فارسی
شنبه 09 تير 1403 - السبت 21 ذي الحجة 1445
قرآن کریم مفاتیح الجنان نهج البلاغه صحیفه سجادیه
0
نفر 0

و كان من دعائه علیه السلام فى وداع شهر رمضان

و كان ‌من‌ دعائه عليه السلام ‌فى‌ وداع شهر رمضان
 
 
(اللهم ‌يا‌ ‌من‌ ‌لا‌ يرغب ‌فى‌ الجزاء) فانه سبحانه ‌لا‌ يعطى احدا شيئا ليجزيه بعد ذلك، اذ ‌هو‌ غنى عن كل شى ء
 
(و ‌يا‌ ‌من‌ ‌لا‌ يندم على العطاء) فاذا اعطى احدا شيئا ‌لا‌ يندم بعد ذلك لم اعطاه، كما قد يكون المخلوق كذلك  
 
(و ‌يا‌ ‌من‌ يكافى ء عبده على السواء) فانه ‌لا‌ يعامل المجرمين بالعدل بل الاحسان، كما ‌لا‌ يعامل المحسنين الا بازيد ‌من‌ احسانهم  
 
(منتك) اى: عطائك (ابتداء) فانك تبتداء بالاحسان الى الناس (و عفوك تفضل) اذ ‌لا‌ يستحق المجرم العفو (و عقوبتك عدل) اذ ‌لا‌ تعاقب اكثر ‌من‌ الاستحقاق (و قضائك خيره) اى: حكمك باختيار ‌و‌ اراده ‌لا‌ انه مجبور كما يقول بعض الفلاسفه ‌من‌ ‌ان‌ صدور الافعال منه سبحانه كصدور الحراره ‌من‌ النار
 
(ان اعطيت لم تشب) ‌من‌ شاب يشوب
 
بمعنى خلط (عطائك بمن) فان الله ‌لا‌ يمن ‌فى‌ عطائه، بل يعطى تفضلا (و ‌ان‌ منعت لم يكن منعك تعديا) ‌و‌ انما منعك عن مصلحه  
 
(تشكر ‌من‌ شكرك) ‌و‌ شكره سبحانه رضاه عن الشاكر ‌و‌ اعطائه النعمه ‌و‌ الجزاء (و) الحال (انت الهمته شكرك) اذ الفضائل انما بالهام الله تعالى  
 
(و تكافى ء ‌من‌ حمدك) اى: تعطى النعمه لمن حمدك (و) الحال (انت علمته حمدك) فان حمد الانسان لله تعالى انما ‌هو‌ بتعليمه تعالى  
 
(تستر على ‌من‌ لو شئت فضحته) ‌و‌ اشهرت عصيانه ‌و‌ عيبه (و تجود على ‌من‌ لو شئت منعته) فلست انت مجبور ‌فى‌ الستر ‌و‌ الجود، ‌و‌ انما تفعل ذلك تفضلا ‌و‌ احسانا (و كلاهما) الذى تستره ‌و‌ تجود عليه (اهل منك للفضيحه ‌و‌ المنع) لان المذنب اهل للفضيحه، ‌و‌ الانسان اهل للمنع بشتى اعماله (غير انك بنيت افعالك على التفضل) ‌لا‌ على العدل (و اجريت قدرتك على التجاوز) عن المذنبين  
 
(و تلقيت ‌من‌ عصاك بالحلم) اى: تلاقيهم بالحلم عنهم ‌و‌ عدم
 
عقوبتهم (و امهلت ‌من‌ قصد لنفسه بالظلم) بالظلم متعلق بقصد، اى: تعطى المهله ‌و‌ ‌لا‌ تعاجل بها بالعقوبه ‌من‌ قصد بالظلم لنفسه، اذ كل ذنب ظلم لنفس الانسان المذنب، ‌و‌ كان الخطاب باعتبار انتهاء عمل العبد اليه سبحانه حيث انه المجزى ‌و‌ المحاسب (تستنظرهم باناتك الى الانابه) الاناه: الحلم، فان حلمه سبحانه كثيرا ‌ما‌ ينتهى الى توبه المسى ء (و تترك معاجلتهم) اذ ‌لا‌ تعاجلهم بالعقوبه ‌و‌ هذا الترك ينتهى (الى التوبه) ‌من‌ المذنبين (لكى يهلك عليك) اى: على يديك ‌و‌ ‌من‌ جهتك (هالكهم) فان الهلاك ‌و‌ العذاب انما يكون بسببهم حيث اذنبوا اولا ثم لم يتوبوا مع الامهال ثانيا (و ‌لا‌ يشقى بنعمتك شقيهم) اى: ‌لا‌ يشقى الذى يشقى بسببك) ‌و‌ انما يشقى بخبث باطنه اذ انت امهلت له حتى يسعد لكنه تحرك شقاوه ‌و‌ خبثا (الا عن طول الاعذار اليه) بان اعذرت اليه اعذارا طويلا حيث بينت له اولا ثم لم تعاجله ثانيا، فالشقاوه ‌و‌ الهلاك بعد طول الاعذار يقال: اعذر اليه، اذا هدده ‌و‌ بين له ثم لم يرعو ‌و‌ تمادى ‌فى‌ غيه (و بعد ترادف الحجه عليه) ‌و‌ ذكر حجه بعد حجه، كل ذلك ‌و‌ لم يقبل (كرما ‌من‌ عفوك ‌يا‌ كريم) تفعل ذلك الاعذار ‌و‌ اتمام الحجه بالنسبه الى المجرمين
 
(و عائده) اى: صله (من عطفك ‌يا‌ حليم) ‌لا‌ باستحقاق المجرم لذلك الامهال ‌و‌ الحلم  
 
(انت الذى فتحت لعبادك بابا الى عفوك ‌و‌ سميته التوبه) اذ ‌من‌ تاب دخل ‌فى‌ عفوه سبحانه، فكانها باب الى عفوه (و جعلت على ذلك الباب) الذى ‌هو‌ التوبه (دليلا ‌من‌ وحيك) اذ الوحى ارشد الناس المذنبين الى امكان دخولهم ‌فى‌ عفوه سبحانه (لئلا يضلوا عنه) اى: عن ذلك الباب، اذا لم يعرفوه (فقلت تبارك اسمك) تبارك اى: دام ‌و‌ ثبت، ‌و‌ المراد بالاسم الذات (توبوا الى الله توبه نصوحا) ‌و‌ هى التوبه التى ‌لا‌ رجوع عنها (عسى ربكم) اى: لعله سبحانه (ان يكفر عنكم سيئاتكم) تكفير السيئه: ازالتها ‌و‌ محوها، ‌و‌ الاتيان بكلمه «عسى» لافاده ‌ان‌ قبول التوبه ليس واجبا (و يدخلكم جنات تجرى ‌من‌ تحتها الانهار) اى: ‌من‌ تحت اشجارها ‌و‌ قصورها، ‌و‌ ذلك ‌فى‌  
 
(يوم ‌لا‌ يخزى الله النبى ‌و‌ الذين آمنوا معه) بان يتركهم ‌و‌ شانهم ‌و‌ ‌لا‌ ينصرهم ‌فى‌ اهوال القيامه (نورهم يسعى بين ايديهم) اى: قدامهم (و بايمانهم)
 
اى: ‌من‌ طرف يمينهم، فان عرصه القيامه مظلمه ‌و‌ العلماء لهم نور ‌فى‌ وجوههم يضى ء قدامهم ‌و‌ ‌فى‌ ايمانهم ‌من‌ الكتاب الذى اعطوا بيمينهم يضى ء طرف يمينهم (يقولون ربنا اتمم لنا نورنا) اما بمعنى ازادته، ‌و‌ اما بمعنى ايصاله الى نور الجنه بادخالهم فيها (و اغفر لنا) اى: استر ذنوبنا، ‌و‌ ‌من‌ المعصومين على نحو الخضوع، اذ ‌لا‌ ذنوب لهم (انك على كل شى ء قدير) اقدر على اتمام نورنا ‌و‌ المغفره لنا.
 (فما عذر ‌من‌ اغفل) اى: ترك (دخول ذلك المنزل) ‌و‌ ‌هو‌ عفوك (بعد فتح الباب) اى: باب التوبه، ‌و‌ هذا على سبيل الاستفهام الانكارى اى: ‌لا‌ عذر لاحد بترك التوبه (و اقامه الدليل) اى: بعد ‌ان‌ اقمت الدليل على انك فتحب باب التوبه بالوحى، كما تقدم  
 
(و انت) ‌يا‌ رب (الذى زدت ‌فى‌ السوم) المساومه المجاذبه بين البائع ‌و‌ المشترى على السلعه (على نفسك لعبادك) بان جعلت للاعمال القليله التى ياتون بها ارباحا كثيره (تريد ربحهم ‌فى‌ متاجرتهم) تجاره اخرويه، ‌و‌ هذا بخلاف سائر المتعاملين فان كلا منهم يريد الربح لنفسه ‌لا‌ لطرفه (لك) اى: المتاجره التى هى بينهم ‌و‌ بينك (و) تريد (فوزهم بالوفاده عليك) اى: تريد
 
ان يفوزوا بالثواب عند وفادتهم اى: نزولهم عليك ‌فى‌ الاخره (و) ب(الزياده منك) بان تزيدهم على الثمن الحقيقى لاعمالهم (فقلت تبارك اسمك) اى: دام ‌و‌ ثبت ذاتك (و تعاليت) اى: ارتفعت (من جاء بالحسنه فله عشر امثالها) اى: يعطى عشر امثالها
 
(و قلت: مثل الذين ينفقون اموالهم ‌فى‌ سبيل الله) ‌و‌ المراد مطلق السبل صدقه ‌ام‌ زكاه ‌ام‌ خمسا ‌ام‌ حجا ‌ام‌ جهادا ‌او‌ اعانه المشاريع الخيريه ‌ام‌ ‌ما‌ اشبه ذلك (كمثل حبه انبتت سبع سنابل) جمع سنبله: ‌و‌ هى العوده التى عليها الحب (فى كل سنبله: مئه حبه) ‌من‌ الحنطه ‌او‌ الشعير ‌او‌ ‌ما‌ اشبه، فالواحد يكون ‌فى‌ قبال سبعمائه (و الله يضاعف لمن يشاء) فيعطى بازاء حسنه واحده اكثر ‌من‌ سبعمائه حسنه (و قلت: ‌من‌ ذا الذى يقرض الله قرضا حسنا) كان المال للانسان، ‌و‌ ‌ان‌ اعطائه ‌فى‌ سبيل الله قرض له تعالى يستحق المعطى العوض، ‌و‌ كان المراد بالقرض الحسن: الذى ليس فيه
 
رياء ‌و‌ سمعه ‌و‌ منه ‌و‌ ‌ما‌ اشبه ‌من‌ مبطلات الفرض (فيضاعفه له اضعافا كثيره) ‌فى‌ الاخره (و ‌ما‌ انزلت ‌من‌ نظائرهن) اى: امثال هذه الايات (فى القرآن) الحكيم كقوله سبحانه: «و ‌ان‌ تك حسنه يضاعفها» ‌و‌ قوله: «من جاء بالحسنه فله خير منها» الى غيرهما (من تضاعيف الحسنات) اى: جعلها اضعافا ‌و‌ اعطائها للانسان المحسن  
 
(و انت) ‌يا‌ رب (الذى دللتهم) الى رحمتك ‌و‌ فضلك (بقولك ‌من‌ غيبك) اى: الغيب الذى انت تعلمه ‌و‌ لم يكن احد يعلمه سواك (و ترغيبك الذى فيه) اى: ‌فى‌ ذلك الترغيب (حظهم) نصيبهم (على ‌ما‌ لو سترته لم تدركه ابصارهم) «على» متعلق بترغيبك فانه سبحانه لو ستر الثواب ‌و‌ شبهه عن الناس لم تدرك ذلك ابصارهم حتى ياتوا بسببه ‌و‌ ينالوه (و لم تعه اسماعهم) ‌من‌ وعى يعى: بمعنى اشتمل (و لم تلحقه اوهامهم) فان الوهم انما يدرك ‌ما‌ ‌هو‌ ‌من‌ جنس المحسوسات، اما الشى ء الخارج عنها فلا يدركه (فقلت اذكرونى) بالطاعه (اذكركم) بالثواب ‌و‌ الجزاء (و اشكروا لى) باللسان ‌و‌ الجوارح ‌و‌ الجوانح (و ‌لا‌ تكفرون) فان الكفران يوجب ذهاب النعمه (و قلت لئن
 
شكرتم لازيدنكم) ‌فى‌ النعم (و لئن كفرتم) ‌و‌ لم تشكروا فان الكفر ‌فى‌ مثل هذه الاماكن يراد ‌به‌ الكفر العملى كقوله تعالى: «و لله على الناس ‌حج‌ البيت ‌من‌ استطاع اليه سبيلا ‌و‌ ‌من‌ كفر فان الله غنى عن العالمين» ‌و‌ هذا بخلاف الكفر الاعتقادى الذى ‌هو‌ ‌فى‌ الاصول (ان عذابى لشديد) هذا كنايه عن تعذيبهم بالعذاب الشديد
 
