فارسی
چهارشنبه 13 تير 1403 - الاربعاء 25 ذي الحجة 1445
قرآن کریم مفاتیح الجنان نهج البلاغه صحیفه سجادیه
0
نفر 0

طلب العفو

طلب العفو


 «1» اللَّهُمَّ ‌يا‌ ‌من‌ بِرَحْمَتِهِ يَسْتَغيثُ الْمُذْنِبُونَ «2» ‌و‌ ‌يا‌ ‌من‌ إِلَى ذِكْرِ إِحْسَانِهِ يَفْزَعُ الْمُضْطَرُّونَ «3» ‌و‌ ‌يا‌ ‌من‌ لِخِيفَتِهِ يَنْتَحِبُ الْخَاطِئُونَ «4» ‌يا‌ أُنْسَ كُلِّ مُسْتَوْحِشٍ غَرِيبٍ ، ‌و‌ ‌يا‌ فَرَجَ كُلِّ مَكْرُوبٍ كَئِيبٍ ، ‌و‌ ‌يا‌ غَوْثَ كُلِّ مَخْذُولٍ فَرِيدٍ ، ‌و‌ ‌يا‌ عَضُدَ كُلِّ مُحْتَاجٍ طَرِيدٍ «5» أَنْتَ الَّذِي وَسِعْتَ كُلَّ شَيْ ءٍ رَحْمَةً ‌و‌ عِلْماً «6» ‌و‌ أَنْتَ الَّذِي جَعَلْتَ لِكُلِّ مَخْلُوقٍ فِي نِعَمِكَ سَهْماً «7» ‌و‌ أَنْتَ الَّذِي عَفْوُهُ أَعْلَى ‌من‌ عِقَابِهِ «8» ‌و‌ أَنْتَ الَّذِي تَسْعَى رَحْمَتُهُ أَمَامَ غَضَبِهِ . «9» ‌و‌ أَنْتَ الَّذِي عَطَاؤُهُ أَكْثَرُ ‌من‌ مَنْعِهِ . «10» ‌و‌ أَنْتَ الَّذِي اتَّسَعَ الْخَلَائِقُ كُلُّهُمْ فِي وُسْعِهِ . «11» ‌و‌ أَنْتَ الَّذِي ‌لا‌ يَرْغَبُ فِي جَزَاءِ ‌من‌ أَعْطَاهُ . «12» ‌و‌ أَنْتَ الَّذِي ‌لا‌ يُفْرِطُ فِي عِقَابِ ‌من‌ عَصَاهُ . «13» ‌و‌ أَنَا ، ‌يا‌ إِلَهِي ، عَبْدُكَ الَّذِي أَمَرْتَهُ بِالدُّعَاءِ فَقَالَ لَبَّيْكَ ‌و‌ سَعْدَيْكَ ، ‌ها‌ أَنَا ذَا ، ‌يا‌ رَبِّ ، مَطْرُوحٌ بَيْنَ يَدَيْکَ . «14» أَنَا الَّذِي أَوْقَرَتِ الْخَطَايَا ظَهْرَهُ ، ‌و‌ أَنَا الَّذِي أَفْنَتِ الذُّنُوبُ عُمُرَهُ ، ‌و‌ أَنَا الَّذِي بِجَهْلِهِ عَصَاكَ ، ‌و‌ لَمْ تَكُنْ أَهْلًا مِنْهُ لِذَاكَ . «15» هَلْ أَنْتَ ، ‌يا‌ إِلَهِي ، رَاحِمٌ ‌من‌ دَعَاكَ فَأُبْلِغَ فِي الدُّعَاءِ أَمْ أَنْتَ غَافِرٌ لِمَنْ بَكَاكَ فَأُسْرِعَ فِي الْبُکاء أَمْ أَنْتَ مُتَجَاوِزٌ عَمَّنْ عَفَّرَ لَكَ وَجْهَهُ تَذَلُّلًا أَمْ أَنْتَ مُغْنٍ ‌من‌ شَکَا اِلَيْکَ ، فَقْرَهُ تَوَکُّلاً «16» إِلَهِي ‌لا‌ تُخَيِّبْ ‌من‌ ‌لا‌ يَجِدُ مُعْطِياً غَيْرَكَ ، ‌و‌ ‌لا‌ تَخْذُلْ ‌من‌ ‌لا‌ يَسْتَغْنِي عَنْكَ بِأَحَدٍ دُونَكَ . «17» إِلَهِي فَصَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ ‌و‌ آلِهِ ، ‌و‌ ‌لا‌ تُعْرِضْ عَنِّي ‌و‌ قَدْ أَقْبَلْتُ عَلَيْكَ ، ‌و‌ ‌لا‌ تَحْرِمْنِي ‌و‌ قَدْ رَغِبْتُ إِلَيْكَ ، ‌و‌ ‌لا‌ تَجْبَهْنِي بِالرَّدِّ ‌و‌ قَدِ انْتَصَبْتُ بَيْنَ يَدَيْكَ . «18» أَنْتَ الَّذِي وَصَفْتَ نَفْسَكَ بِالرَّحْمَةِ ، فَصَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ ‌و‌ آلِهِ ، ‌و‌ ارْحَمْنِي ، ‌و‌ أَنْتَ الَّذِي سَمَّيْتَ نَفْسَكَ بِالْعَفْوِ فَاعْفِ عَنّي «19» قَدْ تَرَى ‌يا‌ إِلَهِي ، فَيْضَ دَمْعِي ‌من‌ خِيفَتِكَ ، ‌و‌ وَجِيبَ قَلْبِي ‌من‌ خَشْيَتِكَ ، ‌و‌ انْتِقَاضَ جَوَارِحِي ‌من‌ هَيْبَتِكَ «20» كُلُّ ذَلِكَ حَيَاءٌ مِنْكَ لِسُوءِ عَمَلِي ، ‌و‌ لِذَاكَ خَمَدَ صَوْتِي عَنِ الْجَأْرِ إِلَيْكَ ، ‌و‌ كَلَّ لِسَانِي عَنْ مُنَاجَاتِكَ . «21» ‌يا‌ إِلَهِي فَلَكَ الْحَمْدُ فَكَمْ ‌من‌ عَائِبَةٍ سَتَرْتَهَا عَلَيَّ فَلَمْ تَفْضَحْنِي ، ‌و‌ ‌كم‌ ‌من‌ ذَنْبٍ غَطَّيْتَهُ عَلَيَّ فَلَمْ تَشْهَرْنِي ، ‌و‌ ‌كم‌ ‌من‌ شَائِبَةٍ أَلْمَمْتُ بِهَا فَلَمْ تَهْتِكْ عَنِّي سِتْرَهَا ، ‌و‌ لَمْ تُقَلِّدْنِي مَكْرُوهَ شَنَارِهَا ، ‌و‌ لَمْ تُبْدِ سَوْءَاتِهَا لِمَنْ يَلْتَمِسُ مَعَايِبِي ‌من‌ جِيرَتِي ، ‌و‌ حَسَدَةِ نِعْمَتِكَ عِنْدِي «22» ثُمَّ لَمْ يَنْهَنِي ذَلِكَ عَنْ أَنْ جَرَيْتُ إِلَى سُوءِ ‌ما‌ عَهِدْتَ مِنِّي «23» فَمَنْ أَجْهَلُ مِنِّي ، ‌يا‌ إِلَهِي ، بِرُشْدِهِ ‌و‌ ‌من‌ أَغْفَلُ مِنِّي عَنْ حَظِّهِ ‌و‌ ‌من‌ أَبْعَدُ مِنِّي ‌من‌ اسْتِصْلَاحِ نَفْسِهِ حِينَ أُنْفِقُ ‌ما‌ أَجْرَيْتَ عَلَيَّ ‌من‌ رِزْقِكَ فِيما نَهَيْتَنِي عَنْهُ ‌من‌ مَعْصِيَتِكَ ‌و‌ ‌من‌ أَبْعَدُ غَوْراً فِي الْبَاطِلِ ، ‌و‌ أَشَدُّ إِقْدَاماً عَلَي السُّوءِ مِنِّي حِينَ أَقِفُ بَيْنَ دَعْوَتِكَ ‌و‌ دَعْوَةِ الشَّيْطَانِ فَأَتَّبِعُ دَعْوَتَهُ عَلَي غَيْرِ عَميً مِنِّي فِي مَعْرِفَةٍ ‌به‌ ‌و‌ ‌لا‌ نِسْيَانٍ ‌من‌ حِفْظِي لَهُ «24» ‌و‌ أَنَا حِينَئِذٍ مُوقِنٌ بِأَنَّ مُنْتَهَى دَعْوَتِكَ إِلَى الْجَنَّةِ ، ‌و‌ مُنْتَهَى دَعْوَتِهِ إِلَي النَّارِ . «25» سُبْحَانَكَ ‌ما‌ أَعْجَبَ ‌ما‌ أَشْهَدُ ‌به‌ عَلَى نَفْسِي ، ‌و‌ أُعَدِّدُهُ ‌من‌ مَكْتُومِ أَمْرِي . «26» ‌و‌ أَعْجَبُ ‌من‌ ذَلِكَ أَنَاتُكَ عَنِّي ، ‌و‌ إِبْطَاؤُكَ عَنْ مُعَاجَلَتِي ، ‌و‌ لَيْسَ ذَلِكَ ‌من‌ كَرَمِي عَلَيْكَ ، بَلْ تَأَنِّياً مِنْكَ لِي ، ‌و‌ تَفَضُّلًا مِنْكَ عَلَيَّ لِأَنْ أَرْتَدِعَ عَنْ مَعْصِيَتِكَ الْمُسْخِطَةِ ، ‌و‌ أُقْلِعَ عَنْ سَيِّئَاتِيَ الْمخْلِقَةِ ، ‌و‌ لِأَنَّ عَفْوَكَ عَنِّي أَحَبُّ إِلَيْكَ ‌من‌ عُقُوبَتِي «27» بَلْ أَنَا ، ‌يا‌ إِلَهِي ، أَكْثَرُ ذُنُوباً ، ‌و‌ أَقْبَحُ آثَاراً ، ‌و‌ أَشْنَعُ أَفْعَالًا ، ‌و‌ أَشَدُّ فِي الْبَاطِلِ تَهَوُّراً ، ‌و‌ أَضْعَفُ عِنْدَ طَاعَتِكَ تَيَقُّظاً ، ‌و‌ أَقَلُّ لِوَعِيدِكَ انْتِبَاهاً ‌و‌ ارْتِقَاباً ‌من‌ أَنْ أُحْصِيَ لَكَ عُيُوبِي ، أَوْ أَقْدِرَ عَلَي ذِکْرِ ذُنُوبِي . «28» ‌و‌ إِنَّمَا أُوَبِّخُ بِهَذَا نَفْسِي طَمَعاً فِي رَأْفَتِكَ الَّتِي بِهَا صَلَاحُ أَمْرِ الْمُذْنِبِينَ ، ‌و‌ رَجَاءً لِرَحْمَتِكَ الَّتِي بِهَا فَكَاكُ رِقَابِ الْخَاطِئِينَ . «29» اللَّهُمَّ ‌و‌ هَذِهِ رَقَبَتِي قَدْ أَرَقَّتْهَا الذُّنُوبُ ، فَصَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ ‌و‌ آلِهِ ، ‌و‌ أَعْتِقْهَا بِعَفْوِكَ ، ‌و‌ هَذَا ظَهْرِي قَدْ أَثْقَلَتْهُ الْخَطَايَا ، فَصَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ ‌و‌ آلِهِ ، ‌و‌ خَفِّفْ عَنْهُ بِمَنِّكَ «30» ‌يا‌ إِلَهِي لَوْ بَكَيْتُ إِلَيْكَ حَتَّى تَسْقُطَ أَشْفَارُ عَيْنَيَّ ، ‌و‌ انْتَحَبْتُ حَتَّى يَنْقَطِعَ صَوْتِي ، ‌و‌ قُمْتُ لَكَ حَتَّى تَتَنَشَّرَ قَدَمَايَ ، ‌و‌ رَكَعْتُ لَكَ حَتَّى يَنْخَلِعَ صُلْبِي ، ‌و‌ سَجَدْتُ لَكَ حَتَّى تَتَفَقَّأَ حَدَقَتَايَ ، ‌و‌ أَكَلْتُ تُرَابَ الْأَرْضِ طُولَ عُمْرِي ، ‌و‌ شَرِبْتُ مَاءَ الرَّمَادِ آخِرَ دَهْرِي ، ‌و‌ ذَكَرْتُكَ فِي خِلَالِ ذَلِكَ حَتَّى يَكِلَّ لِسَانِي ، ثُمَّ لَمْ أَرْفَعْ طَرْفِي إِلَى آفَاقِ السَّمَاءِ اسْتِحْيَاءً مِنْکَ ‌ما‌ اسْتَوْجَبْتُ بِذَلِکَ مَحْوَ سَيِّئَةٍ وَاحِدَةٍ ‌من‌ سَيِّئَاتِي . «31» ‌و‌ إِنْ كُنْتَ تَغْفِرُ لِي حِينَ أَسْتَوْجِبُ مَغْفِرَتَكَ ، ‌و‌ تَعْفُو عَنِّي حِينَ أَسْتَحِقُّ عَفْوَكَ فَإِنَّ ذَلِكَ غَيْرُ وَاجِبٍ لِي بِاسْتِحْقَاقٍ ، ‌و‌ ‌لا‌ أَنَا أَهْلٌ لَهُ بِاسْتِيجَابٍ ، إِذْ كَانَ جَزَائِي مِنْكَ فِي أَوَّلِ ‌ما‌ عَصَيْتُكَ النَّارَ ، فَإِنْ تُعَذِّبْنِي فَأَنْتَ غَيْرُ ظَالِمٍ لِي . «32» إِلَهِي فَإِذْ قَدْ تَغَمَّدْتَنِي بِسِتْرِكَ فَلَمْ تَفْضَحْنِي ، ‌و‌ تَأَنَّيْتَنِي بِكَرَمِكَ فَلَمْ تُعَاجِلْنِي ، ‌و‌ حَلُمْتَ عَنِّي بِتَفَضُّلِكَ فَلَمْ تُغَيِّرْ نِعْمَتَكَ عَلَيَّ ، ‌و‌ لَمْ تُكَدِّرْ مَعْرُوفَكَ عِنْدِي ، فَارْحَمْ طُولَ تَضَرُّعِي ‌و‌ شِدَّةَ مَسْكَنَتِي ، ‌و‌ سُوءَ مَوْقِفِي . «33» اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ ‌و‌ آلِهِ ، ‌و‌ قِنِي ‌من‌ الْمَعَاصِي ، ‌و‌ اسْتَعْمِلْنِي بِالطَّاعَةِ ، ‌و‌ ارْزُقْنِي حُسْنَ الْإِنَابَةِ ، ‌و‌ طَهِّرْنِي بِالتَّوْبَةِ ، ‌و‌ أَيِّدْنِي بِالْعِصْمَةِ ، ‌و‌ اسْتَصْلِحْنِي بِالْعَافِيَةِ ، ‌و‌ أَذِقْنِي حَلَاوَةَ الْمَغْفِرَةِ ، ‌و‌ اجْعَلْنِي طَلِيقَ عَفْوِكَ ، ‌و‌ عَتِيقَ رَحْمَتِكَ ، ‌و‌ اكْتُبْ لِي أَمَاناً ‌من‌ سُخْطِكَ ، ‌و‌ بَشِّرْنِي بِذَلِكَ فِي الْعَاجِلِ دُونَ الآْجِلِ . بُشْرَى أَعْرِفُهَا ، ‌و‌ عَرِّفْنِي فِيهِ عَلَامَةً أَتَبَيَّنُهَا . «34» إِنَّ ذَلِكَ ‌لا‌ يَضِيقُ عَلَيْكَ فِي وُسْعِكَ ، ‌و‌ ‌لا‌ يَتَكَأَّدُكَ فِي قُدْرَتِكَ ، ‌و‌ ‌لا‌ يَتَصَعَّدُكَ فِي أَنَاتِكَ ، ‌و‌ ‌لا‌ يَؤُودُكَ فِي جَزِيلِ هِبَاتِكَ الَّتِي دَلَّتْ عَلَيْهَا آيَاتُكَ ، إِنَّكَ تَفْعَلُ ‌ما‌ تَشَاءُ ، ‌و‌ تَحْكُمُ ‌ما‌ تُرِيدُ ، إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْ ءٍ قَدِيرٌ
 
