اللجوء الى الله تعالى
«1» اللَّهُمَّ إِنْ تَشَأْ تَعْفُ عَنَّا فَبِفَضْلِكَ ، و إِنْ تَشَأْ تُعَذِّبْنَا فَبِعَدْلِكَ «2» فَسَهِّلْ لَنَا عَفْوَكَ بِمَنِّكَ ، و أَجِرْنَا من عَذَابِكَ بِتَجَاوُزِكَ ، فَإِنَّهُ لا طَاقَةَ لَنَا بِعَدْلِكَ ، و لا نَجَاةَ لِأَحَدٍ مِنَّا دُونَ عَفْوِكَ «3» يا غَنِيَّ الْأَغْنِيَاءِ ، ها ، نَحْنُ عِبَادُكَ بَيْنَ يَدَيْكَ ، و أَنَا أَفْقَرُ الْفُقَرَاءِ إِلَيْكَ ، فَاجْبُرْ فَاقَتَنَا بِوُسْعِكَ ، و لا تَقْطَعْ رَجَاءَنَا بِمَنْعِكَ ، فَتَكُونَ قَدْ أَشْقَيْتَ من اسْتَسْعَدَ بِكَ ، و حَرَمْتَ من اسْتَرْفَدَ فَضْلَكَ «4» فَإِلَى من حِينَئِذٍ مُنْقَلَبُنَا عَنْكَ ، و إِلَى أَيْنَ مَذْهَبُنَا عَنْ بَابِكَ ، سُبْحَانَكَ نَحْنُ الْمُضْطَرُّونَ الَّذِينَ أَوْجَبْتَ إِجَابَتَهُمْ ، و أَهْلُ السُّوءِ الَّذِينَ وَعَدْتَ الْكَشْفَ عَنْهُمْ «5» و أَشْبَهُ الْأَشْيَاءِ بِمَشِيَّتِكَ ، و أَوْلَى الْأُمُورِ بِكَ فِي عَظَمَتِكَ رَحْمَةُ من اسْتَرْحَمَكَ ، و غَوْثُ من اسْتَغَاثَ بِكَ ، فَارْحَمْ تَضَرُّعَنَا إِلَيْكَ ، و أَغْنِنَا إِذْ طَرَحْنَا أَنْفُسَنَا بَيْنَ يَدَيْکَ «6» اللَّهُمَّ إِنَّ الشَّيْطَانَ قَدْ شَمِتَ بِنَا إِذْ شَايَعْنَاهُ عَلَى مَعْصِيَتِكَ ، فَصَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ و آلِهِ ، و لا تُشْمِتْهُ بِنَا بَعْدَ تَرْكِنَا إِيَّاهُ لَكَ ، و رَغْبَتِنَا عَنْهُ إِلَيْكَ
(اللهم ان تشا تعف فبفضلك) اختلفوا: هل ثواب من اطاع الله هو لزوم و استحقاق كما قال المعتزله، او كرم و تفضل كما قال الاشاعره؟.
و فى راينا انه لا مبادله بين الخالق و المخلوق، و لا عوض و معوض بين الواجب و الممكن، فالملك كله لله و لا احد يملك معه شيئا. و لكنه، تقدست كلماته، هو الذى تفضل و جعل الثواب على طاعته حتما و حقا على رحمته كما قال: «ان الله اشترى من المومنين انفسهم و اموالهم بان لهم الجنه يقاتلون فى سبيل الله فيقتلون و يقتلون وعدا عليه حقا- 111 التوبه» و فى الايه 54 من الانعام: «كتب ربكم على نفسه الرحمه» اشترى سبحانه الانفس و الاموال من عباده و هو بها املك، و لكنه تعالى وعد بالثواب، و وعده حق لازم لمن وعد علما بانه تعالى لايجب عليه ان يعد و لا ان يثيب لولا الوعد، و لكن اصبح الثواب واجبا بالوعد تماما كما يجب علينا الوفاء بالعهد و النذر و اليمين. و بهذا نجد تفسير قوله تعالى: «ادخلوا الجنه بما كنتم تعملون- 32 النحل» اى بضميمه قوله سبحانه: «مثل الجنه التى وعد المتقون- 35 الرعد».
حكمه الله اسبق من رحمته
(و ان تشا ان تعذبنا فبعدلك) العدل: وضع الشى ء فى موضعه، و يختلف هذا الوضع تبعا للمورد و الموضوع، فالعدل فى القسمه ان تعطى كل ذى حق حقه بلا زياده او نقصان، و مثله العدل بالحكم و القضاء، و العدل فى الحساب ان تستقصى و تحصى بحيث لا تترك شيئا من الداخل، و لا تضيف شيئا من الخارج، و العدل فى الاجر و الجزاء ما يعادل العمل دون اجحاف فان زاد فتفضل.