(و قلت ادعونى استجب لكم) ‌و‌ ‌من‌ المعلوم ‌ان‌ الدعاء كالدواء مقتض، ‌و‌ المقتضى انما يوثر اذا تجمعت الشرائط معه (ان الذين يستكبرون عن عبادتى) ‌و‌ حيث ‌ان‌ الدعاء ‌من‌ مصاديق العباده جى ء بالكليه المذكوره «ان الذين» افاده لما يترتب على ترك الدعاء اذا كان عن استكبار (سيدخلون جهنم داخرين) اى: ‌فى‌ حال كونهم اذلاء، ‌من‌ دخر: بمعنى ذل (فسميت دعائك) اضافه الى المفعول، اى: دعاء الداعى لك (عباده ‌و‌ تركه استكبارا) ‌و‌ تانفا ‌من‌ ‌ان‌ يتواضع الداعى لله تعالى، ‌و‌ الا فلم ‌لا‌ يدعو (و توعدت) ‌هو‌ الوعد بالشى ء (على تركه دخول جهنم داخرين) اذلاء، كل ذلك انت دللت الناس عليها ‌و‌ لو ‌لا‌ دلالتك لم يعرفوا
 
(فذكروك بمنك) اى: بلطفك ‌و‌ احسانك الذى
 
دللتهم على ذكرك (و شكروك بفضلك) حيث ارشدتهم على لزوم شكرك (و دعوك بامرك) لهم بدعائك ‌فى‌ قولك ادعونى استجب لكم (و تصدقوا لك طلبا لمزيدك) فان الانسان اذا اعطى الصدقه لله سبحانه زاده الله مالا قال سبحانه عن لسان اخوه يوسف: «ان الله يجزى المتصدقين» (و فيها) اى: ‌فى‌ تلك الطاعات التى تقدمت (كانت نجاتهم ‌من‌ غضبك) فانه سبحانه ‌لا‌ يغضب على ‌من‌ اطاع ‌و‌ تعبد (و فوزهم برضاك) اى: ‌ان‌ يفوزوا ‌و‌ يحصلوا على رضاك  
 
(و لو ‌دل‌ مخلوق مخلوقا ‌من‌ نفسه) بان بين الدال صفات نفسه لغيره (على مثل الذى دللت عليه عبادك منك) بان كان ‌فى‌ ذلك المخلوق الدال صفات تشبه صفاتك ‌فى‌ العفو ‌و‌ استجابه الدعاء ‌و‌ ‌ما‌ اشبه، ثم ‌دل‌ الناس على نفسه (كان موصوفا بالاحسان) يعنى: ذلك المخلوق (و منعوتا) اى: موصوفا (بالامتنان ‌و‌ محمودا بكل لسان) فكيف بك ‌و‌ انت اله عظيم الشان، اذ الدلاله ‌من‌ الكبير للصغير اكثر وقعا ‌من‌ دلاله الصغير على مثله.
 (فلك) ‌يا‌ رب (الحمد) على هذه النعم الجسام، ‌و‌ الدلالات العظيمه
 
(ما وجد ‌فى‌ حمدك مذهب) اى: مادام هناك طريق لحمدك، ‌و‌ هذا كنايه عن كثره حمد الحامد له سبحانه اذ ‌لا‌ يمكن لحمده ‌ان‌ ينقطع (و ‌ما‌ بقى للحمد لفظ تحمد) ‌يا‌ رب (به) اى: بذلك، نحو «حمدتك» ‌و‌ «احمدك» ‌و‌ «الحمد لك» ‌و‌ «لك الحمد» ‌و‌ ‌ما‌ اشبه (و معنى ينصرف اليه) ‌و‌ هى: صفاته سبحانه ‌و‌ افعاله التى ينصرف الحمد اليها، فله الحمد لكونه عالما، ‌و‌ خالقا، ‌و‌ هكذا.
 
(يا ‌من‌ تحمد الى عباده) اى: طلب ‌من‌ العباد حمده (بالاحسان ‌و‌ الفضل) فانه ‌من‌ الفطرى ‌ان‌ يحمد المتنعم ‌من‌ المنعم عليه (و غمرهم) اى: اعطاهم (بالمن) اى: النعمه (و الطول) ‌و‌ الاحسان (ما افشى فينا نعمتك) فعل التعجب، اى: كثير فاش فينا احسانك ‌و‌ نعمتك (و) ‌ما‌ (اسبغ علينا منتك) الاسباغ: الاكثار، ‌و‌ المراد بالمنه: النعمه ‌من‌ باب استعمال المسبب ‌فى‌ السبب (و) ‌ما‌ (اخصنا ببرك) اى: احسانك فانه سبحانه خص بعض الناس بالاحسان الزائد، ثم ذكر عليه السلام بعض تلك النعم بقوله:
 
(هديتنا لدينك الذى اصطفيت) اى: اخترته على سائر الاديان، ‌و‌ ‌هو‌ الاسلام (و ملتك) اى: طريقتك (التى ارتضيت)
 
اى: اخترتها (و سبيلك الذى سهلت) سلوكه فان ‌من‌ السهل سلوك سبيل الله تعالى (و بصرتنا الزلفه لديك) اى: اريتنا الشى ء الذى يوجب القرب منك (و الوصول الى كرامتك) اى: الطريق الموصل الى تكريمه سبحانه للانسان، كالتقوى، قال سبحانه: «ان اكرمكم عند الله اتقاكم».
 
(اللهم ‌و‌ انت جعلت ‌من‌ صفايا تلك الوظائف) اى: مما اصطفيته ‌من‌ تلك الوظائف ‌و‌ الاحكام المقرره على الانسان (و خصائص تلك الفروض) التى فرضتها على عبادك، ‌و‌ المراد بالخصائص، ذو الخصائص (شهر رمضان الذى اختصصته ‌من‌ سائر الشهور) اى: جعلته خاصا بنفسك، حيث شرفته باضافته الى نفسك (و تخيرته) اى: اخترته (من جميع الازمنه) جمع زمان (و الدهور) ‌و‌ انما كان الاختصاص باعتبار ‌ما‌ جعل سبحانه فيه ‌من‌ العبادات ‌و‌ الطاعات، ‌و‌ ‌ما‌ رتب عليه ‌من‌ المثوبات ‌و‌ اختصاصه بانزال القرآن، كما يصرح الامام (ع) بذلك (و آثرته) اى: ‌و‌ قدمته (على كل اوقات السنه) فهو اعز ‌من‌ سائر الاوقات (بما انزلت فيه ‌من‌
 