(اللهم ‌يا‌ ‌من‌ برحمته...) محاسبه النفس ‌و‌ اخذها باللوم ‌و‌ الشده ‌و‌ الاقرار عليها بالتقصير، ‌هو‌ الشرط الاول ‌و‌ الاساس للتقوى ‌و‌ الورع، ‌و‌ ‌من‌ براها ‌و‌ اعجب بها تزين له كل قبيح، ‌و‌ تريه العلم جهلا ‌و‌ الجهل علما، ‌و‌ الخير شرا ‌و‌ الشر خيرا، ‌و‌ ايضا تصور له ‌و‌ تشعره بانه اسعد الناس دنيا ‌و‌ آخره بهذا الجهل بالجهل... ‌و‌ قرات على الوجه الاول ‌من‌ جلد كتاب صدر حديثا، ‌ما‌ نصه بالحرف الواحد: «هل انت سعيد مثلى؟... الله جعلنى سعيدا ‌فى‌ الدارين معا. ‌و‌ بقراءتك لهذا الكتاب يمكنك ‌ان‌ تصبح سعيدا مثلى ‌من‌ غير ارتياب» ‌و‌ ‌فى‌ اول الصفحه الرابعه: «فهل يوجد لديك ‌يا‌ تاريخ ‌فى‌ القرن العشرين ‌من‌ يقول هذا غيرى فحدثنا عن وجوده لنسعد بخدمته ‌ما‌ دمنا احياء» ‌و‌ ‌ما‌ يذكر الااولى الالباب.
 ‌و‌ الامام السجاد (ع) يحذر كل عاقل ‌من‌ هذا التهور الاعمى، ‌و‌ يلقى علينا درسا باسلوب الدعاء ‌و‌ الاعتراف بالذنب، ‌و‌ طلب العفو منه تعالى يقول: (اللهم ‌يا‌ ‌من‌ برحمته يستغيث المذنبون) ‌و‌ ‌هو‌ سبحانه يغيثهم، ‌و‌ يغفر لهم الا ‌من‌ نزه نفسه عن الخطاء ‌و‌ الخطيئه فلا غفران لذنبه. ‌و‌ سلام على ‌من‌ قال: ‌و‌ اغفر لنا ‌ما‌ لايعلمون  
 
(و ‌يا‌ ‌من‌ الى ذكر احسانه يفزع المضطرون) يفزع اليه: يلجا اليه، ‌و‌ المراد بذكر الاحسان هنا التوسل ‌و‌ الرجاء
 
(و ‌يا‌ ‌من‌ لخيفته ينتحب الخاطئون) البكاء ‌من‌ اجل الخطيئه توبه و سبب للرحمه ‌و‌ المغفره. ‌و‌ ‌فى‌ نهج البلاغه: طوبى لمن بكى على خطيئته فكان ‌من‌ نفسه ‌فى‌ شغل، ‌و‌ الناس منه ‌فى‌ راحه  
 
(يا انس كل مستوحش) الوحده امنيه العلماء ‌و‌ العابدين حيث ينصرف هولاء الى الصلاه ‌و‌ التلاوه ‌و‌ المناجاه ‌و‌ اولئك الى الكتاب ‌و‌ القلم، ‌و‌ الكل مقبل على الله، ‌و‌ قريب منه، ‌و‌ مبتهج بفضله ‌و‌ توفيقه الى طاعته، ‌و‌ ‌من‌ ذاق طعم العلم ‌لا‌ يانس الا به، اما ذكر الله ‌و‌ مناجاته فراحه ‌و‌ سكينه تعرفها قلوب المومنين (و ‌يا‌ فرج كل مكروب) ‌هو‌ وحده مجيب الدعوات، ‌و‌ كاشف الكربات، ‌و‌ غافر السيئات (و ‌يا‌ غوث كل مخذول) ‌و‌ ‌لا‌ ناصر لمن خذلت، ‌و‌ ‌لا‌ فاتح لما اغلقت (و ‌يا‌ عضد كل محتاج) تنظر ‌فى‌ حاجات عبادك، ‌و‌ تقضى بموجب علمك ‌و‌ عدلك ‌و‌ حكمتك.
 
