خواتم الخير
«1» يا من ذِكْرُهُ شَرَفٌ لِلذَّاكِرِينَ ، و يا من شُكْرُهُ فَوْزٌ لِلشَّاكِرِينَ ، و يا من طَاعَتُهُ نَجَاةٌ لِلْمُطِيعِينَ . صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ و آلِهِ ، و اشْغَلْ قُلُوبَنَا بِذِكْرِكَ عَنْ كُلِّ ذِكْرٍ ، و أَلْسِنَتَنَا بِشُكْرِكَ عَنْ كُلِّ شُكْرٍ ، و جَوَارِحَنَا بِطَاعَتِكَ عَنْ كُلِّ طَاعَةٍ . «2» فَإِنْ قَدَّرْتَ لَنَا فَرَاغاً من شُغْلٍ فَاجْعَلْهُ فَرَاغَ سَلَامَةٍ لا تُدْرِكُنَا فِيهِ تَبِعَةٌ ، و لا تَلْحَقُنَا فِيهِ سَأْمَةٌ ، حَتَّى يَنْصَرِفَ عَنَّا كُتَّابُ السَّيِّئَاتِ بِصَحِيفَةٍ خَالِيَةٍ من ذِكْرِ سَيِّئَاتِنَا ، و يَتَوَلَّى كُتَّابُ الْحَسَنَاتِ عَنَّا مُسْرُوريِنَ بِمَا کَتَبُوا من حَسَنَاتِنَا «3» و إِذَا انْقَضَتْ أَيَّامُ حَيَاتِنَا ، و تَصَرَّمَتْ مُدَدُ أَعْمَارِنَا ، و اسْتَحْضَرَتْنَا دَعْوَتُكَ الَّتِي لا بد مِنْهَا و من إِجَابَتِهَا ، فَصَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ و آلِهِ ، و اجْعَلْ خِتَامَ ما تُحْصِي عَلَيْنَا كَتَبَةُ أَعْمَالِنَا تَوْبَةً مَقْبُولَةً لا تُوقِفُنَا بَعْدَهَا عَلَى ذَنْبٍ اجْتَرَحْنَاهُ ، و لا مَعْصِيَةٍ اقْتَرَفْنَاهَا . «4» و لا تَكْشِفْ عَنَّا سِتْراً سَتَرْتَهُ عَلَى رُؤُوسِ الْأَشْهَادِ ، يَوْمَ تَبْلُو أَخْبَارَ عِبَادِکَ . «5» إِنَّكَ رَحِيمٌ بِمَنْ دَعَاكَ ، و مُسْتَجِيبٌ لِمَنْ نَادَاكَ
(يا من ذكره شرف للذاكرين) ذكر الله تعالى احسن الذكر، ما فى ذلك ريب، و لكن ما هو المراد منه؟ و هل المطلوب و المندوب مجرد التسبيح باللسان و على حبات المسابح من غير تفكير؟
الجواب: ان اللسان الذى ينطق بالكذب و الباطل و الغيبه و عيوب الناس، قد يتفوه باسم الله و يسبح لسانه بحمده، و لكن هذا فى واقعه ليس من الذكر الصحيح فى شى ء، لانه مجرد كلام دار على اللسان بحكم العاده و المحاكاه، و الذكر الصحيح المقبول عند الله هو الذى ينبع من قلب تقى خاشع منقطع الى الله وحده، لايعرف الحسد و الاضغان على عبد من عباد الله، و لا الطمع و التنافس على المناصب و المكاسب. قال رسول الله (ص): «ليس ذكر الله هو سبحان الله و الحمد لله و لا اله الا الله و الله اكبر، و لكن اذا ورد على حرام خاف الله عز و جل و تركه عند ذكره و تذكره». و قال الامام الصادق (ع): من قال لا اله الا الله مخلصا دخل الجنه، و اخلاصه ان يحجزه قول لا اله الا الله عما حرم الله.
و ان قال قائل: ان الايه 41 من الاحزاب: «اذكروا الله ذكرا كثيرا» مطلقه و غير مقيده. قلنا فى جوابه: اجل، و لكن الذكر درجات متفاوتات و اعلاها ما ذكره الرسول الاعظم (ص) و الامام الصادق (ع).
