حديث عقل و نفس آدمی درآيينه قرآن، ص: 283
- الشهوات، استولی عليه حبه تعالی و منعه عن حب غيره، فصارت القوی و المشاعر و جميع الالات البدنية مطيعة للحق، منقادة له، و لا يأتی شئ منها بما ينافی رضاه، و إذا غلبت عليه الشقوة، و سقط فی مهاوی الطبيعة استولی الشيطان علی قلبه، و جعله مستقر ملكه و نفرت عنه الملائكة، و أحاطت به الشياطين، و صارت أعماله كلها للدنيا، و إراداته كلها للهوی، فيدعی أنه يعبد اللّه، و قد نسی الرحمان، و هو يعبد النفس و الشيطان. فظهر أنه لا يجتمع حب اللّه و حب الدنيا، و متابعة اللّه و متابعة الهوی فی قلب واحد، و ليس للانسان قلبان حتی يحب بأحدهما الرب تعالی و يقصده بأعماله، و يحب بالاخرة الدنيا و شهواتها، و يقصدها فی أفعاله كما قال سبحانه: ما جعل اللّه لرجل من قلبين فی جوفه. و مثل سبحانه لذلك باللسان و السيف، فكما لا يكون فی فم لسانان، و لا فی غمد سيفان، فكذلك لا يكون فی صدر قلبان، و يحتمل أن يكون اللسان لما مر فی ذی اللسانين. و أما قوله: فكذلك الاذهان. فالفرق بينها و بين القلب مشكل، و يمكن أن يكون القلب للحب و العزم، و الذهن للاعتقاد و الجزم، أی لا يجتمع فی القلب حب اللّه و حب ما ينافی حبه سبحانه، من حب الدنيا و غيره، و كذلك لا يجتمع الجزم بوجوده تعالی، و صفاته المقدسة و سائر العقائد الحقة، مع ما ينافيه من العقائد الباطلة و الشكوك و الشبهات فی ذهن واحد كما أشرنا إليه سابقا و قيل: يعنی كما أن الظاهر من هذه الاجسام لا يصلح تعددها فی محل واحد، كذلك باطن الانسان الذی هو ذهنه و حقيقته لا يصلح أن يكون ذا قولين مختلفين، أو عقيدتين متضادتين، و قيل: الذهن الذكاء و الفطنة، و لعل المراد هنا التفكر فی الامور الحقة النافعة، و مباديها و كيفية الوصول إليها، و بالجملة أمره بأن يكون لسانه واحدا، و قلبه واحدا، و ذهنه واحدا، و مطلبه واحدا، و لما كان سبب التعدد و الاختلاف أمرين؛ أحدهما تسويل النفس، و الاخر الغفلة عن عقوبة اللّه، عقبه بتحذيرها، و ربما يقرأ بالدال المهملة من المداهنة فی الدين، كما قال تعالی: أفبهذا الحديث أنتم مدهنون. و قال: و دوا لو تدهن فيدهنون». بحار الأنوار، ج 72، ص 208.]
[ (3) علل الشرائع، ص 109، ح 8.]