(انت الذى وسعت كل شى ء رحمه ‌و‌ علما) رحمته ‌و‌ علمه يشملان كل الاشياء بلا استثناء
 
(و انت الذى جعلت لكل مخلوق ‌فى‌ نعمك سهما) لكل مخلوق ‌من‌ الكائنات حسب حاجته... ‌و‌ ‌من‌ الذى قدر ‌و‌ هدى؟ الطبيعه العمياء ‌او‌ الصدفه خلقت الكون بمن فيه ‌و‌ ‌ما‌ فيه ‌من‌ عناصر ‌و‌ قوانين ‌و‌ عجائب، ‌و‌ قدرتها تقديرا: «ما لكم لاترجون لله ‌و‌ قارا ‌و‌ قد خلقكم اطوارا- 14 نوح»
 
(و انت الذى عفوه اعلى ‌من‌ عقابه) مهما كثرت ذنوب العباد فعفو الله اكثر ‌و‌ اغزر. ‌و‌ ‌فى‌ الحديث: «ليغفرن الله تعالى يوم القيامه مغفره ‌ما‌ خطرت قط على قلب احد حتى ‌ان‌ ابليس ليتطاول لها رجاء ‌ان‌ تصيبه»
 
(و انت الذى تسعى رحمته امام غضبه) سبقت رحمته غضبه  
 
(و انت الذى عطاوه اكثر ‌من‌ منعه) ‌و‌ ‌ان‌ تعدوا نعمه الله لاتحصوها- 34 ابراهيم  
 
(و انت الذى اتسع الخلائق كلهم ‌فى‌ وسعه) المراد بالوسع الاول عدم الضيق عن شى ء ‌و‌ الاحاطه بكل الاشياء، ‌و‌ بالوسع الثانى الغنى ‌و‌ الخير، ‌اى‌ لاتغيض خزائنه بل تفيض  
 
(و انت الذى لايرغب ‌فى‌ جزاء ‌من‌ اعطاه) لانك الغنى عن كل شى ء، ‌و‌ ‌لا‌ غنى لشى ء عنك  
 
(و انت الذى لايفرط ‌فى‌ عقاب ‌من‌ عصاه) تجزى المسى ء بما اساء ‌من‌ غير زياده، ‌و‌ تعفو عن كثير.
 
(و انا ‌يا‌ الهى عبدك الذى امرته بالدعاء...) ‌من‌ داب الامام (ع) ‌و‌ عادته ‌ان‌ يفتتح اولا الدعاء ‌و‌ المناجاه بحمد الله سبحانه، ‌و‌ الثناء عليه بصفات
 
الجلال ‌و‌ الاكرام، ثم يذكر حاجته، ‌و‌ على هذا الاساس افتتح الدعاء الذى نحن بصدده، بذكر الله ‌و‌ انه مغيث المذنبين ‌و‌ مفزع الخائفين ‌و‌ المضطرين..
 ثم قال: ‌و‌ انا ‌من‌ هولاء جئتك مطيعا لامرك ‌و‌ سائلا ‌من‌ فضلك ‌و‌ راجيا ‌ما‌ وعدت ‌به‌ ‌من‌ الاجابه اذ تقول: ادعونى استجب لكم  
 
(انا الذى ‌او‌ قرت الخطايا ظهره) هذا ظهرى اثقلته الاوزار (و انا الذى افنت الذنوب عمره) قد يكون الاعتراف بالتقصير ‌و‌ المعصيه، ‌من‌ الطاعه ‌و‌ تقوى القلوب كما يكون الاعتراف ‌من‌ العالم بما يجهل رسوخا ‌فى‌ العلم.
 (و انا الذى بجهله عصاك) المراد بالجهل هنا السفه، ‌و‌ ‌فى‌ روايه عن المعصوم: كل ذنب عمله العبد، ‌و‌ ‌ان‌ كان عالما، فهو جاهل لانه خاطر بنفسه ‌فى‌ معصيه ربه (و ‌ان‌ لم تكن اهلا لذاك) اشاره الى المعصيه، ‌و‌ المعنى الله سبحانه ‌هو‌ المنعم ‌و‌ المتفضل، فيجب ‌ان‌ يطاع شكرا لنعمه، ‌لا‌ ‌ان‌ يعصى  
 
(هل انت ‌يا‌ الهى راحم ‌من‌ دعاك) هذه هى حاجه الامام (ع) الاولى ‌و‌ الغايه القصوى ‌من‌ دعائه ‌و‌ تضرعه: الرحمه ‌و‌ المغفره، ‌و‌ هى امنيه كل مومن ‌و‌ عاقل (فابلغ ‌فى‌ الدعاء) فاجتهد ‌فى‌ التضرع اليك لترحمنى (ام انت غافر لمن بكاك...) هل يجدى التوسل اليك بالبكاء ‌و‌ العويل لما سبق ‌من‌ معصيتك حتى ابادر اليه؟ (ام انت متجاوز عمن عفر لك وجهه...) عطف تكرار.
 
(الهى لاتخيب ‌من‌ لايجد معطيا غيرك...) اذا خاب الوافدون على غيرك، ‌و‌ خسر المتعرضون لسواك فالى اين يذهبون الا الى جودك المباح للسائلين  
 
(و لاتعرض عنى ‌و‌ قد اقبلت عليك) لاتصرف عنى وجهك الكريم، ‌و‌ قد انصرفت اليك بكلى لانك ثقتى ‌و‌ رجائى ‌فى‌ كل الامور (و ‌لا‌ تحرمنى...) عطف تكرار
 
(و انت ‌و‌ صفت نفسك بالرحمه) حيث قلت ‌فى‌ كتابك العزيز: «كتب ربكم على نفسه الرحمه- 54 الانعام... و ‌من‌ يقنط ‌من‌ رحمه ربه الا الظالمون- 56 الحجر... ‌و‌ رحمتى وسعت كل شى ء- 156 ‌و‌ انا شى ء فلتسعنى رحمتك.
 (و انت الذى سميت نفسك بالعفو) بتشديد الواو ‌من‌ صيغ المبالغه، ‌و‌ قد وصف نفسه سبحانه بذلك ‌فى‌ الايه 60 ‌من‌ الحج: «ان الله لعفو غفور»
 
(و قد ترى ‌يا‌ الهى...) كل ‌ما‌ ذكره الامام (ع) ‌من‌ الدموع الفائضه ‌و‌ القلب الخافق ‌و‌ الاعضاء المتهدمه ‌هو‌ كنايه عن قوه ايمانه بالله ‌و‌ انقطاعه اليه ‌و‌ خوفه منه مع الحياء ‌من‌ سواله تعالى ‌و‌ مناجاته، ‌و‌ السبب الموجب لذلك ‌ما‌ اشار اليه بقوله: (لسوء عملى) ‌و‌ الذى نفهمه ‌من‌ هذا الاعتراف انه تصاغر لعظمه الله ‌و‌ تقدير لجلاله ‌و‌ كماله (و لذا خمد صوتى عن الجار اليك) الجار: رفع الصوت بالدعاء اليه تعالى  
 