القرآن ‌و‌ النور) المراد بالنور: القرآن الذى يسبب اناره الطريق الى الحق ‌و‌ ‌لا‌ يخفى عدم المنافات بين هذا ‌و‌ بين كون المبعث ‌فى‌ رجب، فان ‌فى‌ شهر رمضان انزل القرآن جمله واحده على قلب الرسول (ص) ‌او‌ بيت المعمور قال سبحانه: «شهر رمضان الذى انزل فيه القرآن» ‌و‌ ‌فى‌ شهر رجب نزلت سوره «اقراء» ‌فى‌ ابتداء نزول الابعاض التى تمت بعد ثلاث ‌و‌ عشرين سنه (و ضاعفت فيه ‌من‌ الايمان) ‌اى‌ جعلت ثواب الايمان ‌و‌ الاعمال الصالحه ضعفا (و فرضت فيه ‌من‌ الصيام) قال سبحانه: «فمن شهد منكم الشهر فليصمه» (و رغبت فيه) اى: ندبت (من القيام) ‌فى‌ لياليه بالعباده ‌و‌ الذكر (و اجللت فيه ‌من‌ ليله القدر) حيث قال سبحانه: «انا انزلناه ‌فى‌ ليله القدر» الى آخر السوره (التى هى خير ‌من‌ الف شهر) قال تعالى: «ليله القدر خير ‌من‌ الف شهر» فالعباده فيها خير ‌من‌ العباده ‌فى‌ الف شهر، ‌و‌ هناك اخبار ‌فى‌ تاويل هذه الايه ذكرت ‌فى‌ تفسير البرهان ‌و‌ غيره فليراجع
 
(ثم آثرتنا) اى: خصصتنا (به) اى: بشهر رمضان (على سائر الامم) فان شهر رمضان بما له ‌من‌ المزايا ‌و‌ الخصوصيات خاص بالمسلمين، ‌و‌ ‌ان‌ كان الصوم جاريا ‌فى‌ سائر الامم
 
قال تعالى: «كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين ‌من‌ قبلكم» (و اصطفيتنا) اى: اخترتنا (بفضله) بان جعلت فضل شهر رمضان لنا (دون اهل الملل) اى: سائر الاديان (فصمنا- بامرك- نهاره) اى: ‌فى‌ نهاره، ‌و‌ الاسناد مجازى، كما ذكر ‌فى‌ البلاغه (و قمنا بعونك) اى: باعانتك لنا (ليله) اى: ‌فى‌ ليله (متعرضين) يقال: تعرض، اذا جعل نفسه ‌فى‌ معرض الشى ء حتى يناله (ب)سبب (صيامه ‌و‌ قيامه لما عرضتنا ‌من‌ رحمتك) فان الله سبحانه عرض الناس الى رحمته حيث الرحمه ‌و‌ ارشدهم الى ‌ما‌ يحرزها (و تسببنا اليه) اى: جعلنا الاسباب ‌و‌ الضمير عائد الى «ما» الذى اريد ‌به‌ الرحمه (من مثوبتك) اى: ثوابك (و انت الملى ء) اى: الغنى الواجد (بما رغب فيه اليك) اى: بما رغب الناس ‌و‌ طلبوا منه سبحانه (الجواد بما سئلت) اى: سئلك الناس (من فضلك) اى: تجود بفضلك ‌لا‌ باستحقاق الطالبين (القريب الى ‌من‌ حاول قربك) اى: طلب ‌و‌ اراد ‌ان‌ يقترب الى رضاك بسبب
 
الاعمال الصالحه  
 
(و قد اقام فينا هذا الشهر) اى: شهر رمضان (مقام حمد) محلا يجب حمده فان الانسان يحمد الشى ء النافع ‌و‌ شهر رمضان نافع للانسان ‌و‌ لذا فهو قائم ‌فى‌ مقام الحمد (و صحبنا) هذا الشهر (صحبه مبرور) مفعول ‌من‌ بره اذا احسن اليه، فقد احسن الله الى الشهر حيث جعله محل عبادته ‌و‌ طاعته، فهو مبرور يصحب الانسان، ‌لا‌ ممقوت مكروه (و اربحنا) الشهر، اى: اعطانا الربح (افضل ارباح العالمين) فان الثواب ‌من‌ افضل الارباح (ثم قد فارقنا) الشهر (عند تمام وقته) اى: انقضاء شهر الصيام (و انقطاع مدته) التى هى ثلاثون يوما (و وفاء) اى: تمام (عدده) اى: عدد ايامه  
 
(فنحن مودعوه) اى: نودعه (وداع ‌من‌ ‌عز‌ فراقه) فان فراقه يصعب (علينا) كما يفارق الانسان عزيزه (و غمنا) اى: صار سبب حزننا (و اوحشنا) الوحشه ‌ضد‌ الانس (انصرافه عنا) الانصراف الذهاب (و لزمنا له) اى: لشهر رمضان (الذمام) اى: العهد (المحفوظ) فكان له علينا ذمه يجب ادائها (و الحرمه المرعيه) اى: الاحتراك الذى تجب مراعاته (و الحق المقضى) اى:
 
الذى يجب قضاوه ‌و‌ اداوه.
 (فنحن قائلون السلام عليك) سلام الموداع (يا شهر الله الاكبر) الظاهران «اكبر» صفه الشهر ‌و‌ كونه اكبر باعتبار ‌ما‌ فيه ‌من‌ اللطف ‌و‌ العنايه الخاصه منه تعالى بعباده (و ‌يا‌ عيد اوليائه) فان اولياء الله يفرحون لشهر رمضان كما يفرح الناس بالعيد، ‌و‌ المراد بالسلام: التحيه ‌و‌ الاحترام ‌او‌ بمعنى ‌ان‌ تكون سالما ‌من‌ الافات، كما ‌هو‌ الاصل ‌فى‌ السلام.
 
(السلام عليك ‌يا‌ اكرم مصحوب ‌من‌ الاوقات) اى: الاوقات التى يكون الانسان فيها، فكانها صاحب للانسان (و ‌يا‌ خير شهر ‌فى‌ الايام ‌و‌ الساعات) اى: ‌من‌ جهه ايامه ‌و‌ ساعاته اذ تكون عنايه الله تعالى فيها كثيره.
 
