حديث عقل و نفس آدمی درآيينه قرآن، ص: 371

- اعتزل أهل الدنيا و الراغبيين فيها، و رغب فيما عند اللّه، و كان اللّه انسه فی الوحشة، و صاحبه فی الوحدة، و غناه فی العيلة، و معزه من غير عشيرة. يا هشام نصب الحق لطاعة اللّه، و لا نجاة إلا بالطاعة، و الطاعة بالعلم و العلم بالتعلم، و التعلم بالعقل يعتقد، و لا علم إلا من عالم ربانی، و معرفة العلم بالعقل. يا هشام قليل العمل من العالم مقبول مضاعف، و كثير اعلم من أهل الهوی و الجهل مردود. يا هشام إن العاقل رضی بالدون من الدنيا مع الحكمة، و لم يرض بالدون من الحكمة مع الدنيا، فلذلك ربحت تجارتهم.

يا هشام إن العقلاء تركوا فضول الدنيا فكيف الذنوب، و ترك الدنيا من الفضل، و ترك الذنوب من الفرض. يا هشام إن العاقل نظر إلی الدنيا و إلی أهلها فعلم أنها لا تنال إلا بالمشقة و نظر إلی الآخرة فعلم أنها لا تنال إلا بالمشقة، فطلب بالمشقة أبقاهما. يا هشام إن العقلاء زهدوا فی الدنيا و رغبوا فی الآخرة، لأنهم علموا أن الدنيا طالبة مطلوبة و الآخرة طالبة و مطلوبة، فمن طلب الآخرة طلبته الدنيا حتی يستوفی منها رزقه، و من طلب الدنيا طلبته الآخرة فيأتيه الموت، فيفسد عليه دنياه وآخرته. يا هشام من أراد الغنی بلا مال، و راحة القلب من الحسد، و السلامة فی الدين فليتضرع إلی اللّه عز و جل فی مسألته بأن يكمل عقله، فمن عقل قنع بما يكفيه، و من قنع بما يكفيه استغنی، و من لم يقنع بما يكفيه لم يدرك الغنی أبدا. يا هشام إن اللّه حكی عن قوم صالحين: أنهم قالوا: «ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا منلدنك رحمة إنك أنت الوهاب» حين علموا أن القلوب تزيغ و تعود إلی عماها و رداها. إنه لم يخف اللّه من لم يعقل عن اللّه، و من لم يعقل عن اللّه لم يعقد قلبه علی معرفة ثابتة يبصرها و يجد حقيقتها فی قلبه، و لا يكون أحد كذلك إلا من كان قوله لفعله مصدقا، و سره لعلانيته موافقا، لأن اللّه تبارك اسمه لم يدل علی الباطن الخفی من العقل إلا بظاهر منه، و ناطق عنه. يا هشام كان أمير المؤمنين عليه السلام يقول: ما عبد اللّه بشی ء أفضل من العقل، و ما تم عقل امرء حتی يكون فيه خصال شتی: الكفر و الشر منه مأمونان، و الرشد و الخير منه مأمولان، و فضل ماله مبذول، و فضل قوله مكفوف، و نصيبه من الدنيا القوت، لا يشبع من العلم دهره، الذل أحب إليه مع اللّه من العز مع غيره، و التواضع أحب إليه من الشرف، يستكثر قليل المعروف من غيره، و يستقل كثير-]