(فكم ‌من‌ عائبه) ‌من‌ فعله قبيحه، ‌و‌ مثلها شائبه (الممت بها) ‌ما‌ رستها ‌و‌ فعلتها (و لم تقلدنى مكروه شنارها) لم تفضحنى امام الملا بعارها ‌و‌ اقذارها، ‌و‌ ‌فى‌ دعاء آخر: «كلنا قد اقترف العائبه فلم تشهره، ‌و‌ ارتكب الفاحشه فلم تفضحه».
 ‌و‌ لو ‌ان‌ الله سبحانه فضح ‌فى‌ عاجل الدنيا كل مذنب ‌و‌ مسى ء لارتدع عن القبيح ‌لا‌ لقبحه ‌و‌ ‌لا‌ خوفا ‌من‌ الله ‌و‌ طاعه لامره، بل خوفا ‌من‌ الفضيحه ‌و‌ عندئذ يتعذر التمييز بين الطيب الذى يستحق المدح ‌و‌ الثواب ‌و‌ بين الخبيث الذى يستحق الذم ‌و‌ العقاب.
 (و لم تبد سوآتها) جمع سوءه، ‌و‌ هى الخله القبيحه (من جيرتى) جيرانى (و حسده نعمتك عندى) الحسده: جمع حاسد، ‌و‌ نعوذ بالله ‌من‌ كيد الحاسدين، ‌و‌ تكلمنا حول الحسد ‌فى‌ الدعاء الثامن ‌من‌ فقره الحسد
 
(ثم لم ينهنى ذلك عن ‌ان‌ جريت الى سوء ‌ما‌ عهدت منى) سترت ‌يا‌ الهى الكثير ‌من‌ عيوبى، ‌و‌ كان على ‌ان‌ اشكر ‌و‌ انتهى، ‌و‌ لكنى تماديت فيما لايرضيك.
 ‌و‌ بعد، فان التضرع ‌و‌ التذلل لله سبحانه ‌هو‌ نوع ‌من‌ عباده الخاشعين ‌و‌ خوف العابدين ‌و‌ يقين العلماء الذين عناهم سبحانه بقوله: «انما يخشى الله ‌من‌ عباده العلماء- 28 فاطر».
 
و الدفاع ‌و‌ اقامه العدل ‌و‌ الضمان بشتى انواعه الضروريه... الى غير ذلك ‌من‌ متطلبات الحياه، فاذا تجاوز صرف المال ‌و‌ انفاقه حدود ‌ما‌ يجلب نفعا ‌او‌ يدفع ضرا فهو سفه ‌و‌ تبذير ‌و‌ فساد ‌و‌ اسراف ‌و‌ معصيه لله ‌و‌ شريعته كما اشار الامام ( ع).
 ‌و‌ ‌فى‌ نهج البلاغه: «اقل ‌ما‌ يلزمكم لله ‌ان‌ لاتستعينوا بنعمه على معصيته» ‌و‌ عن الامام الصادق (ع): «ليس فيما اصلح اسراف، ‌و‌ انما الاسراف فيما اتلف المال... ضمنت لمن اقتصد ‌ان‌ لايفتقر... ‌لا‌ خير فيمن لايحب جمع المال ‌من‌ حلال فيكف ‌به‌ وجهه ‌و‌ يقضى ‌به‌ دينه... الفقر ‌هو‌ الموت الاحمر». ‌و‌ ‌فى‌ صيد الخاطر لابن الجوزى: ‌من‌ ادعى بغض المال فهو كذاب الى ‌ان‌ يثبت صدقه، فاذا ثبت صدقه فهو مجنون.
 
 دعوه الرحمن ‌و‌ دعوه الشيطان
 (و ‌من‌ ابعد غورا ‌فى‌ الباطل...) اختلف الناس منذ القديم ‌فى‌ مفهومى الخير ‌و‌ الشر، فمن قائل: ‌لا‌ مفهوم اطلاقا لكلمه خير ‌او‌ شر، بل هى ‌من‌ نوع الكلام الفارغ، على ‌ما‌ يقول فلاسفه الوضعيه المنطقيه، ‌و‌ كل ‌ما‌ هناك ‌ان‌ الانسان الفرد اذا انجذب الى الشى ء الذى يشتهيه اطلق عليه كلمه خير ‌من‌ ذاته ‌و‌ عندياته، ‌و‌ اذا تعارض مع شهوته ‌و‌ نفر منه سماه شرا!. ‌و‌ قال آخرون: ‌ان‌ لكل مفهوم ‌من‌ الخير ‌و‌ الشر استقلالا ‌فى‌ عالمه تماما كالعلم ‌و‌ الجهل ‌و‌ الغنى ‌و‌ الفقر ‌و‌ الصحه ‌و‌ المرض.
 ‌و‌ مهما اختلف العلماء ‌و‌ الفلاسفه ‌فى‌ هذا الموضوع فانهم يجمعون قولا واحدا- ‌من‌ حيث يشعرون ‌او‌ لايشعرون- على ‌ان‌ الشى ء الذى يضرك ‌او‌ يضر الاخرين ‌هو‌ شر، ‌و‌ ‌ان‌ ‌ما‌ ينفعك ‌و‌ ينفع الناس ‌هو‌ خير، ‌و‌ ‌ان‌ ‌فى‌ داخل الانسان شيئا يدفعه الى فعل هذا ‌و‌ ترك ذاك، بل ‌هو‌ يشعر ‌فى‌ كثير ‌من‌ الاحيان بالقلق ‌و‌ التردد بين فعل الشى ء ‌و‌ الواحد ‌و‌ تركه، ‌و‌ يوازن بينهما ‌فى‌ قراره نفسه، ‌و‌ يناقش ‌ما‌ ‌فى‌ كل منهما ‌من‌ مضار ‌و‌ منافع ‌فى‌ نظره، ‌و‌ على هذا الاساس يقدم ‌او‌ يحجم، فان اقدم على ‌ما‌ فيه خير ‌و‌ صلاح فقد استجاب لدعوه الرحمن، ‌و‌ ‌ان‌ اختار ‌ما‌ فيه ‌شر‌ ‌و‌ فساد فقد لبى دعوه الشيطان كما جاء ‌فى‌ عباره الامام (ع) اما غيره فيسند عمل الخير الى منطق العقل، ‌و‌ فعل الشر الى الشهوه ‌و‌ نزوه العاطفه، ‌و‌ الفرق ‌فى‌ المبنى ‌لا‌ ‌فى‌ المعنى. ‌و‌ نعوذ بالله ‌من‌ نفثات الشيطان ‌و‌ ‌من‌ العاطفه اذا اشتعلت، فانها تطغى بنارها ‌و‌ دخانها على الدين ‌و‌ العقل، ‌و‌ تقود صاحبها الى كل ‌شر‌ وسوء، ‌و‌ هذا العاطفى ‌هو‌ الذى عناه الامام (ع) بقوله: ‌لا‌ احد ابعد منه غورا ‌فى‌ الباطل ‌و‌ ‌لا‌ اشد اقداما على السوء، اما ياء المتكلم هنا فهى كياء ابراهيم الخليل (ع) ‌فى‌ قوله: «و الذى اطمع ‌ان‌ يغفر لى خطيئتى يوم الدين- 82 الشعراء» ‌و‌ المراد هنا المخطى ء على وجه العموم دون البرى ء بحكم البديهه، ‌و‌ مثلها الياء ‌فى‌ قول الامام (ع):
 