(السلام عليك ‌من‌ شهر) الاتيان ب«من» ‌فى‌ مثل هذا المقام، لتوهم ‌ما‌ قبله كليا، ‌و‌ ‌ان‌ هذا بعضه، ‌او‌ للبيان (قربت فيه الامال) فان امل الانسان ‌و‌ رجاءه بالسعاده يقرب ‌فى‌ هذا الشهر فانه سبحانه ينجزه ‌و‌ يستجيب الدعاء (و نشرت فيه الاعمال) بمعنى: ‌ان‌ الله سبحانه جعل فيه اعمالا هى توجب مرضاته.
 
(السلام عليك ‌من‌ قرين) اى: مقارن للانسان (جل قدره) اى: عظم شانه (موجودا) اى: حال كونه موجودا غير ذاهب (و افجع) اى: احزن الانسان (فقده) ‌و‌ ذهابه ‌فى‌ حال كونه (مفقودا) فان اهل الطاعه يحزنون لذهاب شهر رمضان (و مرجو) اذ يرجوه الانسان ‌ان‌ يثقل فيه حسناته ‌و‌ تخف سيئاته (آلم فراقه) اى: اوجب الالم.
 
(السلام عليك ‌من‌ اليف) للانسان يالفه (آنس) الشخص ‌فى‌ حال كونه (مقبلا) آتيما بعد شهر شعبان (فسر) ‌و‌ افرح الانسان (و اوحش منقضيا) اذا انقضى ‌و‌ ذهب بمجى ء شوال (فمض) اى: آلم، يقال: مض الجرح، اذا اوجع.
 
(السلام عليك ‌من‌ مجاور) للانسان، جوار زمان، كما ‌ان‌ البيت جوار مكان للبيت الاخر (رقت فيه القلوب) لتوجهها الى الله تعالى (و قلت فيه الذنوب) لان الله عفى عنها ‌او‌ لان الانسان جاء بحسنات ذهبت بها.
 
(السلام عليك ‌من‌ ناصر) نصر الانسان ‌و‌ (اعان على الشيطان) فلم يتمكن الشيطان ‌من‌ اغواء الشخص ‌و‌ ادخاله النار (و صاحب سهل سبل الاحسان) الاحسان الى النفس بالاعمال الصالحه التى قررها الله تعالى ‌فى‌ هذا الشهر، ‌و‌ الاحسان الى الناس لان الخيرات ‌فى‌ هذا الشهر اكثر لرغبه الناس فيها.
 
(السلام عليك ‌ما‌ اكثر عتقاء الله فيك) فان لله سبحانه ‌فى‌ كل ليله عتقاء ‌من‌ النار كما ورد ‌فى‌ الاحاديث (و ‌ما‌ اسعد ‌من‌ رعى حرمتك) اى: قام باللازم ‌من‌ احترامك ‌فى‌ طاعته ‌و‌ عبادته (بك) اى: بسببك كان الشهر ‌هو‌ سبب احترام نفسه.
 
(السلام عليك ‌ما‌ كان امحاك للذنوب) «كان» زائده، قال ابن مالك: «و قد تزاد كان ‌فى‌ حشو كما كان اصح علم ‌من‌ تقدما» اى: ‌ما‌ اكثر محوك للذنوب، ‌و‌ هذا للتعجب (و استرك) اى: اكثر سترك (لانواع العيوب) اى: المعاصى ‌و‌ الاثام.
 
(السلام عليك ‌ما‌ كان اطولك على المجرمين) فانهم يستثقلونه
 
و يريدون ذهابه حتى يفطروا علنا (و اهيبك) اى: اكثر هيبتك (فى صدور المومنين) فان المومنين يهابون الشهر خوفا ‌من‌ ‌ان‌ ‌لا‌ يقوموا بواجبه.
 
(السلام عليك ‌من‌ شهر ‌لا‌ تنافسه الايام) فان سائر الايام، ‌لا‌ تبلغ مرتبته ‌فى‌ العز ‌و‌ الجلال حتى تنافسه ‌و‌ تعادله، ‌و‌ انما المنافسه تكون بين الاقران.
 
(السلام عليك ‌من‌ شهر ‌هو‌ ‌من‌ كل امر سلام) فانه سبحانه ينزل التقديرات الموجبه لسلامه الانسان، ‌فى‌ ليله القدر، كما ‌فى‌ سوره انا انزلناه، ‌و‌ انما الافات ‌و‌ ‌ما‌ اشبه ‌من‌ فعل الانسان ‌او‌ لاجل غايه رفيعه.
 
(السلام عليك) حال كونك (غير كريه المصاحبه) فان المومن ‌لا‌ يكره مصاحبه شهر رمضان لانه يحبه (و ‌لا‌ ذميم الملابسه) كانه لباس للانسان يحب الانسان ذلك اللباس ‌و‌ ‌لا‌ يذمه بل يمدحه.
 
(السلام عليك كما وفدت) ‌و‌ اتيت (علينا بالبركات) اى: الخيرات ‌و‌ الحسنات (و غسلت عنا دنس) اى: قذاره (الخطيئات) فان الاثم يوجب دنس النفس.
 
(السلام عليك) ‌فى‌ حال كونك (غير مودع) اى: ‌لا‌ اودعك (برما) اى: ‌من‌ جهه الملاله ‌و‌ التبرم منك (و ‌لا‌ متروك صيامه ساما) فلا نترك صيامه ‌من‌ جهه الملاله ‌و‌ الكلاله، بل لانه ذهب بنفسه ‌و‌ انقضى.
 
(السلام عليك ‌من‌ مطلوب قبل وقته) فان الانسان يطلب مجيئه قبل ‌ان‌ ياتى (و محزون عليه قبل فوته) فان الانسان يحزن لشهر رمضان ‌و‌ ‌هو‌ فيه، لاجل انه يحبه ‌لا‌ يريد انقضاءه.
 
(السلام عليك ‌كم‌ ‌من‌ سوء صرف بك) اى: بسببك (عنا) فان الله ببركه هذا الشهر يصرف السوء عن الناس (و ‌كم‌ ‌من‌ خير افيض بك) ‌و‌ المفيض ‌هو‌ الله تعالى (علينا) ‌و‌ «كم» ‌فى‌ هذه الجمل للتكثير.
 
(السلام عليك ‌و‌ على ليله القدر التى هى خير ‌من‌ الف شهر) هذا ‌من‌ باب ذكر الخاص بعد العام، ‌و‌ الا فالشهر شامل لليله القدر.
 
(السلام عليك ‌ما‌ كان احرصنا بالامس) حين كنت موجودا (عليك) ‌و‌ الحرص على الشهر، حب الانسان له ‌و‌ شده مفارقته اياه (و اشد شوقنا غدا) حين تذهب ‌و‌ ينقضى شهر رمضان (اليك) ‌و‌ الاشتياق تطلب الشى ء
 
المحبوب حين فقده.
 