(و يا من شكره فوز للشاكرين) المراد بالشاكرين المطيعون لله بقرينه الفوز، قال سبحانه: «فمن زحزح عن النار فقد فاز- 185 آل عمران» (و يا من طاعته نجاه للمطيعين) عطف تفسير (و اشغل قلوبنا بذكرك) عن ذكر الدنيا و زينتها و الناس و عيوبهم، و لا اعرف مجلسا خلا من نغمه الهمز و اللمز الا ما ندر! و هل من احد اشد فسقا و نفاقا ممن يلغ و يرتع فى اعراض الناس، و هو يدعى الايمان بالله و كتابه، و اليوم الاخر و حسابه؟ (و السنتنا بشكرك عن كل شكر) و شكر الالسنه و الاقلام لله سبحانه ان تنشر العلم و الوعى، و تعلن الحق بامانه بلا تزييف و تحريف، و ان تقاوم البغى و الفساد فى الارض، و تفضح كل انتهازى و منافق يتستر وراء الشعارات الزائفه. اما قول الامام (ع): «عن كل شكر» فهو اشاره الى عباده اهل الجهاله و الضلاله الذين يدينون بالكتب المنسوبه الى وحى السماء كذبا و افتراء و غيرها من كتب الضلال التى تفلسف الالحاد و التحرر من كل قيمه و فضيله.
(و جوارحنا بطاعتك عن كل طاعه) الجوارح: الاعضاء، و من استعمل كل عضو منه فيما خلق له فقد اطاع الله، و ادى امانته بالكامل. و سبق مثله فى الدعاء رقم 8
(فان قدرت لنا فراغا فى شغل...) كل شى ء يقاس و يقدر بما له من اثر شغلا ام فراغا، فالفراغ من العمل خير من صفقه خاسره، و فعل يستحى منه فاعله. و اثبت عالم من علماء الاجتماع بالحس و التجربه ان مواد القراءه و الدراسه التى توجه الانسان الى العمل و الكفاح لمنفعته و منفعه الاخرين هى وحدها السبيل الى حياه افضل و اكمل. و تقدم الكلام عن الفراغ فى شرح الدعاء رقم 5 (كتاب السيئات...) و الحسنات، و هم الملائكه الذين يسجلون على ابن آدم اقواله و افعاله، و سبق الحديث عنهم فى الدعاء رقم 3 و 6.
(و اذا انقضت ايام حياتنا...) لا شى ء اقرب الى الانسان من الموت بل هو فى الطريق اليه منذ ولد، و ايضا لا شى ء يدفعه او يرجئه و يوخره لحظه عن الاجل الموعود... بلى، يمكن التعجيل و لكن بالانتحار «حكمه بالغه فما تغنى النذر- 5 القمر» و الموت اول ساعه من الاخره و آخر ساعه من الدنيا و بها تختم الحياه الاولى. و الامام (ع) يساله تعالى و يقول له: اجعل هذه الساعه (ختام ما تحصى علينا كتبه اعمالنا توبه مقبوله) سجل علينا الملائكه الكاتبون ما اقترفناه من الذنوب و مساوى ء الاعمال، ثم ندمنا و تبنا الى الله، و سالناه الصفح، فاستجاب و عفا عما سلف، و اصبحنا كمن لا ذنب له تماما كما خلقنا، و هو سبحانه المسوول ان يميتنا على هذه الحال، و يرجع اليه انفسنا «راضيه مرضيه».
(لا توقفنا بعدها على ذنب اجترحناه) لا توقفنا: لا تحاسبنا من الوقوف بين يدى الله للحساب، و اجترحناه: فعلناه، و بعدها اى بعد التوبه المقبوله و المعنى نسالك اللهم الهدايه و التوفيق الى ترك الذنوب كيلا نقف بين يديك للحساب، على ما تكره، و مثله تماما قولك لمن لا شى ء له عليك: لاتطلبنى بدين. و بتعبير اهل المنطق: سالبه بانتفاء الموضوع، و الدليل على اراده هذا المعنى قوله بلا فاصل: (و لا معصيه اقترفناها) و لا عقاب بلا معصيه
(و لاتكشف عنا سترا سترته على رووس الاشهاد) جمع شاهد اى حاضر، و المعنى صفحت اللهم و غفرت، و اذن لا موجب للفضيحه و كشف العوره امام اهل المحشر (يوم تبلو اخبار عبادك) تكشف سترهم على رووس الاشهاد لتميز بين الطيب و الخبيث: «ما كان الله ليذر المومنين على ما انتم عليه حتى يميز الخبيث من الطيب- 179 آل عمران».