(فمن اجهل منى ‌يا‌ الهى برشده...) العقلاء لايضعون المال الا ‌فى‌ واجب، ‌و‌ له العديد ‌من‌ المظاهر ‌و‌ الموارد، ‌و‌ ‌من‌ اهمها ‌ان‌ يوضع ‌فى‌ تنميه الموارد الطبيعيه، بخاصه التربه الزراعيه ‌و‌ الثروه المائيه ‌و‌ المعدنيه، ‌و‌ يستثمر ‌فى‌ الصناعه ‌و‌ التجاره لتوفير الدخل ‌و‌ زياده الانتاج بصوره دائمه لتستقيم الحياه، ‌و‌ منها للسكن ‌و‌ الكساء ‌و‌ الغذاء، ‌و‌ المواضلات ‌و‌ العلم ‌و‌ الصحه ‌و‌ الامن و الدفاع ‌و‌ اقامه العدل ‌و‌ الضمان بشتى انواعه الضروريه... الى غير ذلك ‌من‌ متطلبات الحياه، فاذا تجاوز صرف المال ‌و‌ انفاقه حدود ‌ما‌ يجلب نفعا ‌او‌ يدفع ضرا فهو سفه ‌و‌ تبذير ‌و‌ فساد ‌و‌ اسراف ‌و‌ معصيه لله ‌و‌ شريعته كما اشار الامام ( ع).
 ‌و‌ ‌فى‌ نهج البلاغه: «اقل ‌ما‌ يلزمكم لله ‌ان‌ لاتستعينوا بنعمه على معصيته» ‌و‌ عن الامام الصادق (ع): «ليس فيما اصلح اسراف، ‌و‌ انما الاسراف فيما اتلف المال... ضمنت لمن اقتصد ‌ان‌ لايفتقر... ‌لا‌ خير فيمن لايحب جمع المال ‌من‌ حلال فيكف ‌به‌ وجهه ‌و‌ يقضى ‌به‌ دينه... الفقر ‌هو‌ الموت الاحمر». ‌و‌ ‌فى‌ صيد الخاطر لابن الجوزى: ‌من‌ ادعى بغض المال فهو كذاب الى ‌ان‌ يثبت صدقه، فاذا ثبت صدقه فهو مجنون.
 
(سبحانك ‌ما‌ اعجب ‌ما‌ اشهد ‌به‌ على نفسى) كل ‌من‌ آمن بالله ‌و‌ اليوم الاخر ‌لا‌ يعصى الله سبحانه بقصد عصيانه ‌و‌ العناد له، بل لشهوه قاهره ‌و‌ نزوه عابره... حتى اذا ملك عقله تراجع نادما على فعله، ‌و‌ شهد على نفسه بالخطاء ‌و‌ الخطيئه بل ‌و‌ تعجب ‌من‌ امهال الله له ‌و‌ ابطائه عن اخذه بجرمه ‌و‌ جريرته.
 
(و تفضلا منك على لان ارتدع عن معصيتك المسخطه) ‌اى‌ الموجبه لغضبك ‌و‌ عذابك، ‌و‌ الله سبحانه يمهل العصاه ‌و‌ ‌لا‌ يعاجلهم بالعقوبه لامور ثلاثه: الاول ‌ان‌ تكون حجته تعالى ابلغ ‌و‌ احسانه اليهم اوفى. الثانى ‌ان‌ يتوبوا ‌و‌ يستبدلوا المعصيه بالطاعه. الثالث ‌ما‌ اشار اليه الامام (ع) بقوله: (و لان عفوك عنى احب اليك ‌من‌ عقوبتى) يريد الله لعباده الخير ‌و‌ اليسر ‌و‌ ‌لا‌ يرهقهم بالعسر، بل ‌هو‌ ارحم بهم ‌من‌ الام الروف بوليدها، ‌و‌ لايعذب احدا الا باستحقاق، ‌و‌ يعفو عن كثير، ‌و‌ ماذا يصنع بعذابهم ‌و‌ ‌هو‌ الغنى الحميد، ‌و‌ ‌فى‌ دعاء آخر: «لو ‌ان‌ عذابى يزيد ‌فى‌ ملكك لسالتك الصبر عليه، ‌و‌ لكن سلطانك اللهم اعظم، ‌و‌ ملكك ادوم» هذا، الى انه يثيب على مجرد صدق النيه ‌و‌ طيب السريره، ‌و‌ لايعاقب على خبثها ‌و‌ سوئها الا اذا اورقت ‌و‌ اثمرت.
 
(بل انا ‌يا‌ الهى اكثر ذنوبا...) ابدا ‌لا‌ داعى للحساب والسوال ‌و‌ الجواب... فانا كتله ‌من‌ الذنوب ‌و‌ العيوب، ‌و‌ ‌لا‌ شى ء لدى سوى الايمان بعدلك ‌و‌ حكمتك، ‌و‌ الاستسلام لامرك ‌و‌ حكمك، ‌و‌ الشعور ‌من‌ الاعماق بان كثره الذنوب تكف صوتى عنك ‌و‌ مد يدى اليك اللهم الا ‌ان‌  
 
(اوبخ نفسى بهذا طمعا ‌فى‌ رافتك التى بها صلاح امر المذنبين) قلت ‌فى‌ كتابك المجيد: «ثم ان ربك للذين عملوا السوء بجهاله ثم تابوا ‌من‌ بعد ذلك ‌و‌ اصلحوا ‌ان‌ ربك ‌من‌ بعدها لغفور رحيم- 119 النحل» ‌و‌ هذه النعمه منك رافه ‌و‌ رحمه ‌و‌ عتق ‌من‌ النار للمذنبين ‌و‌ الخاطئين ‌و‌ استصلاح لما فسد منهم، ‌و‌ قد تبت اليك، ‌و‌ لن اعود الى معصيتك.
 