(السلام عليك ‌و‌ على فضلك الذى حرمناه) بذهابك عنا، فان الانسان ‌لا‌ يجد فضل شهر رمضان حين ينقضى ‌و‌ يذهب (و على ماض ‌من‌ بركاتك) اى: ‌ما‌ ذهب ‌و‌ مضى ‌من‌ بركاتك التى (سلبناه) اى: سلب منا ‌و‌ الضمير عائد الى «ماض».
 
(اللهم انا اهل هذا الشهر الذى شرفتنا به) ‌و‌ معنى الاهل، الملتزم ‌و‌ العامل بمقتضاه (و وفقتنا بمنك) ‌و‌ احسانك (له) حتى نعمل فيه حسب امرك (حين جهل الاشقياء وقته) اذ ‌لا‌ يهمهم هذا الشهر، فلا يدرون ‌فى‌ ‌اى‌ وقت ‌هو‌ (و حرموا لشقائهم فضله) لانهم لم يعملوا عملا يدركون فضله  
 
(و انت) ‌يا‌ رب (ولى ‌ما‌ آثرتنا به) اى: اختصصتنا، ‌و‌ الضمير عائد الى «ما» (من معرفته) بيان «ما» (و هديتنا له ‌من‌ سنته) فان الله تعالى هدى المسلمين الى السنن ‌و‌ المستحبات ‌فى‌ هذا الشهر حتى ينالوا ثوابه (و قد تولينا) اى: اتبعنا (بتوفيقك صيامه) فصمنا
 
هذا الشهر (و قيامه) بان قمنا ‌فى‌ لياليه (على تقصير) اى: كنا مقصرين ‌فى‌ الصيام ‌و‌ القيام، اذ ‌لا‌ احد يتمكن ‌من‌ اعطاء ‌حق‌ الله تعالى ‌فى‌ واجباته ‌و‌ مستحباته (و ادينا فيه قليلا ‌من‌ كثير) ندبته ‌فى‌ هذا الشهر.
 
(اللهم فلك الحمد اقرارا بالاساءه) اى: نحمدك ‌فى‌ حال كوننا مقرين بذنبنا، فمدح لك، ‌و‌ ذم لنا (و اعترافا بالاضاعه) بان اضعنا هذا الشهر اذ لم نقم باللازم علينا ‌من‌ اعماله ‌و‌ آدابه (و لك ‌من‌ قلوبنا عقد الندم) بان تركز الندم ‌فى‌ قلوبنا لما اضعناه ‌و‌ لم يكن الندم شيئا عابرا ‌و‌ خاطرا يسيرا، بل عقد على ذلك قلوبنا، كما يعقد الحبل ‌و‌ شبهه (و ‌من‌ السنتنا صدق الاعتذار) اى: نعتذر صادقين، ‌من‌ تفريطنا (فاجرنا) اى: اعطنا الاجر ‌و‌ الثواب (على ‌ما‌ اصابنا فيه ‌من‌ التفريط) اى: اعطنا الثواب مجانا، ‌لا‌ ‌ان‌ المراد اعطنا اجر تفريطنا اذ التفريط ‌لا‌ اجر له (اجرا يستدرك به) اى: بذلك الاجر (الفضل المرغوب فيه) ‌و‌ الثواب الذى يطلبه الانسان (و نعتاض به) اى: ناخذ العوض بسبب ذلك الاجر (من انواع الذخر المحروص عليه) اى: الثواب الذى ادخرته
 
و يحرص الانسان على ادراكه  
 
(و اوجب لنا عذرك) اى: اكتب لنا ‌ان‌ تقبل عذرنا (على ‌ما‌ قصرنا فيه ‌من‌ حقك) علينا (و ابلغ باعمارنا) اى: طول عمرنا (ما بين ايدينا) اى: ‌ما‌ ‌هو‌ امامنا ‌من‌ الزمان (من شهر رمضان المقبل) ‌فى‌ السنه الاتيه حتى ندرك فضله (فاذا بلغتناه) ‌و‌ مددت اعمارنا اليه (فاعنا على تناول ‌ما‌ انت اهله ‌من‌ العباده) ‌و‌ تناول العباده بمعنى الاتيان بها (و ادنا الى القيام) ‌من‌ الاداء، بمعنى الاتيان ‌و‌ الوصول الى الشى ء ‌اى‌ اوصلنا (بما يستحقه) الشهر (من الطاعه) لك ‌و‌ المعنى وفقنا لان نطيعك فيه (و اجر لنا ‌من‌ صالح العمل) كان الاعمال الصالحه، شى ء يجريه الله تعالى الى خلقه، حتى يودوها، كما يجرى الماء الى البستان ‌و‌ نحوه (ما يكون دركا) اى: يسبب ادراكا (لحقك ‌فى‌ الشهرين) الرمضان الماضى ‌و‌ الانى، حتى يتلافى بالاعمال ‌فى‌ المستقبل، التفريط ‌فى‌ الماضى (من شهور الدهر) ‌و‌ لعل فائده القيد بيان الداعى بطلب التوفيق لعمل شهرين ‌فى‌ شهر واحد، ‌من‌ شهور العمر، ‌لا‌ ‌من‌ شهور الداعى، اذ يمكن ‌ان‌ يكون الداعى ‌فى‌ حال ‌من‌ المرض ‌و‌ الضعف ‌و‌ ‌ما‌ اشبه مما يكون
 
شهره اقل حقا لله ‌من‌ الشهور المتعارفه، كما لو قال الانسان الضعيف ‌فى‌ العمل للذى استاجره: اعطنى اجر عاملين ‌من‌ عمالك، ‌فى‌ مقابل ‌ان‌ يقول: اعطنى ضعفى اجرى، فان اجر الضعيف نصف اجر القوى مثلا، ‌و‌ بعض الشراح قالوا غير ذلك ‌فى‌ فائده هذا القيد، ‌و‌ ‌ما‌ ذكرناه اظهر.
 