و الله سبحانه امر عباده بالعدل، و عاملهم هو بالرحمه و المغفره الا الذين اشركوا به، و الذين عاملوا عباده و عياله بالعسف و الجور، و الذين
حرفوا دينه و شريعته عن قصد و تصميم، و بكلمه ان الله سبحانه لايغفر و لا يرحم جزافا و تشهيا، بل بموجب علمه و حكمته، و معنى هذا ان حكمته تسبق رحمته كما تسبق رحمته غضبه.
و بالمناسبه: قتل رجل من اصحاب الامام على (ع) جماعه من جيش معاويه فى حرب صفين، ثم اخذ اسيرا، ففرح معاويه و قال له: الحمد لله الذى امكننى منك.
فقال له الاسير: لا تقل ذلك يا معاويه، فان اسرى مصيبه نزلت بك.
فرد معاويه: كلا، انها نعمه و ايه نعمه اعظم من ان اتمكن من رجل قتل العديد من اصحابى؟ ثم نادى معاويه: يا غلام اضرب عنقه.
فقال الاسير مناجيا اله الخلق: اللهم اشهد ان معاويه لم يقتلنى فيك، و انما يقتلنى من اجل حطام الدنيا، فان فعل فافعل به ما هو اهله، و ان لم يفعل فافعل به ما انت اهله. فقال معاويه: ويحك لقد سببت فابلغت، و دعوت فاحسنت، ثم امر باخلاء سبيله.
(يا غنى الاغنياء) عن كل شى ء، لايستغنى عنه شى ء (فاجبر فاقتنا بوسعك) اى يسر لنا طريق الرزق و العيش بهدايتك و توفيقك. و فى الايه 10 من الكهف «و هيى ء لنا من امرنا رشدا» (فتكون قد اشقيت من استعبدبك) اى استعبد بنعمتك، و المعنى تفضلت سبحانك على عبدك بالكثير من النعم حيث خلقته فى احسن تقويم، و منحته البصر و البصيره و السمع و البيان... الى ما لايحصيه الا انت، ابعد منك عليه بكل ما انعمت تحرقه بنارك؟.
و قد يقول قائل: ان الله ليس بظلام للعبيد، و انه تعالى ما عاقب من عاقب الا بعد ان تمرد و استنكف عن طاعته، و ابى ان يشكر الله على نعمته، و عليه يكون هذا اشبه بالجراه على العداله الالهيه.
الجواب: ليس فى هذا الخطاب جراه و لا عتاب، و انما هو فرار من عذاب الله الى مغفرته، و من عدله الى رحمته، هو ثقه بالله و لطفه و لجوء الى ظله و كنفه... هذا الى ان الله سبحانه هو الذى جرا عباده على الالحاح و طلب النجده منه بكل صيحه و صرخه حيث قال، عز من قائل: «انه لايياس من روح الله الا القوم الكافرون- 87 يوسف»
(فالى من حينئذ منقلبنا... و الى اين يلتجى ء المخلوق الا الى خالقه؟ و الى من يذهب العبد الا الى سيده؟ و فى مزامير داود: «ارحمنى يا رب فحتى متى؟».
(سبحانك نحن المضطرون...) قلت يا رب العالمين: «امن يجيب المضطر اذا دعاه و يكشف السوء- 62 النمل» و قد مسنا السوء، و اضطررنا الى رحمتك، و ها نحن ندعوك، فاكشف عنا البلاء و الضراء كما قلت و وعدت
(و اشبه الاشياء بمشيئتك و اولى الامور فى عظمتك رحمه من استرحمك...) رحمه خبر لاشبه الاشياء، و المعنى انت يا الهى الجلال و الكمال المطلق الذى يفيض البر و الخيرات على عباده، و قد توسلنا اليك، و سالناك امرا هو من آثار سلطانك و احسانك (فارحم تضرعنا...) يسر امرنا، و اكشف عنا ما انت اعلم به منا... و سوالنا هذا حق و عدل ما دام المسوول اهل الجود و الفضل.
(اللهم ان الشيطان قد شمت بنا اذ شايعناه على معصيتك...) شمت ابليس بادم بعد ان اغراه بالشجره، و نال جزاءه بالخروج منها، ثم تاب آدم عن قريب و عفا الله عما سلف... و الان قد مثل الشيطان معنا نحن اولاد آدم نفس الدور، و اسرفنا على انفسنا تماما كما اسرف الوالد، و قد تبنا كما تاب، فاصفح و تسامح عن الاولاد كما سمحت و صفحت من قبل عن السيد الوالد.