(اللهم ‌و‌ هذه رقبتى قد ارقتها) ‌اى‌ صيرتها الذنوب رقا بعد الحريه (فصل على محمد ‌و‌ آله ‌و‌ اعتقها بعفوك) امح عنى ‌ما‌ اسلفت ‌و‌ حررنى ‌من‌ الرق (و هذا ظهرى...) عطف تكرار. ‌و‌ قالوا: هذا الاعتراف درس ‌من‌ الامام (ع) ‌و‌ تعليم. ‌و‌ قلنا فيما سبق: ‌هو‌ ضرب ‌من‌ عباده العلماء بالله الذين لايخشون احدا سواه. سلمنا- جدلا- انه تعليم، فهل تعلم ‌و‌ انتفع بهذا الدرس ‌و‌ عمل ‌به‌ الذين آمنوا ‌و‌ اقاموا الصلاه ‌و‌ كرروا التسبيحات؟
 
(اشفار عينى): اهدابها ‌و‌ هى شعر الجفن الاعلى ‌و‌ الاسفل (و قمت لك) صليت لك (حتى تتنشر قدماى) تتنشر: تنتفخ ‌من‌ التعب كما ‌فى‌ مجمع البحرين للشيخ الطريحى (حتى ينخلع صلبى) خلع الشى ء: ازاله ‌او‌ ازاحه ‌من‌ مكانه ‌و‌ الصلب: عظم الظهر (تتفقا حدقتاى) فقا العين: قلعها، ‌و‌ الحدقه: سواد العين، ‌و‌ تطلق عليها بالذات (ماء الرماد) الممزوج بالرماد.
 
 ‌ما‌ طلب الدنيا ‌من‌ خالقها
  ‌ان‌ بناء الانسانيه ‌لا‌ يكتمل ‌و‌ يستقيم بالماده وحدها ‌و‌ ‌لا‌ بالروح وحدها بل ‌لا‌ ‌بد‌ ‌من‌ هذه ‌و‌ تلك، ‌و‌ العمل لهما معا ‌فى‌ وقت واحد على ‌ان‌ تراعى عمليه التوازن بينهما ‌فى‌ دقه ‌و‌ براعه، كما ‌فى‌ الحديث الشريف: اعمل لدنياك كانك تعيش ابدا، ‌و‌ لاخرتك كانك تموت غدا، ‌و‌ ‌فى‌ عصر الامام السجاد (ع) طغى الفساد ‌و‌ الاستبداد على كل شى ء، ‌و‌ لم تبق للدماء ‌و‌ الاموال ‌و‌ الاعراض ايه حرمه ‌و‌ حصانه، ‌و‌ ‌لا‌ قوه تردع ‌او‌ حاكم يسمع، فاتخذ الامام (ع) ‌من‌ اذاعه ادعيته ‌و‌ مناجاته وسيله لهدايه الناس ‌و‌ رجوعهم الى الله ‌و‌ نجاتهم ‌من‌ هذا الخطر الفظيع حيث ‌لا‌ خلاص للانسانيه ‌من‌ المتاعب ‌و‌ المشكلات ‌فى‌ كل عصر ‌و‌ مضر الا بالتوجه الى الله، ‌و‌ كلما ازدادت الماده قوه تفاقمت الالام، ‌و‌ تراكمت المصائب «ان الانسان ليطغى ‌ان‌ رآه استغنى- 6 العلق» ‌و‌ قد استغنى انسان القرن العشرين، فاتخذ ‌من‌ الماده الها، ‌و‌ ملا الارض فسادا ‌و‌ شرا ‌و‌ رعبا ‌و‌ جورا و ‌لا‌ سبب موجب الا الانصراف عن الله ‌و‌ الحق ‌و‌ العدل.
 ‌و‌ نعود الى كلمات الامام (ع) لنشير ‌ان‌ الله سبحانه يقبل التوبه ممن اسرف على نفسه، بمجرد الندم عن صدق ‌و‌ اخلاص، ‌و‌ ‌لا‌ يكلفه الا وسعا ‌و‌ يسرا: «ما يريد الله ليجعل عليكم ‌من‌ حرج- 6 المائده-... يريد الله بكم اليسر ‌و‌ لايريد بكم العسر- 185 البقره» ‌و‌ قد عاتب نبيه الكريم (ص) لما قام الليل حتى تورمت قدماه ‌و‌ قال له: «طه ‌ما‌ انزلنا عليك القرآن لتشقى الا تذكره لمن يخشى» ‌و‌ تواتر عن الرسول الاعظم (ص): ‌لا‌ رهبانيه ‌فى‌ الاسلام. اما مراده بالجهاد الاكبر ‌فى‌ حديث الجهاد فهو اخذ النفس الاماره بالشده ‌و‌ كبحها عن المحرمات، ‌و‌ بهذا يكون الانسان ربانيا، يزداد قربا ‌من‌ خالقه حتى يرتفع عنده الى اعلى الدرجات، ‌و‌ عليه يكون اكل التراب ‌و‌ شرب ماء الرماد ‌و‌ القيام حتى تنتفخ القدمان ‌و‌ الركوع حتى ينخلع الظهر ‌و‌ السجود حتى تسقط العين ‌و‌ اهدابها، كل ذلك ‌و‌ ‌ما‌ اليه حرام محرم شرعا ‌و‌ عقلا ‌و‌ عرفا.
 ‌و‌ الامام (ع) ‌ما‌ فعل شيئا ‌من‌ ذلك، ‌و‌ ‌لا‌ نقله عنه ناقل، ‌و‌ انما اراد بكلماته هذه الارشاد ‌و‌ التنبيه الى ‌ان‌ التوسل اليه تعالى انما يكون بالعمل ‌و‌ بذل المجهود ‌لا‌ بالكلام ‌و‌ طلب الجود فقط ‌من‌ الله... هذا الى ‌ان‌ مناجاه الامام (ع)- على وجه العموم- تجسد بشكل واضح علمه الراسخ بعظمه الله ‌و‌ جلاله، ‌و‌ فناءه ‌فى‌ حبه ‌و‌ طاعته، ‌و‌ انصرافه كله الى الله ‌و‌ اليوم الاخر ‌فى‌ كل ‌ما‌ يقصد ‌و‌ يقول ‌و‌ يفعل، ‌و‌ ‌لا‌ شى ء اصدق ‌فى‌ الدلاله على ذلك ‌من‌ جوابه للحاكم الاموى هشام ‌بن‌ عبدالملك حين قال له: اطلب حاجتك. فجابهه بهذه الكلمه العاصفه القاصفه: «ما طلبت الدنيا ‌من‌ خالقها حتى اطلبها ‌من‌ المخلوق»!. ‌و‌ كل ائمه الشيعه ‌من‌ هذا المعدن ‌و‌ الجوهر: ‌ما‌ طلبوا الدنيا حتى ‌من‌ خالقها، لان دنياهم هى آخرتهم، ‌و‌ ‌ما‌ عملوا الا لله ‌و‌ لها.
 