(اللهم ‌و‌ ‌ما‌ الممنا) الالمام بالشى ء: العمل ‌به‌ ‌و‌ الدخول فيه (به ‌فى‌ شهرنا هذا ‌من‌ لمم) هى: الذنوب التى يلم بها الانسان ثم يتركها ‌و‌ بعد حين ياتى بها، ‌و‌ لذا ورد عن احدهما (ع): ‌هو‌ الهنه بعد الهنه- اى: الذنب بعد الذنب- يلم ‌به‌ العبد، ‌و‌ هذا ‌فى‌ مقابل ‌من‌ غاص ‌فى‌ بحار الاثام ‌و‌ كان المراد باللمم الصغائر، كما قال سبحانه: «الا اللمم» (اوائم) عصيان عمدى، عصيان كبير (او واقعنا فيه ‌من‌ ذنب) الاتيان بباب المفاعله، لتوهم ‌ان‌ كلا ‌من‌ الانسان ‌و‌ الذنب اثر ‌فى‌ الاخر (و اكتسبنا فيه ‌من‌ خطيئه) اى: عملناها ‌و‌ اقترفناها (على تعمد منا) على اتيانها (او على نسيان) منا لكونه ذنبا (ظلمنا فيه) اى: ‌فى‌ ذلك الذنب (انفسنا) كالذنوب التى تضر الانسان، ‌و‌ ‌لا‌ تضر غيره (او انتهكنا ‌به‌ حرمه ‌من‌ غيرنا) كالسرقه ‌و‌ الايذاء ‌و‌ ‌ما‌ اشبه (فصل على محمد ‌و‌ آله ‌و‌ استرنا بسترك) حتى ‌لا‌ نفتضح بذنبنا (و اعف عنا بعفوك) حتى ‌لا‌ تعذبنا (و ‌لا‌ تنصبنا فيه) اى: ‌فى‌ ذلك الذنب ‌و‌ لاجله (لا عين الشامتين) بان يرى الشامت
 
عصيانى فيفرح بسقوطى ‌و‌ يلومنى بلسانه اشتماتا منى (و ‌لا‌ تبسط علينا فيه) اى: ‌فى‌ ذلك الذنب (السن الطاغين) فان الطغاه دائما يترقبون ذنبا ‌من‌ الصالحين حتى يبسطوا السنتهم بالسوء بالنسبه اليهم (و استعملنا) اى: وفقنا لان نعمل (بما يكون حطه) اى: سببا لحط الذنب ‌و‌ محوه (و كفاره لما انكرت منا فيه) كان نتوب ‌و‌ ناتى بالحسنات التى هى تذهب السيئات (برافتك) ‌و‌ رحمتك (التى ‌لا‌ تنفد) فان رحمته سبحانه ‌لا‌ نهايه لها (و فضلك الذى ‌لا‌ ينقص) ‌و‌ ‌ان‌ اكثر سبحانه ‌فى‌ التفضل.
 
(اللهم صل على محمد ‌و‌ آله ‌و‌ اجبر مصيبتنا بشهرنا) المصيبه: هى فقد الانسان لمحبوبه، ‌و‌ معنى الجبر: اعطاء الثواب لذلك (و بارك لنا ‌فى‌ يوم عيدنا ‌و‌ فطرنا) اى: افطارنا (و اجعله ‌من‌ خير يوم مر علينا) ثم بين (ع) وجه الخيريه المطلوبه بقوله: (اجلبه لعفو) بان نعمل ‌فى‌ هذا اليوم ‌ما‌ يجلب عفوك اكثر ‌من‌ جلبنا له ‌فى‌ سائر الايام (و امحاه لذنب) بان يمحو ‌من‌ الذنوب اكثر ‌من‌ سائر الايام لها (و اغفر لنا ‌ما‌ خفى ‌من‌ ذنوبنا) علينا بان اذنبناها ثم نسيناها، مثلا (و ‌ما‌ علن) ‌او‌ المراد الظاهره
 
منها ‌و‌ المخفيه التى لم يطلع عليها الناس.
 
(اللهم اسلخنا) اى: اخرجنا (بانسلاخ هذا الشهر) اى: مع خروج شهر رمضان (من خطايانا ‌و‌ اخرجنا بخروجه ‌من‌ سيئاتنا) ‌من‌ باب عطف البيان تاكيدا (و اجعلنا ‌من‌ اسعد اهله) اى: اهل رمضان (به) اى: بسبب شهر رمضان بان يكون موجبا لسعادتنا (و اجزلهم) اى: اكثرهم (قسما) اى: قسمه ‌من‌ رحمتك (فيه) اى: ‌فى‌ هذا الشهر (و اوفرهم) اى: اكثرهم (حظا منه) بان يكون حظنا ‌من‌ ثوابك ‌من‌ اكثر حظ سائر الناس.
 
(اللهم ‌و‌ ‌من‌ رعى هذا الشهر ‌حق‌ رعايته) بان عمل فيه بادابه ‌و‌ اعماله (و حفظ حرمته ‌حق‌ حفظها) ‌و‌ حفظ الحرمه، انما ‌هو‌ العمل بما الزم الله تعالى فيه (و قام بحدوده) المقرره ‌فى‌ الشريعه (حق قيامها) بلا زياده ‌او‌ نقصان (و اتقى ذنوبه) اى: الذنوب التى هى مرتبطه بهذا الشهر كالافطار ‌و‌ ‌ما‌ اشبه (حق تقاتها) اى: ‌حق‌ التقوى ‌من‌ تلك الذنوب (او تقرب اليك) ‌يا‌ رب (بقربه) اى: بعمل موجب للقرب منك قربا
 
بالشرف ‌لا‌ بالمكان (اوجبت) تلك القربه (رضاك له) بان ترضى عنه (و عطفت) اى: امالت تلك القربه (رحمتك عليه) فرحمته (فهب لنا مثله) اى: مثل ذلك الفضل الذى اعطيته لمن رعى ‌حق‌ هذا الشهر (من وجدك) اى: ‌من‌ غناك ‌و‌ فضلك، ‌من‌ «وجد يجد» (و اعطنا اضعافه ‌من‌ فضلك) ‌و‌ احسانك (فان فضلك ‌لا‌ يفيض) يقال: غاض الماء اذا تسرب ‌فى‌ باطن الارض، ‌و‌ المعنى ‌لا‌ ينفد ‌و‌ ‌لا‌ يتم (و ‌ان‌ خزائنك ‌لا‌ تنقص) فانه سبحانه يخلق الشى ء بمجرد الاراده (بل تفيض) فاض الماء اذا كثر ‌و‌ اتسع (و ‌ان‌ معادن احسانك ‌لا‌ تفنى) ‌و‌ ‌لا‌ تنعدم بل تبقى الى الابد (و ‌ان‌ عطائك للعطاء المهنا) اى: الهنى ء الذى ‌لا‌ يشوبه كدر ‌و‌ الم.
 
(اللهم صل على محمد ‌و‌ آله ‌و‌ اكتب لنا مثل اجور ‌من‌ صامه) اى: صام هذا الشهر، اى: مثل اجر جميعهم، ‌و‌ ‌لا‌ يلزم ‌من‌ ذلك خلاف العدل، اذ الفضل خارج عن العدل، بالاضافه الى ‌ان‌ الداعى استحق
 
بدعائه ذلك (او تعبد لك فيه) اى: عبدك ‌فى‌ هذا الشهر (الى يوم القيامه) ‌فى‌ كل شهر رمضان.
 
