى‌ التعليليه، اى: ‌كى‌ نجتمع.
 ‌و‌ الرافه: اشد الرحمه ‌و‌ ارقها، ‌و‌ ‌لا‌ تكاد تقع ‌فى‌ الكراهه، ‌و‌ الرحمه قد تقع فيها للمصلحه.
 ‌و‌ الكرامه: التعظيم ‌و‌ الاجلال.
 عبر عن الجنه بدار الكرامه لاكرام الله سبحانه اهلها بانواع الكرامه، ‌و‌ عبر عنها بمحل المغفره ‌و‌ الرحمه تنبيها على ‌ان‌ المومن ‌و‌ ‌ان‌ استغرق عمره ‌فى‌ طاعه الله تعالى فانه ‌لا‌ يدخل الجنه الا بمغفره الله ‌و‌ رحمته.
 ‌و‌ قوله:«انك ذوالفضل العظيم» تعليل لما قبله، ‌و‌ تحريك لسلسله الاجابه، ‌و‌ اذعان بان كل خير نال عباده ‌فى‌ دينهم ‌و‌ دنياهم فانه ‌من‌ عنده ابتداء منه اليهم ‌و‌ تفضلا عليهم، ‌من‌ غير استحقاق منهم لذلك عليه، فهو ذو الفضل العظيم.
 ‌و‌ المن القديم: ‌اى‌ الانعام السابق على الاستحقاق قوله عليه السلام: «و انت ارحم الراحمين» جمله تذييليه جاء بها ‌فى‌ آخر الدعاء لبيان شده الرجاء ‌من‌ جهته، فان الابتداء بالنعمه يوجب الاتمام، ‌و‌ سعه الرحمه تقتضى عمومها ‌و‌ الزياده فيها، فهى لاستدعاء الرحمه ‌من‌ جهته تعالى، ‌و‌ الله اعلم.
 هذا آخر الروضه الرابعه ‌و‌ العشرين ‌من‌ رياض السالكين، ‌و‌ قد وفق الله سبحانه لاتمامها باعانته ‌و‌ محض عنايته، صبيحه يوم السبت ‌لا‌ ثنتى عشره خلون ‌من‌ شهر الله الاصم، احد شهور سنه احدى ‌و‌ مائه ‌و‌ الف بقلم مولفها، ‌و‌ لله الحمد.
 

0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخرین مطالب

الدعاء 47- 5
الدعاء 16
الدعاء 2- 1
الدعاء 1- 2
اسناد الصحیفه السجادیه- 2
الدعاء 53
الدعاء 45- 1
الدعاء 52
الدعاء 20- 1
الدعاء 1- 5

بیشترین بازدید این مجموعه

الدعاء 47- 5

 
نظرات کاربر

پر بازدید ترین مطالب سال
پر بازدید ترین مطالب ماه
پر بازدید ترین مطالب روز



گزارش خطا  

^