(لم ارفع طرفى الى آفاق السماء...) هذا كنايه عن الخضوع ‌و‌ التذلل لعزته تعالى ‌و‌ كماله ‌و‌ الا فان الله ‌فى‌ كل مكان بعلمه ‌و‌ قدرته، ‌و‌ ‌هو‌ اقرب الينا ‌من‌ حبل الوريد
 
(و ‌ان‌ كنت تغفر لى حين استوجب مغفرتك ‌و‌ تعفو حين استحق عفوك،فان ذلك غير واجب لى باستحقاق). ‌و‌ تسال: ‌ان‌ قول الامام (ع) ‌فى‌ فعل الشرط: «حين استوجب مغفرتك ‌و‌ حين استحق عفوك» ظاهر الدلاله ‌فى‌ ‌ان‌ العفو ‌حق‌ للتائب ‌و‌ المغفره له واجبه على الله تعالى، ‌و‌ قوله (ع) ‌فى‌ جواب الشرط: «فان ذلك غير واجب لى باستحقاق». صريح ‌فى‌ انه ‌لا‌ ‌حق‌ للتائب ‌و‌ ‌لا‌ وجوب على الله ‌ان‌ يقبل ‌و‌ يعفو! فكيف نفى ‌ما‌ اثبت، ‌و‌ نقض ‌ما‌ ابرم؟.
 الجواب: ‌ان‌ التوبه ‌من‌ حيث هى لاتسقط العقوبه على الجريمه بمقتضى الاصل ‌و‌ ‌فى‌ الشرائع الوضعيه، ‌و‌ لكن الله سبحانه تفضلا منه ‌و‌ كرما اوجب على نفسه قبول التوبه ‌و‌ اسقاط العقوبه على ايه جريمه سابقه الا ‌ان‌ تكون حقا للاخرين حيث قال: ‌عز‌ ‌من‌ قائل: «انما التوبه على الله للذين يعملون السوء بجهاله- 17 النساء... افلا يتوبون الى الله ‌و‌ يستغفرونه ‌و‌ الله غفور رحيم- 74 المائده». ‌و‌ معنى هذا ‌ان‌ التائب لايستوجب المغفره بمقتضى الاصل، ‌و‌ يستوجبها بموجب النص، ‌و‌ الامام (ع) نفى الوجوب بالنظر الى الاصل، ‌و‌ اثبته مع ملاحظه النص، ‌و‌ عليه فلا تنافر ‌و‌ تناقض بين فصل الشرط ‌و‌ جوابه ‌و‌ بين صدر الكلام ‌و‌ عجزه (انظر شرح الدعاء العاشر فقره الثواب تفضل ‌او‌ احسان).
 (اذا كان جزائى منك ‌فى‌ اول ‌ما‌ عصيتك النار) لان الجزاء على الذنب يسوغ بدارا ‌و‌ تاخيرا، عاجلا ‌و‌ آجلا ‌و‌ معنى هذا (ان تعذبنى) الان ‌و‌ على الفور (فانت غير ظالم لى) بل انا المذنب الظالم نفسى بنفسى. ‌و‌ بالنهايه فان السباق الى عفو الله ‌و‌ مرضاته لايكون ‌و‌ لن يكون الا بمقاومه الظلم ‌و‌ الباطل ‌و‌ مناصره الحق ‌و‌ العدل، ‌و‌ بقهر النفس الاماره ‌و‌ اخذها بالشده ‌و‌ اعداد العده.
 
(الهى، فاذ قد تغمدتنى) غمرتنى بسترك على فيما اطلعت عليه ‌من‌ ذنوبى (فلم تفضحنى) عطف تكرار ‌و‌ تفسير (و تانيتنى) امهلتنى تفضلا منك ‌كى‌ استدرك بالتوبه ‌و‌ العمل الصالح (و لم تعاجلنى بالعقوبه) على تقصيرى ‌فى‌ الشكر لك على ‌ما‌ اسديت (و حلمت عنى بتفضلك) عاملتنى باحسانك ‌لا‌ بما استحق (فلم تغير نعمتك على) علما بانى قابلتها بالتقصير ‌و‌ نكران الجميل (و لم تكدر معروفك عندى) عطف تكرار (فارحم طول تضرعى) ‌و‌ لاتخيب رجائى (و سوء موقفى) ‌و‌ ارحم موقفى بين يديك ذليلا خاشعا ‌و‌ صاغرا خاضعا.
 
(وقنى المعاصى) اسلك سبيل الرشد ‌و‌ الخير بتوفيقك ‌و‌ عنايتك (و استعملنى بالطاعه) هبنى الرغبه ‌و‌ النشاط على ‌ما‌ امرتنى ‌به‌ (و ارزقنى حسن الانابه) ‌و‌ هى الرجوع ‌و‌ الانقطاع الى الله بصدق ‌و‌ اخلاص (و طهرنى بالتوبه) اقبل توبتى، ‌و‌ امحق بها جرمى ‌و‌ جريرتى (و ايدنى بالعصمه) عن كل ‌ما‌ تكره (و استصلحنى بالعافيه) ‌و‌ العافيه هنا تعم ‌و‌ تشمل الصحه ‌و‌ الغنى عن الناس- ‌اى‌ السلامه ‌من‌ الفقر ‌و‌ المرض- ‌و‌ بها يستصلح الفرد ‌و‌ المجتمع، ‌و‌ لذا قال الرسول الاعظم (ص) لخالقه: «غير ‌ان‌ عافيتك هى اوسع لى» ‌اى‌ اصلح ‌و‌ انفع.
 (و اذقنى حلاوه المغفره) ‌و‌ تقابلها مراره الغضب ‌و‌ العذاب، ‌و‌ السعيد ‌من‌ جمع بين عافيه الدنيا ‌و‌ الاخره (و اجعلنى طليق عفوك) حررنى ‌من‌ اسر الذنوب (و عتيق رحمتك) عطف تكرار (و اكتب لى امانا ‌من‌ سخطك) هب لى الامن ‌و‌ الامان ‌من‌ غضبك ‌و‌ عذابك يوم الفزع الاكبر (و بشرنى بذلك ‌فى‌ العاجل دون الاجل...) اشعر قلبى الان بطريق ‌او‌ باخر بانى ‌من‌ الفائزين بغفرانك ‌و‌ رضوانك، ليسكن ‌و‌ يطمئن
 
(ان ذلك لايضيق عليك ‌فى‌ وسعك) ‌هو‌ عليك سهل يسير، ‌و‌ عندى كبير ‌و‌ كثير (و لايتكادك): لايصعب عليك، لان كل شى ء ‌هو‌ رهن بمشيئتك.
 

0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخرین مطالب

بعد صلاه اللیل
فى الاستخاره
مكارم الاخلاق
التحمید لله تعالى
عند البرق و الرعد
عند ختم القرآن
فى استقبال شهر رمضان
فى طلب العفو
خواتم الخیر
حول التوبه

بیشترین بازدید این مجموعه

بعد صلاه اللیل

 
نظرات کاربر

پر بازدید ترین مطالب سال
پر بازدید ترین مطالب ماه
پر بازدید ترین مطالب روز



گزارش خطا  

^