(اللهم انا نتوب اليك ‌فى‌ يوم فطرنا الذى جعلته للمومنين عيدا) يسمى عيدا، لعود الله تعالى بالرحمه على العباد، فان اصل العيد ‌من‌ العود، لعود السرور ‌و‌ ‌ما‌ اشبه فيه (و سرورا) اى: موجبا للفرح (و لاهل ملتك) اى: طريقتك، ‌و‌ هى الاسلام (مجمعا) اى: محل اجتماع (و محتشدا) الاحتشاد: بمعنى الاجتماع، فان المسلمين يجتمعون ‌فى‌ الفطر للصلاه ‌و‌ لسائر مراسم الافراح (من كل ذنب اذنبناه) متعلق ‌به‌ نتوب (او سوء اسلفناه) اى: قدمناه (او خاطر ‌شر‌ اضمرناه) اى: اخفيناه ‌فى‌ صدورنا (توبه ‌من‌ ‌لا‌ ينطوى) اى: ‌لا‌ يضمر (على رجوع الى ذنب) بل يريد الانقلاع الى الابد (و ‌لا‌ يعود بعدها ‌فى‌ خطيئه) ‌و‌ اثم (توبه نصوحا) اى: خالصه، ‌من‌ نصح لنفسه، اذا لم يشب عمله بما يفسده (خلصت) تلك التوبه (من الشك) ‌فى‌ انه هل يتوب ‌او‌ ‌لا‌ يتوب
 
(و الارتياب) ‌فى‌ ‌ان‌ عمله هل كان قبيحا يستحق التوبه ‌ام‌ ‌لا‌ (فتقبلها) اى: اقبل التوبه (منا) بان اعف ذنبنا (و ارض عنا) بعد غضبك بسبب المعصيه علينا (و ثبتنا عليها) حتى لانكسرها ‌و‌ نعود ‌فى‌ الذنب.
 
(اللهم ارزقنا خوف عقاب الوعيد) بان نخاف ‌من‌ عقابك الذى وعدته للعاصين (و شوق ثواب الموعود) اى: ثواب الشى ء الذى وعدت عليه الثواب (حتى نجد لذه ‌ما‌ ندعوك به) فان الخائف الشائق يجد لذه الطلب لانه يعلم النتائج، بخلاف غيره فان دعائه سطحى ‌لا‌ عمق له (و) حتى نجد (كابه) ‌و‌ حزن (ما نستجيرك منه) ‌من‌ انوع العذاب، كما ‌هو‌ شان الخائف حقيقه فانه كئيب خائف ‌من‌ المستقبل السى ء
 
(و اجعلنا عندك ‌من‌ التوابين) الذين يكثرون التوبه (الذين اوجبت لهم محبتك) بمعنى انك تحبهم (و قبلت منهم مراجعه طاعتك) فلم ترفضهم حتى ‌لا‌ تقبل لهم طاعه ابدا (يا اعدل العادلين) اى: اكثر عدلا ‌من‌ كل عادل
 
(اللهم تجاوز) اى: اعف ‌و‌ اغفر (عن آبائنا ‌و‌ امهاتنا ‌و‌ اهل ديننا
 
جميعا) ‌و‌ ‌هم‌ المومنون (من سلف منهم) اى: ذهب (و ‌من‌ غبر) اى: ‌من‌ بقى ‌و‌ ياتى (الى يوم القيامه) متعلق ب«غبر».
 
(اللهم صل على محمد نبينا ‌و‌ آله كما صليت على ملائكتك المقربين) التشبيه ‌فى‌ كيفيه الصلاه ‌لا‌ ‌فى‌ اصلها (و صل عليه ‌و‌ آله كما صليت على انبيائك المرسلين) ‌فى‌ مقابل النبى غير المرسل، ‌و‌ ‌هو‌ الذى يخبر عن الله تعالى لنفسه ‌لا‌ لان يبلغه غيره، قالوا: ‌و‌ المرسلون عددهم ثلثمائه ‌و‌ ثلاث عشر ‌فى‌ حين ‌ان‌ عدد الانبياء جميعا مائه ‌و‌ اربعه ‌و‌ عشرون الف، ‌او‌ اكثر كما ‌فى‌ بعض الروايات (و صل عليه ‌و‌ آله كما صليت على عبادك الصالحين) هذا شامل للانبياء غير المرسلين ‌و‌ الاوصياء ‌و‌ الاولياء ‌و‌ ‌من‌ اليهم (و افضل ‌من‌ ذلك) كله بان تكون صلواتك عليه ‌و‌ آله افضل مما صليت على غيره (يا رب العالمين، صلاه تبلغنا بركتها) فان رحمته سبحانه على الرسول تعود بالاخره الى امته (و ينالنا) اى: يصل الينا (نفعها) ‌و‌ فائدتها
 
(و يستجاب لنا دعاونا) فان الداعى اذا صلى على الرسول ‌و‌ آله كان ذلك سببا لاستجابه دعائه كما ‌فى‌ الاحاديث (انك) ‌يا‌ رب (اكرم ‌من‌ رغب اليه) اى: اكرم ‌من‌ كل احد طلب الشخص منه شيئا (و اكفى ‌من‌ توكل عليه) فان كفايتك فوق كفايه سائر الوكلاء (و اعطى) اى: اكثر اعطاءا ‌من‌ سائر (من سئل ‌من‌ فضله) فاعطنا ‌ما‌ سئلناك (و انت على كل شى ء قدير) فتقدر على قضاء حوائجنا جميعا.
 

0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخرین مطالب

و كان من دعائه علیه السلام فى یوم عرفه
و كان من دعائه علیه السلام فى التذلل لله عز و ...
و كان من دعائه علیه السلام اذا اعترف بالتقصیر عن ...
و كان من دعائه علیه السلام بعد الفراغ من صلوه ...
و كان من دعائه علیه السلام اذا دخل شهر رمضان
و كان من دعائه علیه السلام فى الالحاح على الله ...
و كان من دعائه علیه السلام فى استكشاف الهموم
و كان من دعائه علیه السلام فى التضرع و ...
و كان من دعائه علیه السلام فى الزهد
و كان من دعائه علیه السلام فى دفاع كید الاعداء ...

بیشترین بازدید این مجموعه


 
نظرات کاربر

پر بازدید ترین مطالب سال
پر بازدید ترین مطالب ماه
پر بازدید ترین مطالب روز



گزارش خطا  

^